السبت، 19 يونيو 2010

معركة الدولة الخاسرة على الفيسبوك


معركة الدولة الخاسرة على الفيسبوك
إعلام آخر يوجه الرأي العام كشف عن وجهه في قضية خالد سعيد
الإعلام التقليدي فقد مصداقيته في قضية خالد سعيد


حتى وقت قريب كان المصريون مضطرون لتصديق كل ما تأتيهم به أخبار التاسعة مساء ونشرة 24 ساعة اللتان تستمران لما يقرب الساعة مهتمين بالزيارات الرسمية وافتتاح مخبز جديد وكان المصريون يبحثون فيما بين السطور ويخضعونه للتأويل والتمحيص بحثا عن خبر أو رائحة خبر
وبنشأة الفضائيات لم يتغير شئ إلى أن نشأت قناة الجزيرة والتى رغم تحفظاتنا الكثيرة عليها إلا أنها فتحت بابا كان موصدا أمام رؤية الحدث على الهواء وبالفعل مكنت رأيا آخر من أن يطل بعد سنوات طويلة من سيادة الرأي الواحد
أما ما كان ينذر بالخطر لكل النظم التى تعيش تحت سماء الشرق الأوسط فكان ثورة النت التى بدأت على استحياء ثم تصاعدت مع إتاحة خدمات مجانية جيدة مثل خدمة مدونات جوجل المعروفة blogger blogspot  ومدوناتworldpress   التى مثلت نقلة نوعية في شكل المعلومة وهدفها وفحواها فبدلا من لغة الإعلام المتحفظ سادت لغة لا تحمل كثيرا من الإحترام لقواعد النحو والصرف والفصحي لكنها في النهاية هي لغة الشارع التى يتحدثها الشارع في هذه اللحظة لذلك قوبلت تلك المدونات بحفاوة رغم أنها في أحيان كثيرة كانت فارغة المحتوى سوى من عبارات السباب للحكومات والأنظمة لكنها على ما يبدو صادفت ميلا وتعطشا لهذا النوع من الإعلام



كان مقبولا إلى حد ما أن يحلق المدونون في فضاء النت دون تدخل حكومي لكن المدونون تمادوا قليلا فنزلوا إلى الشوارع يحملون كاميرا موبايل ولاب توب وأصبحت مظاهرات تجري في شارع التحرير يتم تغطيتها عبر مدونات مثل مدونة إسكندراني ، ومدونة وائل عباس الشهيرة المعروفة بإسم مصر ديجيتال أو الوعي المصري وهو تطور لم تكن الجرائد الحكومية ولا المستقلة قادرة على مجاراته وكان طبيعيا أن تجد هذه المدونات والمدونون قطعة من كعكة الخبر والتعليق
بشئ من التحرر من عملية (التوجه ) التى تسيطر على الصحف والبرامج الحوارية والإخبارية أصبحت هذه المدونات مطلبا يبحث فيه الناس عن الخبر وإستجاب المدونون بمجموعة من الأخبار والمواضيع الحصرية مدعومين بمواقع مجانية توفر لهم خدمات رائعة مثل موقع يوتيوب وفيمو وغيرهما فكان المدونون قادرون على تعزيز مقالاتهم واخبارهم بلقطات الفيديو الملتقطة بكاميرات الهواة
ويأتي وقت المواجهة الفعلية بين المدونات والسلطة عندما بدأت المدونات تقتحم عالم السياسة المباشرة أي السياسة التى تشعر بأثرها في حياتك اليومية ففجر وائل عباس فضيحة تعذيب كبري عرفت إعلاميا بفضيحة عماد الكبير الذي عذب على يد الضابط إسلام نبيه وكانت نتيجة الفضيحة التى فجرها وائل عباس هي سجن إسلام نبيه في النهاية بعد إن أضطرت وسائل الإعلام الى ركوب الموجة عبر القنوات الفضائية التى حاولت وقتها نسبة فضلا لا يخصها إلى نفسها ومحاولة مجاراة مدونات المدونين لكن النتيجة كانت سجن ضابط فضحته مدونة بكليب مصور لا يمكن تكذيبه وتوالت بعد ذلك كليبات التعذيب في مرحلة من المراحل حتى أصبحت المدونات تقريبا متخصصة في مكافحة تصرفات الشرطة وهو ما ظهر جليا عندما ظهرت حركة كفاية ثم تغطية المدونات لأحداث القضاة
المدونات لها أصحاب ربما يبدأون حياتهم التدوينية بأسماء مستعارة لكنهم في لحظة ما يشعرون أنهم أنجزوا كثيرا ومن حقهم أن يعرف العالم الذي اختاروه مسرحا لإبداعهم لذلك سرعان ما تشتهر مدونة ويصبح لها جمهور ثم يظهر من يقف خلف المدونة للعيان
بعض المدونين بالطبع عاني من مضايقات أمنية سواء في مصر أو المغرب أو تونس أو غيرهم لكن إغراء التدوين ما يلبث أن يدفع آخرين إلى التدوين ومع كثرة المدونين يحاول الجميع أن يشهر نفسه ومدونته والطريقة أصبحت شبه معروفة : مزيدا من السخونة والصوت العالي الزاعق
النتيجة الحتمية أن المدونون لا يرحمون وهم أيضا غير مطالبين بتحري مصادر الأخبار بدقة مجبرة عليها وسائل الإعلام الأخري وهذه النقطة تحديدا تجعل إنتشار الخبر على مدونة أسرع من انتشاره على وسائل الإعلام الاخري
المدونون في الواقع غير مدعومين من أحد على الإطلاق وجل ما يتقاضونه هو بعض الأرباح البسيطة التى تساعدهم بها شركات الإعلانات التى تضع الإعلانات على صفحاتهم وأبرزها جوجل أدسنس لكن في النهاية هم لا يدونون من أجل الإعلانات لكنهم يدونون من أجل شئ يجري في دمائهم أحيانا وأحيانا لإحساس بظلم وفي كثير من الأحيان يدونون لأنهم موجودين

لكن إذا كان هناك أمل في تفرض دولة ما سيطرة من أي نوع على المدونات التى تشعر أنها تهددها فإن هذا الأمل يتضائل تماما عندما نتحدث عن موقع اجتماعي حصل في وقت قصير على عدد مشتركين لم يحققه أي موقع من قبل وهو موقع الفيسبوك
موقع الفيسبوك في كل العالم بدأ كموقع إجتماعي بحت للتواصل بين الأصدقاء ثم تطور الى أن أصبح وسيلة تواصل بين بعض الجماعات الفكرية أو الجماعات ذات الإهتمام المشترك وبشئ من التطور المتلاحق أصبح الفيسبوك يقدم خدمة مثل خدمة تويتر للمدونين فأصبح يربط مدوناتهم تلقائيا بصفحاتهم الخاصة على الفيسبوك
إلى هنا كان الأمر محتملا لكن أول إرهاصة الى أن الفيسبوك سيكون له دور سياسي كان عبر الحملة الإنتخابية لباراك أوباما وهي الحملة التى أديرت بنجاح عبر موقع الفيسبوك إلى أن أصبح باراك أوباما أول رئيس ملون للولايات المتحدة الأمريكية
في مصر كانت هناك واقعة شهيرة لتأثير الفيسبوك على دنيا السياسة من خلال فتاة صغيرة كونت مجموعة (جروب ) على الفيسبوك ومن خلال هذا الجروب المجاني الصغير تحرك عمال المحلة فجأة بصورة عنيفة للغاية أخرجت المحلة من تحت عباءة الدولة ليومين أو أكثر مخلفة العديد من الضحايا والخسائر وتم القبض على الفتاة التى حركت محافظة كاملة عبر جروب صغير لكنه فعل ما عجز عنه الإخوان والشيوعيين بكل خطاباتهم
دكتور البرادعي بحكم ثقافته كان مدركا لتأثير موقع مثل الفيسبوك فأصبحت صفحته على الفيسبوك هي رأسماله السياسي الذي حرك الناس من عالم النت الإفتراضي إلى مطار القاهرة ليسمونه مرشحا لرئاسة الجمهورية
المثير في ما حدث أن الدولة لم تتنبه إلى أنها لم تعد تواجه تحركات تتم في فضاء إفتراضي وأن التحرك الذي يتم في رحابة وفرضية النت ينعكس على أرض الواقع لو أحسن استغلال التأثير والتوجيه اللذان سمح بهما النت
كان أمام الدولة خيار استصعبته وهو أن تجعل وسائل إعلامها قادرة على طرح المعلومة بشكل مثير فعال وأن تكون المعلومة صحيحة ولو من منطلق أن المعلومة أصبحت متاحة بصورة أو بأخري و أي كذب مصيره إلى إنكشاف في عصر الفيسبوك لكن الدولة لم تفعل سوى بعض المراقبات لمشتركي الفيسبوك والمدونين وبطبيعة الحال لم يكن بإستطاعتها مراقبة حساب الملايين على النت
آخر تحرك عبر الفيسبوك كان تحركا لابد أن يدرس كمثال لتأثير مثل هذا الموقع ونعنى بالحديث الجدل الدائر حول قضية شهيد الطوارئ خالد سعيد
بالطبع نتعاطف مع قضية خالد سعيد ونعلم أن هناك مثله كثيرون كما أن تعامل الشرطة مع المواطنين لم يقل أحد أنه في أفضل حالاته ولا يمكن لوزارة الداخلية نفسها أن تدعي ذلك لكن الجديد والذي يستحق الدراسة هنا هو حجم التأثير
الدولة عندما تسرب الخبر أو بدأ الحديث عنه سارعت لإصدار بيان كذبه المدافعين عن خالد سعيد على الفيسبوك مستندين لصور شهادة تجنيدة وجواز سفره وبطاقته الضريبية وكان لزاما على الدولة أن تفعل شيئا مختلفا لكن للأسف جاء هذا الشئ باهتا بل ومثيرا لأعصاب مستخدمي الفيسبوك وهم في الأساس فئة عمرية من السهل اثارتها فخرج مقدم برنامج مصر النهارده  خيري رمضان ليتحدث عن قضية خالد سعيد بصورة مسفة أظهرت ضعف أدائه الإعلامي الذي كان غير ظاهر عندما كان يكتفي بتصفح الجرائد في برنامج القاهرة اليوم
من ناحية أخري لم يكن هناك مردود من حديث منى الشاذلي في العاشرة مساء عن أن الفيسبوك مراقب وأصبح رد الفعل على حديثها مزيد من العصبية ومزيدا من التحدي على صفحات الفيسبوك
أما جرائد الحكومة أو الجرائد القومية فأدارت المعركة بفكر الستينات فخرجت جريدة الجمهورية تتحدث عن مظاهرات من أجل حشاش وكان رد الفعل يشبه سحب الثقة ليس من الكاتب ولكن من الجريدة بأكملها
جريدة مثل المصري اليوم تناولت القضية بشئ من التقريرية إذا جاز التعبير وحافظت على مساحة بين الفريقين فلم تجزم بالبرئ والمدان لكن لسوء حظ المصري اليوم أن يكون من قام بتغطية القضية صحفية يتشابه اسمها مع اسم الضابط الذي يتحدث عنه الجميع عن انه السبب في قتل خالد سعيد وسواء كانت الصحفية هي بالفعل شقيقة الضابط أم لا إلا أن المصري اليوم تعرضت لحالة فقدان مصداقية
وحالة فقدان المصداقية للإعلام التقليدي عبر عنه رئيس تحرير اليوم السابع بقوله أن الفيسبوك أقوي من كل الجرائد القومية التى لا توزع شيئا يذكر
هذا بالطبع إذا استبعدنا الأعداد المحجوزة سلفا عن طريق الإشتراكات للمصالح والشركات الحكومية
الغريب في قضية خالد سعيد أنه لا أحد أفلت من لعنة شهيد الإسكندرية فحتى عمرو أديب وجهت له سهام النقد بضراوة ونال الجميع شيئا من هذه السهام سواء من خلال تعليقات المستخدمين او من خلال تغطيات مستخدمي الفيسبوك للحدث
عبر الفيسبوك استطاع المتضامنين مع خالد سعيد تنظيم أكثر من مظاهرة وأكثر من مسيرة وأشكال احتجاج جديدة على المجتمع المصري بينما الدولة مازالت تصر على لغة البيانات الرسمية وتدخل النائب العام
فرضية تلح على في طرحها ، ماذا لو تعاملت وزارة الداخلية مع القضية من البداية بصورة سياسية وليست أمنية ؟
بمعنى ماذا لو كانت الداخلية قد نظرت إلى القادم بشئ من الإستبصار وقررت أن تنهى الأمر قبل أن يبدأ؟
كان ذلك في مقدورها بصرف النظر عن قناعة الداخلية ببراءة المتهمين من عدمه لكنها كان أمامها فرصة أكثر من رائعة لعدم التورط بل ولتجميل وجهها فلو قامت الوزارة بإيقاف المتهمين عن العمل والإعلان عن التحقيق معهم ( وهم في النهاية هم لا يمارسون عملا الآن بكل تأكيد بحكم الظروف الراهنة) كان الأمر في هذه الحالة سيتخذ منحي آخر قابلا للسيطرة لكن للأسف كان تعامل الداخلية على المستوى الإعلامي مع القضية يتم بصورة أمنية وليس بصورة سياسية تراعي المواءمات أو أنها جانبها الصواب في تقدير حجم التأثير المباشر وغير المباشر للدعوات الصادرة عن المواقع الإلكترونية وهو ما يجب أن يكون موضع دراستها واهتمامها خاصة إدارة الإعلام في قادم الأيام
من ناحية أخري كان هناك كالعادة من يبحثون عن وجاهة سياسية على حساب القضية والقتيل والمتضامنين فظهر أيمن نور مرة أخري مشاركا في المظاهرات بينما كان هناك دورا غير قابل للإنكار للأخوان المسلمين الذين يرتدون عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان حسب الطلب وبطبيعة الحال كان البرادعي سباقا كعادته من خلال التنديد والوعيد ونهاية بزيارة أسرة شهيد الطوارئ الجمعة القادم في الإسكندرية رغم أنه لم يزر أيا من ضحايا التعذيب الآخرين من قبل لكنها ضرورات السياسة
أتخيل لو أن القيادة السياسية ممثلة في رئيس الجمهورية كانت قد تحركت تجاه هذا الحادث ووضع ملف القضية ضمن الملفات المشمولة برعايتها وقتها كانت القيادة السياسية ستحصل على شعبية دون شك تعوضها عن ما يهدره الكثيرين من وزراء الحكومة خلال الفترة الماضية ، وأتخيل لو أن جمال مبارك هو من قام بزيارة أم خالد سعيد في الإسكندرية وجمال مبارك على مستوى شريحة الشباب هو شخص مقبول لا شك ، وقتها كانت المطالبة بترشيح جمال مبارك للرئاسة قادمة لا محالة
ودعونا نتصور لو أن الإعلام الحكومي قد اتخذ موقفا مخالفا لموقفة ولو كان موقف الحياد لكان حافظ على مصداقية أصبح يفتقدها بسبب سوء إدارة الأزمة من البداية بمنطق إعلاميين الستينات وبرامج التوك شو التى تنقلب على يد مذيعين فاقدين الكفاءة إلى برامج خطابة مملة ممجوجة باحثة عن بطولات وهمية لا يراها غيرهم
هناك خطأ حدث في قضية خالد سعيد وهناك سوء تقدير لتأثير الإعلام الجديد لا شك وهناك تخلف وتدهور في درجة تأثير الإعلام التقليدي
وهناك ما هو أخطر ...حالة فقدان الثقة في كل شئ يخص مؤسسات الدولة وحالة فقدان الثقة في النهاية علاجها إعلامي بالأساس ولكن ليس بطريقة إعلام العصر الحجري
قضية خالد سعيد كشفت كثيرا من عورات مراكز علاج الأزمات والتفاعل معها
كلمة أخيرة لابد من التنبه لها: الشعب المصري شاب بمعنى أن نسبة ومتوسط أعماره صغيرة وبالتالي الدولة تتعامل وتواجه فئة عمرية تجيد استخدام النت وعليها أن تدرك وتتعامل معها بمنطق الفيسبوك والمدونات    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق