الخميس، 27 مايو 2010

مقالات القراء: في الحوار الأمازيغي المصري


مقالات القراء: في الحوار الأمازيغي المصري



بقلم: أهريشي محمد – المغرب
ينطلق الحوار الأمازيغي المصري و ككل مستجد ستحيط به عدة أسئلة مختلفة ألوان خلفياتها، أسئلة من قبيل: لماذا في هذه الظرفية بالذات؟ و حتى نكرس القصد المعرفي من طرح هذا السؤال، كسؤال يتغيى فهم ظروف و ملابسات و أبعاد النشأة، سنطرح عليه هو كذلك سؤال أخر: لماذا تأخر حوارنا كل هذا الوقت؟
إن الطبيعي و العادي هو أن يكون الحوار المصري الأمازيغي قائما و منذ مدة طويلة و ليس العكس، فغيابه هو الذي مكن لأفكار أخرى لم تزدنا إلا تباعدا و نفورا عن حقيقتنا الثقافية و التاريخية، بما تناسل عن تلك الأفكار من أطنان المغالطات و الأحكام المسبقة التي لم تمكن كلينا من تملك فهم سليم للذات و للآخر.
لن أتحدث هنا عن قيم الحوار و مبادئه، لأنها لا تخفى على كل ذي عقل مستنير، و هؤلاء بالتحديد هم أطراف الحوار الأمازيغي المصري، الذين من دونهم لا يتصور أن تقوم لهذا الحوار قائمة، فحري إذن  بمن لا يشاطرهم تلك القيم أن يعفي ساحتهم الحوارية هذه من تنطعه.

سأقف في مساهمتي هذه عند نقطتين اثنتين: انطولوجيا الحوار المصري الأمازيغي و ضرورته.
1- انطولوجيا الحوار الأمازيغي المصري:
تملكت المهتمين بالأمازيغية – على الأقل عندنا هنا في المغرب- رغبة في "محاورة" الحضارة المصرية منذ مدة، رغبة تتجلى في ما كتبه هؤلاء عن العلاقات الكامنة بين الثقافتين المصرية و الأمازيغية، نفس الرغبة ربما كانت كامنة عند إخواننا في مصر كذلك، نجد لها دليلا في ما كتبه الراحل بيومي قنديل عن ضرورة ربط الثقافة المصرية بمحيطها الإفريقي و الأمازيغي ، إلا أن هذه الرغبة لم تصرف  إلى إجراءات عملية تؤسس لحوار بين أبناء الحضارتين، و تدفع به إلى آفاقه الرحيبة، مرد ذلك في مرحلة أولى إلى عدم استشعار الأهمية ذات الأبعاد المتعددة التي يكتسيها حوار من هذه النوع، و إلى أقلية من أدرك تلك الأهمية أمام أغلبية مثبطة، ترى المسافة من هنا إلى مصر أو العكس سحيقة جدا أو منعدمة بالمرة، لأنها ابتلعت ما يقال لها عن هنا و هناك، لذلك كان أقصى ما يذكر عن علاقة الأمازيغية و مصر هو اعتبار مصر من الدول العشرة المعنية بالأمازيغية (المغرب، الجزائر، تونس،  ليبيا،  موريطانيا، مالي، النيجر، بوركينافاصو، إسبانيا (جزر الكناري))  لاعتبار واحد، هو كون الأمازيغية من معطيات مصر اللغوية و الثقافية كذلك (واحة سيوا)، دون أن يرقى الفهم،  من الناحية المعرفية، إلى فهم العلاقات العميقة و "الخطيرة" بين الثقافتين الأمازيغية و المصرية،  أو يرقى من الناحية السياسية إلى فهم الأهمية التي يمكن أن تجدها الأمازيغية في مصر، أو الأهمية التي يمكن أن تجدها مصر في الأمازيغية،  و لنا عودة إلى هذه النقطة في مساهمة أخرى.

ففي اعتقادي،  فانطولوجيا الحوار الأمازيغي المصري ترتبط بتوفر ثلاث شروط:
* مراكمة البحث العلمي لعدد من الدراسات التي ألقت الضوء على العلاقات العميقة بين الثقافتين المصرية و الأمازيغية، ما ولد إحساسا بالتقارب بين أبناء الحضارتين.
* تعميم و دمقرطة الولوج إلى وسائل الاتصال الحديثة، و خاصة الإنترنيت،  فبعد عقد و نصف تقريبا من انطلاق هذا الأخير،  اكتسب الناس ثقافة التعامل معه،  و أدركوا أهمية استعماله للإفلات من قوالب التدجين، و حواجز الرقابة.
* التقاء رغبة الجانبين في إطلاق حوار بناء و هادف يقطع مع صمتهما الطويل.

2- ضرورة الحوار الأمازيغي المصري:
الحوار ضرورة للتقريب و التبادل و التفاهم  و ممارسة الاختلاف بشكل بناء،  فهو عنوان المجتمعات المتقدمة التي انتصرت لقيم العقل و الحق و النسبية.
إن كلا من شمال إفريقيا و وادي النيل  لم يكونا منفصلين منذ أقدم العصور، فهما لذلك لا تربطهما مجرد علاقات الجوار الجغرافي، بل أكثر من ذلك، هما يمتحان معا من معين ثقافي واحد، عمل كل واحد منهما على تطويره حسب سياقاته الخاصة به،  تأثر فيها المحلي بالوارد عبر الهجرات و الغزوات... و ما رافق ذلك من تثاقف أحيانا و اجتثاث أحيانا أخرى،  متفاوت الحدة هنا و هناك،  لكن دون أن يصل إلى حد الاستئصال النهائي لجذورنا.
فإذا كان الصمت حكمة في سياقات ما، فهو غفلة في سياقات أخرى يكون فيها الكلام و الحوار بالتحديد أحكم من  صمت الصامتين، فالحوار المصري الأمازيغي  خروج من صمت طويل استغفلت فيه حقيقة منطقتنا من طرف أفكار استفردت بالكلام لحين من الدهر.
الحوار الأمازيغي المصري نفض لغبار كثيف عن علاقاتنا الموغلة في القدم و المستمرة معالمها إلى اليوم، و إخراج لها من لاشعورنا الجماعي الذي تقبع فيه، لتأخذ مكانها في وعينا بإدراك يدخلها في مختلف اختياراتنا التي نصنع بها يومينا و مستقبلنا.

هذه خطوتي الأولى على درب هذا الحوار الهام، أنتظر التفاعل معها، و من التفاعل طرح السؤال، و من التفاعل كذلك أن أجيب عنها.

و إلى الخطوة القادمة.

أهريشي محمد – المغرب.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا