هل تمارس إسرائيل القرصنة البحرية في الصومال؟
قناة البحرين بديل إسرائيلي مطروح لقناة السويس
تدويل البحر الأحمر بدأ بعيدا عن الأمم المتحدة
معهد أبحاث تشاثام هاوس البريطاني قام بدراسة حول أثر عمليات القرصنة على قناة السويس و خرج بنتيجة مفادها أن أثر عمليات القرصنة سيكون مدمرا على قناة السويس التى سيفضل العديد من ملاك شركات الملاحة الاستعاضة عنها بسلوك طريق رأس الرجاء الصالح القديم لأن أقساط التأمين التى سترتفع نتيجة لعمليات القرصنة ستجعل المرور من قناة السويس خيار غير اقتصادي
والواقع أن قيمة أقساط التأمين على السفن في خليج عدن تضاعفت عشر مرات، الأمر الذي يعني أن السفن قد تجد نفسها مضطرة إلى تجنب الملاحة عبر خليج عدن وقناة السويس والمرور بدلا من ذلك عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
أول إشارة الى صحة النتائج التى ذهبت اليها الدراسة البريطانية أتت من النرويج فقد أعلنت مجموعة الشحن النرويجية أودفيل أنها قررت تجنب استخدام قناة السويس وخليج عدن لتجنب هجمات القراصنة وستغير مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح على الرغم من ارتفاع التكاليف ، وقال تيري ستورينج المدير التنفيذي للشركة النرويجية: "لن نعرض طواقمنا بعد اليوم لمخاطر الخطف في خليج عدن".
إذن مصر أمام مخطط مدروس لضرب الملاحة في قناة السويس التي تعتبر ثالث مصادر الدخل القومي
لكن وعلى طريقة الشرطة في البحث عن الجاني يمكننا أن نتبع الطريقة نفسها ونسأل أنفسنا السؤال الذي طال تأجيله : من المستفيد؟
البحر الأحمر شهد نزاعا مستمرا سواء في وقت الحرب أو وقت السلم بين إرادتين لا ثالث لهما ، الإرادة المصرية من جهة والإرادة الإسرائيلية من جهة أخرى
وفي وقت الحرب إنتصرت الإرادة المصرية تماما بداية من اغلاق قناة السويس وتحويل البحر الأحمر الى بحيرة مغلقة بعد حرب 1967 أو أثناء حرب أكتوبر وإغلاق مضيق باب المندب
أما على في زمن السلم فيبدو أن هناك شئ من الترهل حدث وهو ما مكن إسرائيل من ممارسة دور سعت له بشدة عبر تدويل منطقة البحر الأحمر من خلال مخطط بسيط وهادئ بدأ من الجنوب ويستمر في إتجاه الجنوب سواء كان الجنوب السوداني أو الصومالي أو أي جنوب فاهتمام إسرائيل بإيجاد موطيء قدم لها في الصومال لا يرجع إلى تمتعه بثروات نفطية أو كنوز تحت الأرض ولكن بسبب أن الصومال هو بحكم موقعه الجغرافى (بوابة) تفتح على المحيط الهندى والخليج العربى أى أنه يتحكم في المدخل الجنوبى للبحر الأحمر الذى تسعى إسرائيل لتأمينه تحت أي مسمي ، التأمين بالأحتلال المباشر أصبح (موضة قديمة) لكن اسرائيل عزفت لبعض الوقت على نغمة خطر تنامي القوى الإسلامية لكن يبدوا أن أمريكا كانت منشغلة في العراق لذلك تحركت اسرائيل في فضاء منفرد لا يحلق فيه غيرها فالدول المطلة على البحر الأحمر لا تفهم أو تدرك انها تطل على هذا البحر ، السعودية تكتفي دائما بفكرة حدودها مع اليمن واليمن لا يرى سوى السعودية وعمان مكتفية بالجلوس خلف أسوار مدينتها القديمة ولو في عقلها الباطن أما الدول الأفريقية فحدث ولا حرج ، السودان ما بين تطبيق الشريعة وخطر الانفصال وتحركات البشير غير المفهومة وجيبوتي تحكم حقيقة من داخل معسكر القوة الأمريكية الموجودة على أراضيها أما الصومال فحاول أن تبحث عن الدولة
يبقى مصر وهي تمارس الكثير من الأدوار في هذا المكان من العالم ولكن المشكلة الأزلية أن مصر تتحرك ببطء شديد نتيجة ثقة متوارثة من كونها دولة قديمة لن يؤثر فيها شئ فلا تجد الحماسة للتحرك بقدر ما تجد شكل من أشكال التمهل يصل لحد البطء
وفي المقابل تحركت إسرائيل
في البداية ، استغلت إسرائيل الحدود الطويلة التي تفصل بين إثيوبيا والصومال للتغلغل فى الجزء الشمالي من الصومال، المحكوم بواسطة حكومة علمانية، والذي أعلن انفصاله وأطلق على نفسه " جمهورية بونت لاند "، ثم بعد ذلك شجعت إثيوبيا على التدخل العسكري المباشر للإطاحة بالمحاكم الإسلامية من السلطة التى قدمت نفسها للعالم أسوء تقديم عبر تحركات تنذر بتكرار شكل الحكم الطالباني في الصومال
في نفس الوقت اشتعل التمرد في إقليم دارفور السوداني سواء بتدخل ودعم اسرائيلي أو بسوء ادارة سودانية جرت على السودان الكثير من الويلات
التحرك الأكثر خطورة لم يكن تقليديا بل كان مستحدثا على بساطته وهو تشجيع عمليات القرصنة الأمر الذي سيدفع بالعالم في لحظة ما لتدويل البحر الأحمر فعليا وليس حرفيا لكن قبل ذلك تكون قناة السويس قد تحولت الى ذكري
إسرائيل تنطلق في مخططها لتدويل البحر الأحمر من حقيقة كونها لا تمتلك سوى عدة أميال في "إيلات" علي شاطئ البحر, لا تتيح لها ممارسة دور القوة البحرية, أو تأمين خطوط الإمداد في حالتي السلم والحرب.
القلق الإسرائيلي تحول الى واقع معاش بعد حرب يونيو 1967 وقيام مصر بإغلاق قناة السويس لسنوات طويلة تالية ثم حرب السادس من أكتوبر1973 وقيام اليمن بإغلاق مضيق باب المندب
هنا كان لابد لإسرائيل أن تجد حلا وبديلا للقناة ولذا مهدت إسرائيل لمخطط التدويل في 24 أغسطس 1980 بوضع حجر الأساس لمشروع حفر قناة "البحرين"، التي تصل بين البحر الأحمر والبحر الميت كخطوة أولى نحو إنشاء الجزء الثاني من القناة التي ستسير غرباً لتصل إلى البحر المتوسط عند منطقة حيفا وبالتالي إيجاد قناة مشابهة لقناة السويس.
اقتصاديا البحر الأحمر ممر بحري رئيسي للتجارة يمر عبره حوالي 325 مليون طن من البضائع تمثل 10% من إجمالي الشحنات البحرية العالمية سنويا ، كما ارتفع عدد ناقلات البترول التي تمر سنويا في قناة السويس إلى 21 ألف ناقلة, وزادت كميات البترول الخام التي تتدفق عبر الأنابيب إلي البحر الأحمر بشكل هائل .
التوترات المسلحة في منطقة الخليج منذ بداية التسعينيات أدت أيضا إلي كثافة غير معتادة في مرور القطع العسكرية البحرية عبر مياه البحر الأحمر, ورغم أن طريق رأس الرجاء الصالح يمثل بديلا نظريا, إلا أنه مكلف ماليا, ولا يلبي اعتبارات الوقت عسكريا ، ولذا تصر إسرائيل على مواصلة مشروع قناة "البحرين" لاقتسام المزايا السابقة مع مصر في مرحلة أولى والسيطرة عليها بالكامل في مرحلة ثانية .
لكن لماذا القرصنة الآن بدلا من تنفيذ مشروع قناة البحرين؟ ببساطة لأنها لعبة شطرنج، مصر تدرك المخطط الإسرائيلي جيدا وإسرائيل تدرك أن مصر تعلم بمخططها لذلك تحول الأمر الى مباراة ذكاء أكثر منه صراع وقامت اسرائيل بتحريك قطعة من قطع الشرطنج فظهر القراصنة الصوماليين الى العلن فقد تعرضت 77 سفينة أجنبية على الأقل لهجمات خلال 2008 نفذها قراصنة صوماليون في مدخل البحر الأحمر وفي المحيط الهندى وخليج عدن وقدر عدد القراصنة المنتشرين على طول السواحل الصومالية بنحو 1100 رجل موزعين في أربع مجموعات ومعظمهم من خفر السواحل الصوماليين السابقين ممن لديهم الخبرة البحرية اللازمة للقيام بالعمل
يبلغ طول سواحل الصومال 3700 كلم وهي واحدة من أطول السواحل في العالم يمر أمامه كل عام حوالى 16 ألف سفينة وحوالى ثلاثين بالمائة من الانتاج النفطي العالمي عبر هذا الطريق .
الإتجاه نحو تدويل الأزمة
صوت مجلس الأمن الدولى بالإجماع في 2 يونيو 2008 لصالح قرار دعت إليه الولايات المتحدة ويفوض الدول الأجنبية بمكافحة القرصنة والسرقة بالإكراه فى عرض البحر فى المياه الإقليمية للصومال.
بعد ذلك قام الاتحاد الأوروبي في بالتصديق على إرسال أسطول من سبع سفن حربية مدعومة بطائرات استطلاع بحري إلى خليج عدن لمواجهة القرصنة الصومالية , وقام حلف " الناتو " بإرسال سفن ايطالية ويونانية وبريطانية وتركية قبالة سواحل الصومال ، وأعلن جيمس اباتوراي أن الحلف يدرس حاليا إمكانية الاضطلاع بدور على المدى البعيد في المنطقة ،
أيضا أرسلت عدة دول منها جنوب إفريقيا والهند وروسيا سفنا حربية للعمل في المنطقة بغرض حماية السفن التجارية التابعة لهذه البلدان من القرصنة, كما دعت بعض الدول ومنها الدانمارك إلي إنشاء وحدة جنائية خاصة في إطار المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة القراصنة الصوماليين .
القرارات والتحركات السابقة أدت إلى ظهور نوع من الوصاية الدولية علي البحر الأحمر خاصة أن أغلب هذه التحركات يحدث بعيدا عن الأمم المتحدة مما ينذر بتضارب مصالح كبير بين هذه الدول الوافدة علي المنطقة وبين الدول الأصيلة المطلة علي البحر لا سيما جنوبه ، وقد تندلع على إثر ذلك مواجهات مسلحة وإضافة أزمات جديدة لمنطقة مشتعلة أصلا .
الخبير العسكري والإستراتيجي المصري طلعت مسلم أشار من قبل إلى وجود مساع إسرائيلية لتدويل البحر الأحمر تحت غطاء تأمين الملاحة في المنطقة، وقال :" إن لدى الولايات المتحدة مخططا لتدويل البحر يسمح بتواجد إسرائيلي"، محذرا من أن مكافحة القرصنة لا تعني تواجد قوات بحرية فقط وإنما قوات جوية أيضا، ما يجعل التواجد الدولي غير قاصر على المياه الإقليمية ، كما أن أي قوات دولية ستتواجد في المنطقة ستكتسب حقوقا قد تستغلها في أمور أخرى بخلاف تأمين الملاحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق