الثلاثاء، 22 يونيو 2010

أطول يوم في تاريخ الإسكندرية


أطول يوم في تاريخ الإسكندرية
أيمن نور والبرادعي ودم خالد سعيد يصنعون أطول يوم في تاريخ الإسكندرية
بإختصار: ربنا يستر على بلدي


كلنا بحكم الطبيعة الإنسانية مطالبين بالوقوف إلى جانب الحق وحتى من يخالفون هذه الطبيعة التى جبل عليها الإنسان وينحازون إلى جانب الظلم والتجبر يفعلون ذلك وهم يدركون تماما أنهم على خطأ لذلك تأتي كلماتهم محملة بعبارات من قبيل:
أعمل إيه، أكل العيش، أنا عبد المأمور
يستوي في ذلك وقوفك إلى جانب الحق أمام منصة القضاء في قضية قتل ووقوفك إلى الحق في سرقة حبل غسيل لذلك لم يكن غريبا على شباب مصر أن يقفوا إلى جانب خالد سعيد الذي يشعر الجميع أنه يستصرخهم من تحت التراب مطالبا بحقه
شخصيا أعاني من صورته التى أراها أمامي طيلة اليوم وهي نفس الصورة التى أزعم أن آلاف الأمهات والأباء يرونها كثيرا هذه الأيام في مخيلتهم وإن تغيرت التفاصيل الإنسانية لتصبح صورة أحد أبنائهم مكانها ولعل هذا ما أضاف زخما إلى قضية خالد سعيد الذي لم يكن مطلوبا لقضية ولا مسيسا ولا تابعا لحزب بل كان من فئة يطلق عليها الشعب المصري (شاب كول)
لكن دائما الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة فقضية خالد سعيد لا ننكر على الإطلاق أن من فجرها بداية هو أيمن نور لكن لماذا الآن وبهذه الكيفية ؟


قضية خالد سعيد ليست أول قضية تعذيب تحدث في مصر ولكن هذه المرة قرر البرادعي أن يشارك في الأمر على الأرض هذه المرة وليس عبر النت ، ربما كان ذلك بعد فشل البرادعي في جذب الأنظار له عندما صرخ حول موضوع فتح معابر رفح ضمن الصارخين ووجدها الآن فرصة ذهبية لينال بريقا إعلاميا جديدا خاصة بعد إنتقادات وجهت له بأنه يمارس السياسة دون الخوض فيها
أيضا الأخوان المسلمين وجدوا الفرصة سانحة ليتحركوا على خلفية حدث يجمع إليه جميع المصريين وبالتالي ففرصة الوجود على الساحة لا تفوتهم وإن كانوا يعرضون عبر مواقعهم الأمر كما لو كان الأخوان هم من تزعم الأمر ناسبين لأنفسهم ما لم يقوموا به
خالد سعيد شهيد تعذيب وإنتهاك آدمية من بعض الرعاع لا شك المحتمين بزيهم الرسمي لكن لا يجب أن يكون موته هو طريق (عبده مشتاق ) لحكم مصر
الإسكندرية عروس المتوسط التى اعتادت أن تكون آخر قلعة تسقط في الوطن من القدم مرورا بدخول عمرو بن العاص الذي دانت له مصر إلا الإسكندرية التى استعصت عليه ولم تسقط سوى بخيانة من بعض يهود الإسكندرية....الإسكندرية كالعادة صاحبة خصوصية فريدة تقف على مسافة من الأحداث وتحتفظ لنفسها بحق الرفض لكل شئ ، شعبها مثل بحرها عاطفي متقلب كموج البحر عصبي المزاج لا يقبل القيود لذلك كانت دائما الإسكندرية لها خصوصية في كل شئ والأن مازالت الإسكندرية تحافظ على هذه الخصوصية بتحرك سريع عصبي المزاج حاد الهتاف لا يميز بين المخبر الذي قتل والضابط الجالس في أقصي الصعيد فطبقا لمزاج البحر المتوسط الذي يحكم شعبها يصبح سقف الغضب عاليا جدا
العجيب أن الدولة تتعامل مع الإسكندرية بإعتبارها محافظة ريفية بينما عشاق السياسة ينظرون إليها بإعتبارها العاصمة الحقيقية لذلك نقل أيمن نور نشاطه خلال الأيام القادمة إلى الإسكندرية بإحترافية شديدة فأعلن عن تأسيس مركز خالد سعيد لمناهضة التعذيب في نفس الشارع الذي لقي فيه الشهيد مصرعه بينما سيبدأ جمع التوقيعات للمركز من أمام مقبرة خالد سعيد ويختتم تحركاته بالصلاة يوم الجمعة بمسجد إبراهيم الذي كان معاصرا لكل الحركات السياسية التى مرت بالإسكندرية
أيمن نور شخص سريع البديهة يتحرك في ملعب السياسة كما كان يتحرك الملاكم محمد على كلاي فيرقص كالفراشة ويلدغ كالنحلة لكن البرادعي يتحرك بطريقة الديناصورات المستندة إلى قوة لا تنضب تحميها علاقات جمعها على مدار تاريخه خارج مصر مما يجعله يرفع لافتة (ممنوع اللمس) في كل مكان يذهب إليه وهو حين يذهب إلى الإسكندرية فهو يدرك أنه في هذه اللحظة تحديدا بدأ يقدم نفسه للناس فهذه الزيارة ليست كزيارات المنصورة والصلاة في الحسين ففي هذه اللحظة سيظهر حجم التأييد المزعوم الذي يحظي به البرادعي وإن كنت أشك أن الرجل يسعي لتعرض الكاميرات صور آلاف المتظاهرين من أجل خالد سعيد ويقدمهم هو للإعلام الغربي على أنهم أتباعه في تجارة سياسية رخيصة لا ننتظرها وسط ظرف أقل ما يقال عنه أنه مؤلم
الجمعة القادم سيصبح أطول يوم في تاريخ الإسكندرية فمنذ لحظات الصباح الأولي سيكون على قوى الأمن أن تتجه لتأمين مسجد القائد إبراهيم تحسبا لصلاة أيمن نور هناك وسط جو مشحون بطبيعة الحال سيزيده العواطف التى تتفجر دائما بعد صلاة الجمعة في هذا الجامع الذي تخصص في إثارة المشاعر منذ أيام الشيخ المحلاوي
والأمن سيكون عليه أيضا أن يؤمن زيارة البرادعي لوالدة شهيد الطوارئ خالد سعيد ثم يكون مستعدا لتأمين وقفة الملابس السوداء على طول الكورنيش والطرق الرئيسية والتى من الدارج أن تختلف هذه المرة في من سينضم إليها فقد أصبح معروفا أن هناك مئات من السيدات المسنات والأمهات سيكونون متواجدين بالوقفة الصامتة وهو أمر مرهق وجديد لا شك على جهاز الأمن الذي أصبح يدرك تماما أن الغاضبين لخالد سعيد ينتظرون أي إنتهاك أو ممارسة عنيفة ضد الوقفة القادمة بشئ من التربص
وما يزيد الطين بله أن الوقفة الصامتة الحزينة ستأتي هي وصلاة أيمن نور وزيارة البرادعي بعد أن تكون نتيجة الطب الشرعي قد ظهرت وفي حالة أتى التقرير يدين جهاز الشرطة فسيكون هناك مطالب محددة تخص شكل التكييف القانوني للقتل ومطالب تتعلق بالقصاص القانوني من مستويات عليا أما في حالة جاء التقرير مثل سابقه فسيكون هناك غضب مشتعل يشبه النار تحت الرماد وفي كل الأحوال فيوم الجمعة القادم سيكون يوما طويلا على كل الإسكندرية مواطنين وجهاز أمن وزوار
ومن الآن وحتى يوم الجمعة كنت أتوقع أن يصدر أي شئ عن أي أحد في سبيل إطفاء النيران المشتعلة لكن يبدو أن لا أحد يهتم أو أن لا أحد يريد ذلك في تكرار لمسرحية كلاسيكية قديمة اسمها (مشعلوا الحرائق) بينما قوات المطافئ المنوط بها إطفاء الحريق تتحرك مثل مطافئ مسرحية ظل الحمار تقدم قدم وتؤخر الأخري وكانت التنيجة أن مدينة (أباديرا ) الساحرة سقطت في النار كلها دون تمييز
مدينتى التى أشفق عليها من ما ينتظرها سواء كان ذلك نتيجة لفساد مخبر أو ضابط أو إنتهازية سياسية أو صلف في التعامل الأمنى ، مدينتى أعرفها جيدا وأعرف أن غضبها يمكن أن ينتهى كما بدأ في لحظة تشبه تكسر الموج على الشاطئ أو تشبه عاصفة عاتية طوال المساء ثم صفحة ماء صافية تغري بالسباحة عند الفجر
لكن هذا لن يكون من تلقاء نفسه فالإسكندرية غير مصابة بالهلاوس لذلك لابد من شئ ما يهدئ الخواطر وينزع الفتيل المشتعل و يعيد إلى المواطن ثقته في أجهزة دولته التى تمول من جيبه بصورة مباشرة
هذا الشئ الذي لا أستطيع تحديده يمكن أن يكون قرار من رئيس النيابة الذي أثبت أنه رجل منزه قادر بمفرده على إعادة الهيبة لقضاء مصر ، لا أعرف شكل القرار هل سيكون ضبط واحضار أم توجيه اتهام ليس للمخبرين المنحرفين فقط بل لكل من شارك أو علم أو تستر على الجريمة ، لا أعرف تحديدا شكل القرار لكن أشعر به في الطريق
ما سيعيد الأمور إلى نصابها ويقينا جميعا نار الفتنة المشتعلة ومحترفي الصيد في الماء العكر هو الحق الذي هو في النهاية أحق أن يتبع بكل حزم ...بكل صرامة ...وبكل تجرد 

هناك تعليق واحد: