الجمعة، 15 أكتوبر 2010

كل شئ هادئ على الأرض المصرية


كل شئ هادئ على الأرض المصرية

في مصر لا شئ يتغير منذ سبعة ألاف عام
كل ما أخشاه أن يفوز أحد(مشاريع الرؤساء) ممن يعرضون بضاعتهم بمقعد الرئاسة
التغيير أجل التغيير في مصلحة هكسوس العصر الحالي ومصر لن تنجب أحمس جديد


أو هكذا يجب أن نصدق فحكومات مصر على مر العصور تهتم بشئ واحد فقط دون غيره وهو أن كل شئ هادئ ولا يوجد ما يعكر الصفو
وسواء كان (ما يعكر الصفو) هذا هو خالد سعيد أو حركة 6 ابريل أو التجهيز للإنتخابات أو حتى تطلع الإخوان لسدة الحكم ففي النهاية (ليس هناك ما يعكر الصفو) فالحكومات المصرية المتعاقبة مؤمنة بأنها باقية باقية إلى ما لا نهاية بصرف النظر عن الأحوال الإقتصادية فشكوى المصريين من أحوالهم الإقتصادية مسجلة على ألواح الكاتب المصري القديم دون أن يكلف أحد نفسه النظر فيها منذ سبعة آلاف عام ورغم ذلك مازال الكاتب المصري يجد ما يأكله
والشكوى من الغلاء شكوى مزمنة ترتبط بطبيعة الأرض المصرية ومرتبطة بالجينات المصرية والمصريين يشكون نفس الشكوى تحت حكم الفراعنة وتحت حكم الرومان وتحت حكم المحتلين العرب ورغم ذلك لم نسمع عن أحد مات من الجوع بل إن المثل المصري الذي تبذل وزارة نظيف جهدها لتغييره يقول : لا أحد ينام دون عشاء
أما ما يعانيه المصريون في دواوين الحكومة وفي كل تعاملاتهم مع الإدارات الحكومية المختلفة فهو من قبيل شغل أوقات الفراغ فمهندسي الأحياء عند الفراعنة (وكان هناك جهاز يشبه الجهاز الحالي الموجود في الأحياء عند الفراعنة) كانوا أثرياء خارج حدود مرتباتهم نتيجة للهواية المصرية الأزلية في البناء خارج حدود القانون وكان ذلك وسيلة ليصبح مهندس الحي وموظف المحليات ثريا نتيجة بناء المصاطب المخالفة وأحيانا حتى المدافن المخالفة


أما فيما يخص الصحة فرغم ما نتناقله عن عبقرية أطباء قدماء المصريين الذين لم يتركوا داء دون دواء إلا أن ذلك كان محصورا بالطبقة القادرة على الدفع وكان عمر المصريين في المتوسط في حدود من 35 إلى 40 عاما بينما كان عمر الطبقة الحاكمة يصل إلى أضعاف ذلك وكما نرى فإن كثيرا من ذلك لم يتغير ولا نطمح إلى تغييره إيمانا بأن التغيير كلمة تودي بقائلها إلى الهلاك هذه الأيام إلى حين التأكد من مقصده حتى نكاد نخشى تغيير إطارات السيارات المعطوبة حتى لا تلحق بنا التهم
المصري القديم (والحديث) لم يكن يعول كثيرا على الحكومة والجهاز الحاكم حتى في منازعاته وأظن أن الوضع مازال على حاله لذلك كان المصري باحثا دائما عن البدائل فأصبح هناك (كبير للعائلة) وهناك كبير للشارع وكبير للقرية وهكذا حيث يمارس هذا الكبير دورا رفضت الحكومات أن تمارسه أو تجعل الناس يتناسون شكواهم عندما تمارسه فكل تحرك في سبيل رد المظالم يستوجب محاضر رسمية ومحررات مختومة وهي فضلا عن تكلفتها غير المنظورة إلا أنها مضيعة للوقت ومضيعة للكرامة أحيانا في ظل الحالة التى نجدها في أقسام الشرطة منذ مينا موحد القطرين وحتى .....لا أعرف حتى من فمصر من الدول المعمرة التى لا يمكن التنبؤ بعمرها ولذلك نترك حتى هذه مفتوحة للأبد
أما حالة البذل والبرطلة (الرشوى يعنى) فهي تراث فرعوني أصيل إلى جانب حق الطريق والمكوس الفرعونية وهي ما جرى عليه الرومان أخذا بالعادة المصرية ثم تبعهم في ذلك العرب المحتلين حيث أنهم لم يكونوا يملكون مهارات ادارية بحكم جهلهم لذلك استخدموا نفس الموظفين السابقين الذين كانوا يمهرون مكاتباتهم بتحية المقوقس وكل ما حدث هو انهم بدأوا المكاتبات (بإسم الله ) لكن ما داخل المكاتبات ظل على حاله
وفكرة الهجرة عن البلاد كانت من البدائل التى عرفها أهل مصر القديمة أيضا لذلك كان من الطبيعى أن نجد معرفتهم بالملاحة مسجلة على جدران المعابد ، وكانت فكرة الهجرة تحضر دائما سواء لسبب معيشى كالغلاء الذي كان يصل إلى مراحل تدفع الناس إلى الهجرة ولو إلى الأحراش والصوامع ، أو بسبب دينى كما حدث عندما قرر اخناتون تغيير شكل الدين في مصرالقديمة وتطور الأمر إلى حرب أهلية انغمس فيها الجميع
أما جغرافية مصر القديمة وأعدائها وأصدقائها فأيضا لا شئ جديد تحت الشمس فمنذ الأزل مثل أهل فلسطين الحالية عنصر شغب كان يستوجب من الفرعون أي فرعون تسيير الحملات التأديبية عدة مرات في العام الواحد لإعادة أهل فلسطين البدو إلى رشدهم كما أن هذه الحدود الشرقية كانت معبرا دائما لأسوء أنواع الغزوات مثل غزو الهكسوس وهم جنس دنئ معناه الملوك الرعاة يتحدث الكثيرون عن كونهم أجداد لعرب الخليج الحاليين
وكالعادة مازال حوض البحر المتوسط هو مصدر السعادة والثقافة والتواصل دون غيره فالعلاقات المصرية اليونانية أو الإغريقية معروفة للجميع وهي علاقات تحمل معها دائما رائحة البحر المتوسط وكلما كانت مصر أقرب إلى حوض المتوسط فكريا كلما كان ذلك مرتبطا بمزيد من الرخاء وحالة ثقافية نشطة
لكن يبقى أنه لا جديد وكل شئ هادئ على الجبهة المصرية فحتى الدين سواء كان مسيحيا أو مسلما في النهاية لم يغير شيئا ذي بال ، الشعب جعل الدين مأكلا ومشربا وأيا كان شكل هذا الدين فهم أتباعه وعلى الفرعون دائما أن يكون إلها ومصدقا للدين السائد حتى لو كان الفرعون نفسه غير مؤمنا والشعب يعرف ذلك لكن الحقيقة شئ والإعلان عنها شئ آخر
أما ما يخص فكرة حقوق المواطنة فهي على حالها دون تغيير منذ القدم فنحن نعرف الفراعنة بأسمائهم إضافة إلى بعض الكهنة ورجال القصر لكن رجل الشارع في مصر القديمة مثله مثل حاله في مصر الحديثة يحيا في إنتظار الموت والجنة والتعويض في العالم الآخر وما زاد عن ذلك يدخل في خانة المستحيل كالعنقاء والخل الوفي
تقريبا مصر حالة غير مسبوقة في التاريخ فهي بالرغم من كونها أول شكل للدولة عرفته البشرية إلا أن هذه الدولة دائما ما تعاني من ضعف مفاجئ
ومصر رغم أنها أول شعب يعرف فكرة القانون فإنه أيضا أول شعب عرف التحايل عليه وإدخال الإستثناءات والتلاعب بثغراته وظل الموروث القانوني على حاله : قوانين كثيرة تناقش موضوعا واحد وتعديلات كثيرة هدفها المحافظة على نص المادة ورقمها مع ادخال تعديلات عليها وتصبح هذه التعديلات في النهاية قانونا آخر مختلف كلية عن القانون المقصود في البداية
كلما عدت إلى مصر القديمة كلما أدركت أننا نمارس فن السير في المكان بأوضح صوره فلا جديد لسبعة آلاف عام على أرض مصر وكل ما يحدث من ثورات وتغييرات في شكل الحكم مجرد تفاصيل لا تغير من واقع الطنبور المستخدم من آلاف السنين ولا من طبيعة الفلاح المصري المتخابث دائما الذي يصل إلى أعلى المناصب بتملق الحاكم تارة والدس والوقيعة تارة آخرى
حتى لون الملابس المصبوغ (بالنيلة) الزرقاء أصبح عنوانا لملابس أصحاب النفوذ ولونا محترما فكلما كان لون الرداء داكنا كلما كان دليلا على المهابة وعلو المنصب
وتماما كما وصفها المحتل العربي منذ القدم صغارها أذكياء وكبارها أغبياء ونسائها لعب ...كان رأيا يستحق المناقشة بقدر ما يستحق التوقف عنده فالعرب لم يدخلوا مصر إلا بسبب غباء المقوقس ومصر لم تستمر في الحياة إلا بسبب ذكاء صغارها ، أما موضوع (نساءها لعب ) فيسأل في ذلك قائد البدو الذي كان يذهله ويذهب بلبه كل مرأة لا تضع على رأسها ما يقيها شر نظرته
وكما تنتشر في مصر القديمة دور العبادة إنتشار النار في الهشيم كانت تنتشر فيها أيضا الملاهي الليلية ، وكان كل من دور العبادة والملاهي الليلية ذاخرا بالزبائن دائما وهو على ما أري هو واقع الحال في مصر المعاصرة وإن كانت تكلفة الإثنين قد أصبحت كبيرة بعض الشئ وفوق حدود الإحتمال
شخصيا كنت أفاخر عرب الخليج دائما بأننى كمصري أنام مساءا وأنا متأكد من أننى سأصحو في الصباح لأجد مصر مازالت موجودة بينما الأمر في دولهم مختلف كلية فالكويت استيقظت ذات صباح لتجد أن الكويت اختفت والأمر نفسه قابل للحدوث مع باقي دول الخليج
لكن بقدر ما يسعدنى تأكدي من بقاء مصر في مكانها ضمن بقعتها الجغرافية التى عرفناها والتى لم تشهد تغييرا ملموسا على مدى تاريخها بقدر ما يؤلمنى هذا الجمود الدائم لسبعة ألاف عام ويجعلنى أنظر بشئ من الفهم لمن يطالبون بالتغيير من اجل التغيير تماما مثل الفن من أجل الفن وإن كنت أشفق على مصر من دعوة التغيير هذه كونها دعوة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فالتغيير حتى الطفيف الذي يحدث في مصر كان دائما يحمل معه تراجعا في كل شئ وأياما صعبة للجميع فعندما تغير النظام الملكي بالنظام الجمهوري تراجعت مصر خطوة وعندما ينجح دعاة التغيير ويلحقون مصر بأي من (مشاريع الرؤساء) الذين يعرضون بضاعتهم على موائد الجزيرة وسرادقات الشوارع فهم بذلك يلقون بها كلها إلى مائدة الإخوان ومن هم خلف الإخوان ويصبح علينا أن ننتظر أحمس جديد يخلصنا من هكسوس العصر الحالي في وقت عز على مصر أن تنجب ولو نصف أحمس 

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا