الخميس، 27 مايو 2010

طالما الوطن يتحرك فمن حقنا أن نسأل:على فين يا وطن؟


طالما الوطن يتحرك فمن حقنا أن نسأل:على فين يا وطن؟


لن أفعل كما يفعل الكثيرين وأتحدث عن أنني أكتب هذا المقال وأنا أشرب فنجان قهوة سوداء على مقهي شعبي في وسط البلد ، في وسط البلد لا يمكن أن تكتب ، يمكنك فقط أن تحاول الخروج من الملهاة اليومية وفوضي الشارع والحر الخانق
عامة لا يهم أحد كل ذلك وربما حتى لا يهتم أحد لما أكتب تماما كما لا يهتم أحدا لكل ما يقال في الجرائد وبرامج التوك شو ونشرات الأخبار ومظاهرات الفيسبوك وخطابات مرشحي الرئاسة الذين يحاولون إيهامنا أن الوطن يتحرك ..عقوا بإعتبارهم أكثر ثقافة منا يقولون أنه حراك وليس حركة بما يعنى في النهاية أيضا أن الوطن يتحرك
وطالما أن هناك إجماع على أن الوطن يتحرك فمن حقنا أيضا أن نسأل :
على فين يا وطن
الأوطان تتحرك تماما مثلما يتحرك البشر، هناك من يسير للأمام وهناك من يسير للخلف وبين هؤلاء وهؤلاء هناك من يقف على الحياد لا يحرك ساكنا


وكنت حتى وقت قريب أظن أن الأوطان التى تكتفي بالحركة في المكان بالتعبير العسكري أي لا للأمام ولا للخلف هي أوطان سخيفة ، غير طموحة ، تفضل نوم العصاري وشرب الشاي على القهوة مع حكاوي أصحاب المعاشات

وللأسف اكتشفت أننى أصبحت أتمنى – وهي أماني تنطبق على الماضي- لو كان وطننا قد أصبح وطنا سخيفا يدمن نوم العصاري ويسلي نفسه بالجلوس على قهوة أصحاب المعاشات وينفخ نارجيلته ثم يعود آخر الليل يتناول العشاء وينام الى جانب سيدة ممتلئة وهو يظن أن كل شئ على ما يرام
لكن لماذا تمنيت ذلك ؟ ببساطة لأن كل حركة حاولنا أن تكون للأمام عادت بنا للخلف قرونا وقرون، حاولنا أن نتحرك للأمام على يد عسكر يوليو فعدنا للخلف في كل شئ ، لا المجتمع الزراعي الذي شعروا بإزدراءه ظل زراعيا ولا هو تحول الى مجتمع صناعي لكنه ظل هجينا بين إثنين الى أن طلق الإثنين بالثلاثة
والباشوات الذين كرهوهم وقضوا عليهم وحاكموا كل من أحبهم بتهمة كاريكاتورية إسمها الرسمي في هذا الوقت (من أذناب العهد البائد) ، هؤلاء طردوا أصحاب الأراضي والباشاوات ووضعوا مكان كل باشا جيش من الباشاوات لكنهم باشاوات الصدفة وتقلبات الزمن
وثورة يوليو تحديدا يمكن أن تكتب فيها مجلدات عن فن التقدم للخلف فعلى المستوى العسكري بدلا من هزيمة 1948 أضافت للقاموس النكسة والعدوان الثلاثي وحرب اليمن ومسميات لا حصر لها رغم أنهم في النهاية عسكر وكان من المنطقي أن يديروا الشؤون العسكرية بشئ من الحنكة وعلى كل حال نحمد الله على أن ثورة يوليو انتهت فعليا على يد السادات
السادات هو الأخر حاول التحرك بدولته فحقق نصر اكتوبر لكن لا شئ يكتمل بل لابد من خطوات للخلف وكان أكثر ما قام به في هذا السبيل القضاء على اليسار المصري أيا كان اختلافنا معه لسبب بسيط أنه استبدل يسارا مثقفا بمجموعة من الهمج مطلقي الذقون الى أن مات على يدهم في النهاية تاركا الدولة في حالة ميوعة اقتصادية وهزال سياسي وتحت رحمة بنادق من يأتمرون بأوامر الإخوان
مصر حاولت التحرك للأمام ثانية بعد السادات فنادت بشعار (صنع في مصر) وفرضت حماية جمركية على كل شئ فكانت النتيجة ارتفاع اسعار كل السلع في أوئل الثمانينات والاسعار بالمناسبة هي الشئ الوحيد في مصر الذي يتحرك للأمام فقط
ومصر نادت بزراعة الصحراء عوضا عن زراعة الأراضي الزراعية التى حولناها الى أسمنت وحديد مسلح فصرخ المزارعون الجدد من حملة المؤهلات العليا من ندرة المياه والروتين و و و وفي النهاية عادوا يبحثون عن وظيفة في أضابير الحكومة
ومصر حاولت أن تجد طريقا للحرية السياسية وحرية الصحافة فهجمت علينا أمواج من الصحف بعضها تخصص في سباب المجتمع وبعضها حاول التميز بسباب الحكومة وإشتط بعضها فتخصص في الهجوم على الرئيس فقط عملا بمبدأ التخصص
ومصر قررت أن تفتح الباب للإستثمار وما هي إلا بضع سنوات وتأثرت الخزانة والبنوك بينما صرخ المستثمرون جميعهم من سيطرة البيروقراطية وتحكم صغار الموظفين و المناخ غير المواتي
ومصر قررت أن تعود الى الإقتصاد الحر فتبنى عاطف عبيد ضمن ما تبنى فكرة تعويم الجنيه فغرق ومازلنا نبحث عن جثمانه بين الأمواج كما نبحث عن بقايا مصانع القطاع العام وبقايا قطع أرض لم نبعها بعد لنسد بها عجز الموازنة
مؤخرا قررت مصر أن تكون السلطة متبادلة على أعلى مستوياتها وأصبحت فكرة إنتخاب رئيس الجمهورية واقعا بدلأ من الإستفتاءات التى لم نعرف مثيلها في مكان آخر فكانت الطامة الكبري : كل من تقدم للترشح للرئاسة مخالف لشروط الترشح القانونية وبمعنى آخر قد نصل الى لحظة الصفر دون أن يكون لدينا مرشح منافس لمرشح الحزب الوطنى أيا كان لأن كل احزاب المعارضة – اذا كانت هناك أحزاب معارضة_ عقمت أن تنجب ولو معارض يمكن أن يصبح رئيسا ولو نظريا على الأقل
مصر تحركت أيضا على صعيد المجتمع المدني فسمحت بالتظاهر والإعتصامات وكانت الكارثة التى كشف عنها الشكل الحقيقي لإعتصامات مجلس الشعب: المعتصمون بدون مطالب سياسية ولا يخصهم أو يهمهم في كثير أو قليل من يحكم ولا يفهمون معنى اليمين واليسار وكثيرون منهم عرفوا اسم احمد نظيف بالصدفة البحته ، لكن جميعهم كان تحركهم محكوما بمطالب تعد من المضحكات المبكيات : زيادة معاش ، صرف مرتبات ، التعيين في الحكومة لأن إذا فاتك الميري يجب أن تتمرغ في ترابه
مصر بالفعل تتحرك لكن ليتها لا تتحرك فحركتها منذ ردح من الزمن تشبه رقصات الطير المذبوح وحديثها يشبه الأنين وحتى ضحكها أصبح لا يخدع احدا فنحن نعرف أنها مهمومة حزينة تبكي ارتفاع أسعار اللحم الذي اصبح من الذكريات والعدالة التى أصبحت مثل الرخ والخل الوفي والستر الذي خرج ولم يعد
هل أكتب ما أكتب دون أن يمسنى شيئا من مظاهرات المتظاهرين أو ضربات عسكر الأمن المجبرين على فعل ما لا يدركون ؟
هل أكتب لمجرد أننى واحد من ضمن ملايين قرر أن يخرج ما بصدره للعلن عل شيئا يتغير ويتحرك للأمام هذه المرة ؟
على الإطلاق فلست من أنصار المشاركة في المظاهرات لأننى أعرف أنها لا تحرك ساكنا ولا تفضي الا الى زحام وسط البلد المختنق أصلا ثم أننى تحولت الى شخص نباتي بقرار من شيوخ الجزارين ، أما عسكر الأمن المركزي فأنا مشفق عليهم من جلوسهم لأيام في الشوارع حول المظاهرات والمعتصمين دون أن يدروا هل هم يحرسون المتظاهرين أم يضربونهم أم هم في انتظار التعليمات
بصورة أخري قد لا تعجب الكثيرين لا أستطيع لوم أحمد نظيف على شئ ، لا هو  ولا الجنزوري ولا عاطف عبيد ولا أي رئيس وزراء ...تحديدا لا ألوم أحدا فنحن مجتمع ترك كل شئ وتفرغ تماما للعودة الى الخلف
في المصانع والجامعات والمدارس ليس مهما أن تكون الفتاة فذة في مجالها أو مجيدة في عملها بل المهم كيف تجلس ضامة قدميها حسب العرف الشرقي وكيف تضع حجابا على رأسها يقيها شر رغبات الشباب المكبوت كما أنها محرومة بقانون عرفي استنه المجتمع من ممارسة أي شئ من حقها في العلن فلا تتخيل فتاة مدخنة تدخن إلا داخل حمامات الكليات ولا يمكنها بالطبع أن تسير ممسكة بسيجارتها في الشارع مثل أي شخص لا وزن له ...ببساطة لأننا مجتمع ينظر للفتاة الممسكة بسيجارة على أنها دعوة للفجور
هل الذكور اذا هم من نجا من مقاييس المجتمع المتفرغ لإقامة محاكم التفتيش؟
على الإطلاق ففي كل مصلحة حكومية وكلية و أي مكان يصدف أن هناك به عدد كاف لابد أن تجد على جانب خفي أو منظور قطعة مقتطعة للصلاة وعندما يؤذن المؤذن لن تصبح حرا في الذهاب للصلاة أو القعود عنها فنظرات الزملاء والأقران تدفعك الى نفي تهمة ترك الصلاة وتدفعك دفعا لترك المواطن الواقف منتظرا دوره والتوجه للوضوء ثم الصلاة ثم الدعاء بعد الصلاة وإن لم تفعل ذلك فعليك مواجهة مجتمع ترك كل شئ وتفرغ لمحكمة التفتيش خاصته بعد أن فشل في أي شئ آخر
حتى في الفن يجب أن تحترس اذا كتبت قصة أو انتجت فيلما أو رسمت لوحة فأنت متهم مدان حتى تنال البراءة
المجتمعات تعرف منذ قرون أنه لا حركة للأمام مع حركة موازية للخلف وأوروبا لم تصل ألى ما وصلت اليه إلا بعد أو انتهت سيطرة الكنيسة على المجتمع وأصبح رجال الدين يمارسون عملهم ورسالتهم داخل الدير والكنيسة والمعبد وإن مارسوها خارج تلك الأماكن فهم يمارسونها بدعوة وقبول من بعض الأشخاص
هنا عليك أن تأخذ العظة السياسية من شيخ الزاوية الذي ينتظر من الجمعة للجمعة ليتحفنا بعبقريته السياسية ورأيه في الإقتصاد والطب والفن والسياسة وفن الحرب وفي كثير من الأحيان لا يكون هذا الإمام قد حصل من التعليم على ما يتيح له الكتابة بالعربية بشكل سليم ناهيك عن نطقها
حتى الأطفال في المدارس لم يفلتوا من براثن هذه الهجمة المستمرة منذ عقود والكارثي أنك تجد طفلة صغيرة لم تبلغ بعد تسير بجانب والدها الملتحي ووالدتها التى تستجير من حر الصيف بمزيد من الخمار وتسير هذه الطفلة محجبة دون أن تدري لماذا وفي المدرسة تتلقفها أيدي باقي ممثلي الهجمة لتسدل الستار على عقلها بعد أن أسدله المجتمع على جسدها
الحق أن ما بدأه حسن البنا ونظر له سيد قطب وتابعه بإصرار ملوك طوائف الإخوان قد أثمر فالمجتمع بالكامل قد ارتدي الحجاب وأرجع كل نقص في موارده إلى زوال البركة لقلة الإيمان والتجهيز قد تم تماما للوصول الى ما يريدون من دولة تحكم بإسم الإسلام وعلم أسود يعلن اكتمال سيطرة أحفاد البنا وقطب
مصر التى سبقت كل الأمم في بناء مجتمع عصري مستقر وإقتصاد قوى وجيش عصري وحتى مؤسسة دينية بمقاييس زمنها تعتبر مستنيرة ، تحولت هذه الدولة الى تلميذ يجلس القرفصاء في كتاب الوهابية منتظرا التعليمات والفتاوي من مشايخ البترودولار وأئمة الزوايا المهجورة
مصر التى صنعتها في الأساس إمرأة رفضت أن يظل زوجها يرعي الغنم ويطارد ما جادت به الأرض من عشب فزرعت وحصدت وحولت الراعي الى فلاح أقام أكبر واقدم حضارة مستقرة على الأرض تعرضت على مر عقود لهجمة من ثقافة بدوية ألهتنا كثيرا عن مشاكلنا الحقيقية وضرورة تعظيم الموارد بمشاكل مضحكة لا تخصنا مثل قضية فلسطين ونصرة أخواننا اذا كانوا اخواننا في فلسطين وسوريا والجزائر والسودان وامتشقت السيف لقطع دابر السياحة الكافرة التى تحج الى الأهرام و أبو الهول
مصر في حاجة الى أن تستفيق وتبحث في ما جري من تغيير لهوية شعبها الذي يخرج كل بضعة أيام ينادي بالتغيير دون أن يكلف نفسه عناء التفكير في أي شكل من أشكال التغيير يطالب به في ظل نماذج تختلف في الشكل والإسم لكنها في النهاية ذات مضمون واحد مستند على دعم اخواني صريح يريد أن يجعل من بعض المهمشين سياسيا حصان طروادة الى حكم مصر
مصر آن لها أن تستفيق ولابد من تحرك من أعلى قياداتها لإنقاذ هذا البلد من نظام تعليم يفرز نوعين لا ثالث لهما : انصاف أو ارباع المتعلمين ، والمتطرفين
يجب أن ندرك أن هناك هوية شعب تتغير أو تغيرت بالفعل وإنتماء أصبح مفقودا لأنه في سلم أولويات متاعب الحياة اليومية لا يحتل حتى المرتبة الأخيرة
يجب أن ندرك أننا نشعر بمهانة من الجزائر وضعف في افريقيا وصمت عن قتلانا في أوروبا والخليج وفي كل مكان
يجب أن ندرك أننا نتحدث عن شعب يحتاج الى ما يجمعه سواء كان خطرا أم أملا دون التورط في فكرة المشاريع القومية لأن اسمها ينفر الناس منها


آخر قطرة من كوب البيرة المصرية التى أرتشفها قد انتهى –البيرة ابتكار مصري اصيل فرعوني في الأساس- ومعه أنهي مقالي بسؤال أري أننى لا أستطيع الإجابة عليه :
على فين يا وطن 

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا