الجمعة، 29 يناير 2010

مصر تستفيق وتعلن أنها ليست عربية



“جمال عبد الناصر” هو أول من نادي  بالقومية العربية في مصر مقدما ايها كدين جديد كان يرى انه يخدم اهدافه ، ورغم أنني شخصيا اشك في كونه شخصيا كان يؤمن بما يدعو اليه  وأنفق في سبيله الكثير من المال والجهد إلا أننا يمكن ان نفهم دعوته العروبية في ضوء بحثه عن مجد شخصي ورسالة يتجمع حولها اكبر عدد من المناصرين في مواجهة الخطاب الاسلامي الوهابي ، لكن اللافت للنظر

 ن الدعوة المستندة الى حقائق هلامية لا تصمد للتحليل والتدقيق السليم كانت مصدر لاينضب لتعيش البعض من ناحية ،كما انها مثلت فرصة للدول التي تسير ضد الحركة الطبيعية لتطور التاريخ من ناحية اخرى ، أيضا كانت فرصة مواتية للمتأسلمين اللذين كانوا يرون في كل ما فعله المسلمون الأوائل ما يدعو للفخر بغض النظر عن ماهية هذا الفعل ، فإذا قلت أن عمرو بن العاص احرق مكتبة الاسكندرية هللوا فرحين بما فعل ومبررين لفعلته ، واذا عدت تبرئ ساحته من حريق المكتبة هللوا ثانية بأن الرجل لم يكن يرتضي حرق وتدمير هذه المكتبة  

لكن السؤال الأجدي بالإجابة بدلا من الرد على أسباب ناصر أو غيره في التعلق بالقومية العربية هو : هل مصر فعلا عربية؟
هل هناك ما يسمي بالقومية العربية؟
ربما نجد أننا نطرح اسئلة ساذجة لأن أي دارس لمبادئ الانثربولوجيا يعلم تماما أن اللغة لا تقيم قومية ، ان القومية في الأساس هي إثنية المنشأ.
بمعنى آخر أو تفسير بسيط فإن القومية هي وحدة حقيقية تقوم على وحدة منشأ جنس ما يشترك في صفات بيولوجية وفسيولوجية ومنشأ جغرافي وتاريخي وسمات واحدة
من هنا فإن الدين ليس قومية لأنك من الممكن ان تغير دينك بين لحظة واخري
من هنا فإن اللغة ليست قومية لأنه من الممكن ان يصبح اطفالك ينطقون بلسان اخر غير لسان بلدهم الأم
ببساطة فاللغة لغة او وسيلة تواصل والدين هو قناعة قابلة للتغيير
أما بالنسبة للجغرافيا فإن ما يجمع مصر بالجوار العربي أقل مما يفرقهما فأنا لا اري تواصلا بين بلاد يفصل بينها البحر الأحمر وتختلف طبيعة سطح الأرض في كل منهما مما يؤدي بطبيعة الحال لإختلاف الطباع وشكل الثقافة فطبيعة الصحراء العربية تفرز مجموعة من البدو الرحل اللذين تقوم حياتهم على اشياء بعيدة تماما عن الزراعة القائمة على ضمان مصادر المياة والمؤسسة لجماعات بشرية مستقرة في مكان محدد تضمن موارد طعامها ومأكلها ويمكنها ذلك من الانطلاق فكريا فتبتكر في شتى المجالات
أما الحياة في الصحراء العربية فهي يمكن ان تؤسس لقيام نوع اخر من الفنون كالشعر اللذي لا يحتاج الى بقعة ثابتة ليمارس فنه عليها كالنحت مثلا ، وبطبيعة الحال فإنهم يعلون مبادئ القتال والقنص فوق اي شئ آخر بينما تختلف الرؤية تماما في بلاد الأنهار القائمة على الزراعة
حتى في الوشائج التاريخية البعيدة لم يكن هناك ما يربط مصر بهؤلاء من قريب أو بعيد إلا فيما ذكره عمرو بن العاص عندما دخل مصر من قرابة قديمة بإبراهيم الخليل على طريقة الخطاب الدينى اللذي استخدمه نابليون بونابرت عند دخوله مصر وكلاهما كانت اهدافهما واحدة وان كان الاخر قد نقل الى مصر روح الحضارة الجديدة بينما لم يكن الثاني مهتما سوى بتحصيل الجزية ارضاء لأمير المؤمنين القابع في خيمته ينتظر ما تجود به مصر أو ما يمكن اخذه منها عنوة أو رضاء
الكارثية الأخرى أن دعوة القومية تحمل داخلها دعوة ضد الوطنية فهي تدعوا الى إعلاء الإنتماء القومي الهلامي على حساب الانتماء المصري الطبيعي
والغريب ان دعاة القومية هؤلاء كانوا ينتقدون اسرائيل بإعتبارها تريد ان تخترع قومية من العدم باعتبار ان يهود العالم لا تجمعهم اثنية واحدة او عرق واحد معترضين على تحويل الدين الى قومية بينما هم حولوا اللغة الى قومية
بطبيعة الحال وجد هؤلاء من يؤيدهم وينظر لهم من رجال الدين اللذين قالوا بأن لسان أهل الجنة هو العربية وأن الإسلام دين عربي ونبيه عربي وهكذا ولم يخبرونا هل الاسلام دعوة اممية مقصورة على العرب ام انها دعوة للكافة في حين يتهمونا دائما بما يسمى لديهم بالشعوبية وهو المسمي المؤثم لديهم لمرادف الوطنية
الظن أن المصريين بعد عقود من الرضوخ للدفع الناصري بالعروبة قد بدأوا يستفيقون من هذا الوهم وكان اول من اعلن الاستفاقة شبابهم ما دون الثلاثين ممن لم يسيطر على تفكيرهم عجلة الاعلام التى تجد لزاما عليها ان تبرر دائما كون مصر تنطق مقرونة بالعربية في اسم الدولة ، وهؤلاء الشباب كان مبعث استفاقتهم أنهم وجدوا اختلافا بينهم و بين العرب كما احسوا تنافرا واضحا بينهما وبعد ذلك لم تبخل الاحداث على مصر بالاهانات المتكررة من العرب مما دفع هؤلاء للتساؤل اللذي لم يجدوا له اجابة :
هل مصر عربية؟
ربما كان من حسنات الشبكة العنكبوتية أن المعرفة اصبحت متاحة بعيدا عن رقابة اقوى اجهزة الامن خاصة امن الافكار في منطقتنا ولذلك وجد هؤلاء الشباب ما يؤكد ان حتى الجامعة التى تحارب مصر دائما لبقاءها قابعة على ارضها وهي الجامعة العربية لم تكن سوي اختراع انجليزي المنشأ لأهداف بريطانية بحتة كما ان مهازل ومثالب دعاة القومية لم تكن خافية على احد عبر هذه الشبكة العنكبوتية فأنبياء القومية العربية عبروا عبر تصرفاتهم دائما عن تواصل لا يهدأ مع مؤسسات البترودولار عبر الكتابة في صحفهم او الظهور المستمر في فضائياتهم وهم عندما يفعلون ذلك لا يتحرجون من إنتقاد بلادهم الأصلية لصالح دول لا نذكر لها انجاز واحد على مستوى العلم او الثقافة او الفن أو حتى عبر القضية التى يقتات بها جميع العرب وهي القضية الفلسطينيةيتا
أيضا لم يكن في وسع الآلة الاعلامية العربية ان تقول ان هذه القومية العربية قد حققت شئ لمصر سوي الخسائر فناصر اللذي قام بثورته بعد عودته من حرب 1948 بداعي ان النظام الملكي قد خسر الحرب وعاث في الأرض فسادا تسبب حتى موته في ضياع سيناء بأكملها الى جانب تدهور قيمة الجنية المصري وضياع غطاء الذهب وتشتيت قدرات الجيش المصري لهاثا وراء القومية في اليمن
وكان رد الفعل العربي على المستوى الرسمي ليس اقل من (سنقاتل حتى اخر جندي مصري) أما على المستوى الشعبي فكان هناك انتهازا مقيتا لظروف المصرينن الاقتصادية على كل المستويات الى درجة قيام المسنين العرب باستقدام المصريات الفقيرات عبر زيجات يدبرها السماسرة في شكل اعاد للاذهان فكرة الرقيق ولكن بشكل شبه عصري
كان من الصعب على المصريين ان يصدقوا دعوات القومية في الوقت اللذي يهانون فيه على يد الكفيل بعد ان تم اهانتهم من قبل في طوابير الانتظار امام السفارات العربية طلبا للعمل وانتهاء بالانتهاكات المتكررة لكرامة المصريين في البلاد العربية
ولعل هناك جديد على الساحة الآن فالموقع الاجتماعي (الفيس بوك) اصبح يمتلئ الآن بالعديد من التجمعات التى تدعو الى تغيير اسم مصر وحذف كلمة العربية من باقي اسم تعريف الدولة كما ان العديد من المجموعات تدعو بإصرار الى احياء القومية المصرية والابتعاد عن العرب والقومية العربية واللافت للنظر ان هذه المجموعات ينضم اليها يوميا الكثير مما يؤكد ان هذا الطرح سيجد له ظهورا في الايام القادمة
لكن قبل ان نكتب مقالنا القادم عن القومية العربية وحتى تكون الاذهان مستعدة للتحليل التاريخي لابد ان تقرأ أولا احدى الروائع التى تناولت هذا الموضوع بصورة بسيطة روائية دون اخلال هي رواية البشموري للعظيمة سلوى بكر وقد قمت بإعادة تحميلها ثانية بعد ان تعذر الوصول اليها كثيرا على هذا الرابط

في المقالات القادمة سنتناول تاريخيا وتحليلا الغزو العربي لمصر وثورات المصريين ضد الغزو العربي ومواقف عمرو بن العاص من مصر حتى نثبت لمن يتحدث عن القومية انه قد ان الاوان لاختيار لغة حديث اخرى اقرب الى العقل

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا