صورة تجمع كل من الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ صباح الأحمد الصباح عام 1938
تقريبا بهدوم العيد
ماذا لو كانت " المؤامرة " التى تعرض لها ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء الكويتى جزءًا من سيناريو جهنمى متعدد الفصول أعده بإتقان شديد ودم بارد ابن عمه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الصباح ..دأب على تنفيذه منذ سنوات بالتعاون مع نجله وحلفائه داخل الأسرة الحاكمة وخارجها بهدف السيطرة على الحكم ؟! السؤال الذى تتداخل فيه دسائس قصور الملوك القدامى فى أوروبا .. وأساطير اليونان ، دخل منذ أيام أبرز الديوانيات الكويتية على خلفية محاولة قراءة الفصول السرية من الحرب النفسية والسياسية والصحية التى خاضها شقيق الأمير ، الشيخ صباح الأحمد ضد ابن عمه الشيخ سعد ، وبالتالى " آل الأحمد " ضد " آل السالم " لإبعادهم نهائيًا عن أى دور مستقبلى فى حكم الكويت. وفى إطار هذه " الرؤية المؤامراتية "استذكر مراقب كويتى التزامن المريب بين رحلة الشيخ سعد مع المرض وبداية خروجه أو إخراجه التدريجى من السلطة ، وبين الحملة المفاجئة التى تزعم شنها ضد ولى العهد ، الشيخ ناصر صباح الأحمد ، الابن البكر لوزير الخارجية. ويومها أجمع أكثر من مراقب سياسى - وطبيب - على أن صحة الشيخ سعد الذى كان يعانى من ارتفاع ضغط العين منذ العام 1985، تدهورت فجأة إلى نزيف حاد فى القولون وعوارض مرض عضال وذلك بعد يوم واحد فقط من نشر صحيفة " الرأى العام " لمقال للشيخ ناصر ينتقد فيه بشدة سياسة ولى العهد ويطالبه بالابتعاد عن رئاسة الوزراء ويفتح " باسم شباب الأسرة الحاكمة " ملف الفصل بين ولاية العهد ورئاسة الوزراء.
ولم يكتف الشيخ ناصر بهذه المقالة التى صدمت الشيخ سعد ولعبت دورًا كبيرًا فى تدهور حالته الصحية بل قام بشراء " مجلة الزمن " لتتخصص فى المطالبة بالفصل ، ويقال إنه لم يتوقف عن حملته هذه إلا بعدما تأكد أنه قضى نفسيًا وصحيًا على ولى العهد وبلغ به المرض حدًا دفعه إلى قضاء معظم أوقاته متنقلاً بين مستشفيات بريطانيا والولايات المتحدة تاركًا ساحة الحكم للشيخ صباح .. ولابنه الذى عين مستشارًا لولى العهد "!!". وفى الأسبوع الماضى استعاد العارفون بخفايا ما دار فى كواليس قصور الأسرة الحاكمة فى الكويت تلك الحادثة ليجدوا فيما حصل منذ تفجير الشيخ صباح لاستقالة الحكومة فى 28 كانون الثانى " يناير " الماضى - تتمة لمخطط محكم - والبعض لا يتوانى عن لفظ كلمة مؤامرة والحديث عن الفصل النهائى الذى ستكتمل فصوله بالهزيمة الصحية - بعد السياسية - للشيخ سعد. فآخر المعلومات التى حصلت عليها " القناة " تؤكد أن صحة الشيخ سعد تدهورت فى شكل خطير منذ يوم الثلاثاء الذى سبق الإعلان عن تشكيل الحكومة وأن الرجل عاد من قصر بيان محبطًا ومصابًا بحالة اكتئاب مصحوبة بنوبات بكاء استدعت إحضار عدد من الأطباء على عجل إلى قصره. وكلهم أجمعوا على تدهور صحة ولى العهد ونصحوه بالراحة والابتعاد عن الكويت. فى هذا الوقت كانت الأوساط الكويتية المطلعة تتداول تفاصيل دقيقة عن نجاح مخطط الشيخ صباح فى استبعاد ولى العهد وإبعاده وإذلاله عن سابق تصور وتصميم لفتح باب حكم الكويت ليس أمام شقيق الأمير ، البالغ من العمر 72 عامًا ، والذى يعانى بدوره من عدة أمراض ويعيش ببطارية للقلب. بل أمام " جيل " ابنه الشيخ ناصر ! فيكتمل السيناريو الذى حبك منذ سنوات. العارفون بعمق المطالب الشعبية والسياسية الكويتية بضرورة التجديد وفتح المجال أمام شباب الأسرة الحاكمة ، والمطلعون أيضًا على نصائح أميركية فى هذا الصدد .. استعادوا سيناريو " الفصل الأخير " من مخططات الشيخ صباح الأحمد وهم يدركون حجم تفاعلات هذا السؤال ميدانيًا. فحاكم الكويت الشيخ جابر الأحمد يبلغ من العمر 75 عامًا ، وولى العهد المريض 72 عامًا ، والشيخ صباح البالغ من العمر 71 عامًا - ومريض أيضًا- هدفه النهائى ليس رئاسة الحكومة أو ولاية العهد ، بل إقصاء آل سالم عن الخلافة وحصرها بفرع آل الأحمد حيث يحتل ابنه الشيخ ناصر " 53 عامًا" موقع الصدارة .
وهو يعتبر من الأكثر حظًا فى تسلم الإمارة ، وخصوصًا بعدما أحكم والده السيطرة على مواقع السلطة والقرار ، وكشف عن دوره فى إدارته الـ 17 يومًا الأخيرة ، لأخطر أزمة يعيشها الكويت منذ استقلاله عن قدرة فائقة اكتسبها خلال 30 عامًا من العمل الدبلوماسى على إحداث انقلاب خطير فى البلاد يتسلم عبره السلطة الفعلية بمباركة الأمير ورضوخ ولى العهد وعدم رفض آل السالم وتشجيع " المؤسسة العسكرية " والذين يعرفون ما يسمى بـ " انقلابات القصر " نموا جيدًا لماذا شهدت المشاورات الحساسة جدًا التى جرت يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين فى قصر بيان حضور الشيخ سالم العلى أحد أقطاب فرع السالم والأسرة الحاكمة ، ولكن أيضًا وقبلها ، رئيس الحرس الوطنى.
وتؤكد معلومات " القناة " أن هذه المشاورات حسمت معركة الشيخ صباح الأحمد ضد الشيخ سعد العبد الله . وفوجئ ولى العهد بلهجة أمير الكويت معه فى جلسة يوم الثلاثاء والتى اختلفت كليًا بحيث لم يكترث الشيخ جابر لاعتراضات الشيخ سعد على التشكيلة الحكومية الجديدة التى أصر الشيخ صباح على اختيار كل أعضائها بدون استشارة ولى العهد وحتى بدون الأخذ بالاعتبار لمطالبة الشيخ سعد بالاحتفاظ بوزيرى الدفاع والنفط الشيخ سالم والشيخ سعود الناصر .. ولا حتى باحترام " الوثيقة التاريخية " التى كانت قائمة بين فرعى السالم والجابر وتقضى بالتزام توازن مصلحة العائلتين فى حكم الكويت. وعندما احتج الشيخ سعد على عملية إهانته وإذلاله وإذلال فرع السالم ومحو تاريخه الوطنى ودوره فى البلاد ، هدد كما فعل قبل يوم ، بعدم توقيع التشكيلة الوزارية وبالتالى إطالة الأزمة وتفجير الخلاف أكثر. وكان الشيخ سعد ، المكلف رسميًا بتشكيل الحكومة ، رفض توقيع تشكيلة الشيخ صباح بعدما كانت قد أرسلت إلى التلفزيون ووسائل الإعلام لإعلانها كمرسوم موقع من الأمير وسحبت فى اللحظة الأخيرة لأن الدستور يفرض توقيعًا من " الرئيس المكلف ".
وفى معلومات " القناة " أن الشيخ سعد الذى تحول إلى ولى عهد ورئيس حكومة " صورى " امتعض أكثر عندما اكتشف أن الشيخ صباح يبالغ فى إهانته وإذلاله ليس فقط من خلال " تقليل حصة " آل السالم، بل أيضًا من خلال توزير شخصيات من خصومه مثل وزير الدفاع الشيخ جابر مبارك الصباح. والمعروف أن الشيخ سعد كان أقال هذا الوزير من حكومته وقاطعه لسنوات رافضًا استقباله بعدما أهان - عندما كان وزيرا للإعلام يومها - الكويتيين عندما صرح بعد غزو الكويت أن " كل كويتى ظل فى الكويت هو خائن ". بعد مشاورات مساء الثلاثاء التى لم يشارك فيها الشيخ سعد الذى أمضى ليلته يخضع لفحوصات طبية ، وصل إلى قصره عند الساعة الخامسة من فجر الأربعاء موفد من قبل الأمير حاملاً مرسوم التشكيلة الوزارية الجاهزة والمعدة بدون علمه ورغم أنفه طالبًا منه توقيعها ومضيفًا باسم الشيخ جابر : إنه إذا رفض التوقيع على التشكيلة كما هى بدون تغيير أى حرف أو شطب أى اسم ، فإنه ، أى الأمير ، لن يعود قادرًا على الاحتفاظ به فى ولاية العهد أو حتى فى رئاسة الحكومة وأنه يحمله مسؤولية وضع البلاد أمام خطر الفلتان والخراب وتشويه سمعة الكويت، التى تستعد لاستقبال وفود دولية كبرى لمناسبة الذكرى العاشرة لحرب الخليج.
وتشير معلومات " القناة " أن الشيخ سعد الذى كان راقدًا فى فراشه مريضًا ، ورضخ على مضض ووقع المرسوم الذى يحمل توقيع الأمير، وخصوصًا بعدما كان قد تلقى فى الليل معلومات عما دار فى مشاورات أقطاب الأسرة الحاكمة فى قصر بيان وعن التحالفات الجديدة التى تمت على حسابه وأبرزها تخلى آل مبارك الذين تحالفوا مع آل أحمد ضد آل السالم.. وتسريب معلومات بالإعداد لمرسوم أميرى لعزل ولى العهد لأسباب صحية. وعندما أعلنت الحكومة صباح الأربعاء لم يصدق الكويتيون الخبر المفاجئ لأنهم ناموا مع معلومات تتحدث عن احتدام الصراع بين فرعى السالم والأحمد وزيادة التعقيدات والعقبات. وفجأة حسم الشيخ صباح المعركة ، وربما الحرب ، بالضربة القاضية بإعلان حكومة من 15 وزيرًا بينهم ثمانية جدد وأربعة من البرلمان وتكللت حصة الأسرة الحاكمة فيها سبعة وزراء أى بزيادة وزير عن الحكومة السابقة. وفيما كشفت الأسماء عن " حكومة صباح الأحمد " مؤكدة أن النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية هو الرئيس الفعلى للحكومة العتيدة برز ضعف مواقع آل السالم ، حيث لم يبرز منهم سوى الشيخ محمد الصباح، شقيق وزير الدفاع المستقيل ، والسفير فى الولايات المتحدة .. لكن هذا المرشح " السالمى " لحكم الكويت مستقبلاً لكونه نجل الأمير الثانى عشر للكويت لم يمنح سوى وزارة الدولة للشؤون الخارجية.
ويعتبر الشيخ محمد " 45 سنة " من " جيل الشباب " مثله مثل الشيخ أحمد فهد الأحمد " 38 سنة " الابن الأكبر للشيخ فهد الأحمد الصباح رئيس الاتحاد الوطنى الكويتى لكرة القدم الذى اغتيل أثناء الغزو العراقى للكويت. وحصل الشيخ أحمد الفهد على وزارة الإعلام ، وهو يحتل بدوره موقعًا فى المنافسة الصامتة على حكم الكويت ، وسبق أن أعلن صراحة " أنه سيصل إلى الحكم يومًا " .. إلا إذا احترقت أسهمه الشبابية فى الوزارة ، وتأكدت ميدانيًا ميوله الإسلامية وطباعه الحادة ، كما يقال. ولعل العنوان الأوضح للحكومة الجديدة التى عززت تشكيلتها وطريقة تأليفها وفرضها خلفيات لجوء الشيخ صباح الأحمد إلى تفجير الحكومة السابقة: هو إبعاد آل السلام وإخراجهم من لعبة التوازنات ومن عملية المحاصصة والمداورة ليس فقط فى الحكومة ، بل فى ولاية العهد ، وبالتالى حكم الكويت. ويبدو أن الشيخ صباح ، المعروف بحنكته وبرودة أعصابه ، كان يعرف مسبقًا مخاطر فتح معركة حسم وكسر عظم مع ولى العهد وآل السالم، خصوصًا وأن الشيخ سعد الذى يرأس الحكومات الكويتية منذ العام 1978 يملك شعبية واسعة تفوق شعبية الشيخ صباح ويعرف بتواضعه. لهذا حرص الشيخ صباح على اختيار حكومة تحترم لعبة التوازنات السياسية والاجتماعية لحمايتها من انعكاسات اختراق للتوازن التاريخى بين فرعى الأسرة الحاكمة.
ولهذا خرجت الحكومة تراعى أطرافًا داخل الأسرة وفى المقدمة أمير الكويت باختيار وزير الدفاع ووزير الداخلية محمد الخالد الصباح من المقربين منه إضافة إلى عديله محمد ضيف الله شرار. وحرص الشيخ صباح على إرضاء " شباب الأسرة " بإشراكهم فى الحكم .. وسط سعى واضح لتطويق إزعاجات مجلس الأمة.
وفى هذا المجال خضع الشيخ صباح لشروط الإسلاميين بعدم منح وزارتى التربية والإعلام لليبراليين بل وتعيين وزير الإعلام من الأسرة الحاكمة الذى يعتبر مقربًا جدًا من الإسلاميين. لكن الإغراء الأكبر كان بتعيين الإسلامى عادل الصبيح وزيرًا للنفط على أمل قطع الطريق أمام اعتراضات الإسلاميين على مشروع تطوير حقول الشمال. وأضيفت إلى هؤلاء وزارة الأوقاف التى كانت من نصيب السلفى أحمد يعقوب باقر.
أما الليبراليون فيأمل صباح الأحمد تحييدهم من خلال وزير المال يوسف الإبراهيم .. فيما سعى إلى تحييد الثقل القبائلى بمنح وزارة الإسكان لأبرز وجوه قبيلة العوازم .. فهد الميع.
وعلى الرغم من هذا الحرص على التوازن ثمة شكوك فى أن تنجح هذه الحكومة فى التمويه على الخلفية الحقيقية لتشكيلها ، وتجاوز انعكاسات الإخلال بالتوازن داخل الأسرة الحاكمة. ومنذ الساعات الأولى لإعلانها بدأت ديوانيات الكويت تطرح أسئلة تتجاوز عمر الحكومة وكفاءات وزرائها وقدرتهم على التصدى للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تهدد الكويت. وتتخلص هذه الأسئلة فى سؤالين هما : أى مستقبل لولى العهد الشيخ سعد وآل السالم ؟ وما هى حدود طموحات الشيخ صباح ؟! وفى قناعة هؤلاء أن الحكومة الجديدة التى أوحت أنها حسمت خلافات الأسرة الحاكمة وفتحت الطريق أمام مشاركة جيل الشباب فى السلطة لم تقم فى الواقع سوى بتفجير أخطر الخلافات داخل العائلة.
ومن شأن هذا الوضع أن يفتح ثغرات تضعف موقع الأسرة الحاكمة تجاه البرلمان والتنظيمات الكويتية وتسهل عمليات اختراقها واللعب على وتر هذه الخلافات. وفى انتظار وضوح ردود فعل ولى العهد الذى يرأس حكومة مفروضة عليه ولا يملك عليها أية سلطة ، كانت ديوانيات الكويت تتجاوز التعليقات على الحكومة والحكم على وزرائها لتطرح تساؤلات تفتح باب المراهنة على سيناريو الفصل الأخير من مخطط الشيخ صباح الأحمد بعدما أحكم سيطرته على الحكومة .. وأبرز هذه المراهنات والتحليلات " تتهم الشيخ صباح بالتمهيد لنجله الشيخ ناصر مستشار ولى العهد لحكم الكويت. والسيناريو الأكثر تداولاً يستذكر ما حصل لولى العهد الشيخ سعد من تدهور خطير لصحته إثر حملة نجل الشيخ صباح ضده قبل سنوات وعدم تحمله أن يضرب من أقرب الناس إليه. وهذه المرة يعتبر الشيخ سعد أنه " ضرب " من أشخاص مقربين أكثر وبأسلوب متعمد لإذلاله وإهانته فانعكس بسرعة على وضعه الصحى .. وإذا صدقت أخبار الكويت التى تتحدث عن أن الشيخ سعد يحزم حقائبه لفترة طويلة من العلاج فى الخارج يكون سيناريو الشيخ صباح لإبعاد ولى العهد نهائيًا قد اقترب من الحسم النهائى ونجله ناصر بات قاب قوسين أو أدنى من حكم الكويت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق