البحرين زمان سبحان العاطي الوهاب بعد...
بعد استيلاء آل خليفة على البحرين في العام 1783م ، أصبح نفوذ آل خليفة يشمل البحرين إلى جانب الزبارة التي كانت مركزهم الأول بعد أن انشقوا عن تحالفهم مع أبناء عمومتهم آل صباح والجلاهمة في الكويت عام 1766م .
ان أحمد بن خليفة أول حاكم خليفي يحكم البحرين وقد جعل الزبارة مركز حكمه وكان يزور البحرين في الصيف، وبعد وفاته عام 1796م ، تولى الحكم بعده ابنه سلمان وبمساعدة أخيه عبد الله وقد اتخذ سلمان من الرفاع مركزا لحكمه واستمر ذلك حتى الوقت الحاضر . لقد كان نظام الحكم ثنائيا الأمر الذي أدى للكثير من النزاعات الداخلية بين أسرة آل خليفة. فبعد وفاة سلمان عام 1825م خلفه ابنه خليفة الذي كان ضعيفا أمام قوة عمه عبد الله. وبعد وفاة خليفة بن سلمان عام 1843م جاء دور ابنه محمد الأكثر شجاعة من أبيه. ولهذا بدأ بمواجهة عبد الله. استعان عبد الله بحفيد أخيه محمد بن خليفة للقضاء على تمرد أبنائه الذين لجأوا إلى الدمام. بعد ذلك تمرد محمد بن خليفة على عبد الله ونصب نفسه حاكما على البحرين.
يذكر الرميحي (1976م) هذه الحادثة بقوله :" لقد كان الخلاف بين آل خليفة أنفسهم... عوامل ساعدت ابن أخيه محمد بن خليفة على الانقضاض على السلطة وطرده من البحرين سنة 1843. وكان ذلك بالطبع بمساعدة حكومة بومبي غير المباشرة ، فقد سمح الكابتن هنل المقيم السياسي آنذاك لحلفاء محمد بن خليفة أن يعبروا الخليج من جزيرة قيس في الشرق إلى غرب الخليج للانضمام لمحمد ، وذلك خلافا لنصوص معاهدة الصلح سنة 1835 التي تمنع القبائل الساكنة شرق الخليج من الاشتراك في حرب على الشاطئ الغربي، وربما كانت مساعدة البريطانيين لمحمد نكاية في عبد الله الذي رضخ للمصريين، وربما أملا في أن يكون محمد بن خليفة أكثر تعاونا من سلفه ".
بعد أن استولى محمد بن خليفة على حكم البحرين التجأ عبد الله إلى الدمام طالبا المساعدة من أبنائه والأمير فيصل بن تركي ، كما كان أبناء عبد الله يألبون القبائل للهجوم على البحرين ، مما دفع محمد بن خليفة لطلب الحماية البريطانية ولكن طلبه رفض لأنه سوف يورط البريطانيين بمشاكل هم في غنى عنها .
وهكذا طلب عبد الله مساعدة أبنائه والأمير السعودي ولكنه لم يحصل على ما يريد فتوجه لفارس طلبا في المساعدة ولكن فارس لم تستطع تنفيذ طلبه خوفا من التهديدات البريطانية. واستاءت العلاقات الفارسية البريطانية حتى طالبت الأخيرة بطرد عبد الله من فارس. وبوفاة عبد الله عام 1849 خفت التهديدات التي كان يخشاها محمد بن خليفة على حكمه .
بعد وفاة عبد الله قام ابنه بالاستيلاء على الدمام وأعلن ولاءه للأمير السعودي وقد تحالف الاثنان واتفقا على شن هجوم على البحرين، ولكن بريطانيا كانت تراقب الوضع فأخذت تضع العراقيل لتمنع الهجوم ونصحت محمد بن عبد الله بعدم فعل ذلك، والسبب في رفض بريطانيا هو أن الأمير السعودي كان يخضع اسميا للباب العالي (العثماني) ولم تكن بريطانيا ترغب في وجود النفوذ العثماني في هذه المنطقة ولكن محمد بن عبد الله لم يستجب لرغبة بريطانيا فهاجم البحرين وضرب المنامة فتدخلت السفن البريطانية وقامت بقصف الدمام .
أما محمد بن خليفة فإنه لم يقنع بما فعله البريطانيون فقام بحصار ميناء القطيف ومن دون مشورة بريطانيا التي قامت بتأنيبه وتهديده لفعله هذا . لقد كان محمد بن خليفة يملك أسطولا يتكون من 1500 سفينة تقريبا وكان يستخدمه في السلم لاستخراج اللؤلؤ وفي الحرب كسفن حربية قادرة على صد عدوان الدول المجاورة أو الهجوم عليها .
كان هذا الأسطول ضروريا لمحمد بن خليفة خصوصا وأنه حكم في فترة حرجة من تاريخ البحرين، فقد كانت الظروف الداخلية مضطربة نظرا للانقسام في نفس الأسرة الحاكمة كما كانت الظروف الخارجية غير مستقرة حيث كانت البحرين محط أنظار الطامعين ، ومن أهم الدول المجاورة التي سعت لمد نفوذها على البحرين، ولذا فإن محمد بن خليفة اعلن الولاء للدولتين العثمانية والايرانية في أن واحد، وقام بوضع العلم التركي على البرج الغربي لقلعة أبي ماهر في عراد ، والعلم الايراني على البرج الشرقي لنفس القلعة . فكان كلما أحس بالخطر من إحداهما أعلن الولاء للأخرى .
إن ارتباط محمد بن خليفة بالدولة العثمانية من جهة والايرانية من جهة أخرى، إضافة لأسطوله الذي استطاع به محاصرة القطيف والبقاء على نفوذه في قطر ، هذه العوامل مجتمعة كانت تحفز بريطانيا على كبح جماح هذا الرجل فسعت بريطانيا لتقييد حركته وأجبرته تحت التهديد العسكري بالتوقيع على معاهدة 1861 التي تنص على عدم استخدام سفنه لأغراض حربية في مقابل الحصول على الحماية البريطانية .
لقد كانت هذه المعاهدة بداية النهاية لحكم محمد بن خليفة ، ففي عام 1867 وبعد ست سنوات فقط من هذه المعاهدة تمرد أهالي قطر على حكمه حيث كانت قطر تحت حكم آل خليفة فهاجمهم في ديارهم بقيادة أخيه علي بن خليفة. وبعد الهجوم قام جاسم آل ثاني بالوفود على محمد بن خليفة طلبا التفاهم معه فقام محمد بن خليفة بسجنه مما أثار أهالي قطر الذين هاجموا البحرين وحصلت موقعة دامسة .
إن القتال الذي حصل بين أهالي قطر ومحمد بن خليفة كان خرقا لمعاهدة 1861 مع بريطانيا التي تنص على عدم استخدام محمد بن خليفة لسفنه في أغراض حربية وقد أحس البريطانيون أن محمد قد سبب لهم مشاكل كثيرة فجاء المقيم السياسي في الخليج عام 1868 مع ثلاث سفن حربية إلى البحرين وأمر محمد بن خليفة بالتنحي عن السلطة. وحين تماطل قام المقيم بضرب قلعة أبي ماهر وأسقط علم العثمانيين والايرانيين كما تم تدمير الأسطول البحري لحاكم البحرين ، وعزل محمد بن خليفة ، وتم تنصيب أخيه علي بن خليفة مكانه كحاكم يتولى أمور البحرين ، ولم يفك المقيم حصاره الذي فرضه على البحرين إلا بعد أن تعهد علي بن خليفة بالتزامه بمعاهدة 1861 .
بعد التدخل البريطاني عام 1868 حيث تم تنصيب علي بن خليفة حاكما ، قام محمد بن خليفة - الحاكم المعزول - بالفرار إلى الجزيرة العربية ومن هناك توجه للكويت وقد حاول حاكمها التوسط بين الأخوين فوافق علي بن خليفة على رجوع أخيه للبحرين أو توليه الحكم ، ولكن المعتمد البريطاني لم يوافق على ذلك .
يقول الشهابي (1996) :" طلب الحاكم الجديد من الانجليز السماح لأخيه بالرجوع إلى البحرين بدعوى أن السيطرة عليه وعلى أفعاله ستكون أسهل عندما يكون تحت المراقبة المستمرة ، ولكن بعد عودته إلى البحرين استمر في التخطيط ضد أخيه فنفي إلى الكويت ثم إلى القطيف ، حيث تحالف مع ناصر بن مبارك ، وهو حفيد الشيخ عبد الله آل خليفة وأصبحا يخططان ضد علي بن خليفة . في أغسطس - سبتمبر 1869 قاد الرجلان حملة بحرية مكونة من خمسة قوارب و500 رجل وهاجما البحرين وذهبا إلى الرفاع الشرقي وحدثت معركة دامية قتل فيها الشيخ علي بن خليفة مع أحد أبنائه ثم تعرضت المنامة والمحرق للهجوم الذي تسبب في أضرار كبيرة ".
بعد مقتل علي بن خليفة تولى محمد بن خليفة منصبه السابق كحاكم على البحرين ، ولكن الأمر لم يستقم له فتمرد عليه أبناء عبد الله من جديد وعزلوه عن الحكم وقاموا بسجنه في قلعة أبي ماهر ، وتم تنصيب محمد بن عبد الله حاكما على البحرين. ولكن أبناء الأخوين محمد بن خليفة (المسجون) وعلي بن خليفة (المقتول) لم يقبلا بحكم ابن عمهم محمد بن عبد الله فتوجهوا للمعتمد البريطاني وطالبوه بالتدخل .
تقول أمل الزياني (1973) :" وعلى إثر هذا الطلب جاء المقيم البريطاني الكولونيل بيلي على ظهر بارجة تصحبه سفن حربية بريطانية من بوشهر بقيادة الكابتن دوجلاس ، وبادر بضرب مدينتي المنامة والمحرق بالقنابل . وقد أنزلت قوة بريطانية لأول مرة في تاريخ البحرين . وقبضت هذه القوة على الحاكم محمد بن عبد الله وأخذته ومحمد بن خليفة (المسجون بقلعة أبي ماهر - والذي لا يتمسك بمعاهدات -) ونفوهم جميعا إلى الهند ، وبعد ذلك تقلد الحكم عيسى بن علي بن خليفة ابن الحاكم الذي اغتيل".
وهكذا قامت بريطانيا في العام 1869 بتعيين عيسى بن علي حاكما على البلاد بعد استجلابه من الزبارة بقطر وكان عمره قرابة 21 عاما. وحكم عيسى بن علي البحرين لمدة 54 عاما (حتى 1923) بصورة اقطاعية قاسية على قسم كبير من اهل البحرين (البحارنة) حيث تم تحويلهم للسخرة وفرضت عليهم الضرائب الخاصة بالبحارنة فقط (مثل ضريبة الرقابية) وتمت مصادرة مزارعهم وتشغيلهم (بحكم السخرة) بصورة مجانية لللقيام بالاعمال الشاقة.
وفي 1895 حاول البحارنة بقيادة السيد شبر الستري الثورة على هذا النظام الاقطاعي ولكم المحاولة فشلت.. ثم انتفض البحارنة في فبراير 1922 ضد النظام الاقطاعي مما أدى لتصاعد الاحدث لاحقا. ولهذا تدخلت بريطانيا في العام 1923 وعزلت عيسى بن علي ونصبت مكانه ابنه حمد بن عيسى والزمته باصلاح الادارة من خلال انهاء الحكم الاقطاعي وتعيين المستشار البريطاني تشارلز ليجريف لتكوين الادارة الحديثة في البلاد. لم يقبل عبد الله بن عيسى بتعيين حمد بن عيسى واستمر التنافس بينهما حتى نهاية الثلاثينات ومطلع الاربعينات عندما ركز المستشار البريطاني حكم الابن الاكبر للحاكم (ولاية العهد للابن الاكبر) بصورة قللت التنازع بين الطرفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق