مجالات الحوار الأمازيغي المصري للكاتب أهريشي محمد
بقلم :أهريشي محمد – المغرب
نترك الخطوة الأولى من حوارنا المصري الأمازيغي تردد أصداءها في كل أفق وجدت فيه من يهتم، و ننتظر رجع الصدى أن يبلور كتابة ما وعدنا به من نقاش، نترك الخطوة الأولى ماضية على دربها و نتبعها بخطوة ثانية.
و على نهج سابقتها سأحاول هنا استكمال رسم الإطار العام لحوارنا هذا، و ذلك باستجلاء ما أراه من أوجه و مجالات الحوار الأمازيغي المصري.
معلوم أن كل حوار يستلزم من بين ما يستلزم أن يلتقي المتحاورون حول مواضيع و قضايا التقت و اشتركت فيها اهتماماتهم مسبقا، و إلا لا يتصور لحوار عدم هذا الشرط أن يقوم، و إذا قام لا أخاله قد يدوم، فعلى ما، و حول ماذا يمكن أن نتحاور كأمازيغ و مصريين؟
أعتقد أن الحوار المصري الأمازيغي – إذا استكمل كل شروطه الذاتية و الموضوعية – أوسع من أن يحاط به في ظرف وجيز، و أطول من أن يصل جيل واحد إلى مداه، و على تعدد مجالات الحوار بتعدد مراكز اهتمام كل واحد منا، فمن الضروري أن تحدد بشكل أولي المجالات التي يمكن أن ينطلق منها الحوار.
و عملية تحديد هذه المجالات الأولية تنبني على اعتبارات الطبيعة التمهيدية و التأسيسية لتلك المجالات بالنسبة لحوار طال أمد سكوته و سكونه، فتلزمه لذلك و عند الشروع في المسير البدء بخطوات صغيرة وئيدة، لكنها ثابتة رزينة، تزرع الدفء في دروبه بشكل تدريجي، مثلها في ذلك كمثل الحركات التسخينية بالنسبة لجسم اعتاد جهازه الحركي على الركود.
و على تعدد المجالات التي يمكن أن نتحاور فيها، أرى و بحكم اهتماماتي، أنه يمكن إجمالها في اثنين رئيسين:
1- المجال المعرفي: ربما هو المجال الذي سيستحوذ على النصيب الأوفر من هذا الحوار، باعتباره مجالا لاكتشاف و إعادة اكتشاف كل منا للأخر... و هو على مستويين:
þ مستوى عام: تنشطه الأطراف التي تود أن تشبع رغبتها المعرفية المتصلة بالذات و بالأخر، و قد قيل أن معرفة الذات تقتضي الانفصال، و معرفة الأخر تقتضي على العكس الاتصال... و هذا بالضبط ما تحاول ساحتنا الحوارية هذه التشجيع عليه.
þ مستوى متخصص: ينشطه باحثون متخصصون في مختلف فروع العلوم الإنسانية، بما قد ينسجوه من علاقات التعاون و التبادل في إطار بحوث تتناول العلاقات بين الثقافتين الأمازيغية و المصرية، حيث يمكن لكل طرف أن يوظف مفاتيح ثقافته لحل بعض غوامض ثقافة الأخر، أو العكس، و بذلك يساهم هذا المستوى المتخصص من الحوار المصري الأمازيغي في تحرير الدراسات المصرية (Egyptologie) و الدراسات الأمازيغية (Amazighologie) من الحدود الضيقة التي سجنت فيها.
2- المجال السياسي: ينشطه المهتمون و الفاعلون المدافعون عن الانتماء الحقيقي و الطبيعي لشمال إفريقيا و وادي النيل، و هو كذلك مجال أكثر من واسع، قد يبدأ بالتعارف و التعرف على تصورات كل طرف و تجاربه و خصوصيات محيط اشتغاله السياسية و الاجتماعية... و قد يصل إلى مستوى التعاون و التنسيق... و هذا مشروط بتوفر حد أدنى من التوازي في الزخم الذي تتحرك به كل حركة هنا أو هناك، و مشروط فوق ذلك بإدراك الأهمية الإستراتيجية التي يكتسيها حوار من هذا النوع في الدفع بقضيتنا المشتركة نحو حلها المنشود.
هذه باختصار وجهة نظري أعرضها للنقاش، قد تبقى مجرد صرخة في واد و الأودية كثير، لكني موقن أنه – طال الأمد أو قصر- ستعيها أدن واعية.
و أختم بالإشارة إلى نقطتين:
* الأولى ترتبط بلغة هذا الحوار، ففي تصوري ليس لحوارنا هذا لغة رسمية، صحيح أن كل عملية تواصل سليمة تشترط من بين ما تشترط استعمال شفرة موحدة لفك رموز الرسائل المتبادلة، لذلك استعملنا اللغة العربية بحكم التاريخ الذي تعرفونه جميعا و الذي جعل من العربية شفرة مشتركة بيننا، لكن لا مانع أعتقد من الكتابة بلغات أخرى، نعلم جميعا التاريخ القريب الذي جعل أيضا من الفرنسية و الإنجليزية.. شفرة مشتركة بيننا، و ننظر اليوم بأعيننا تاريخا أخر عولمي هذه المرة تكاد تجعل فيه تكنولوجيا الترجمة من كل اللغات شفرة مشتركة بين الجميع، لذلك فأي كانت اللغة التي نتحاور بها فالقصد هو تقاسم الأفكار و الاستفادة منها في بناء صرح حوارنا هذا، من هنا أرى هاما لو تمكنا من ترجمة كل مساهمة من لغتها الأصلية إلى لغات أخرى كالعربية و الإنجليزية و الفرنسية على الأقل و الأفيد، توسيعا لآفاق الإطلاع و المشاركة.
* الثانية ترتبط بمعنى التفاعل و المشاركة في هذا الحوار فهي لا تعني حصرا صياغة تصورات كتابة و نشرها على هذا الموقع، فمن المشاركة أيضا التعريف بهذه المبادرة في محيط كل واحد منا، و من المشاركة كذلك إبداء ملاحظات و تقديم مقترحات و طرح أي استفسار يرتبط بهذا الحوار، و كلنا أدان صاغية.
و السلام.
أهريشي محمد – المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق