لماذا يكرهون مصر
ليس مجرد سؤال لكنه تاريخ أقدم من تحول هذه القبائل الى دول
أظن أن الوقت قد حان كي نفيق من وهم أن (الأشقاء) العرب ينظرون الى مصر على أنها أم الدنيا والشقيقة الكبري وغير ذلك من المسميات التى صدرها لنا مجاذيب الناصرية وأقلامها
وأظن أنه يجب أن نعترف أنه في أفضل أوقات العلاقات المصرية العربية في عهد عبد الناصر كنا نكاد أو كنا بالفعل في حالة تناحر مع معظم الدول العربية بداية من السعودية والتحرشات المتبادلة في اليمن والتحريض السعودي على الزعيم (القومي) عبد الناصر للأمريكان وتمويل عديد من عمليات المخابرات الأمريكية ضده
ولا يخرج عن القاعدة أحد بإستثناء قطر التى لم تكن قد بلغت سن الرشد لتستطيع اتخاذ قرارات منفردة دون الرجوع الى ولاتها...قطر حصلت على استقلالها متأخرا جدا
واذا كان حال الخليج في تلك الفترة لا يختلف كثيرا عن حال المملكة السعودية فإن حال المغرب العربي لم يكن أحسن حالا فناصر تشبه بجيفارا في محاولته ازكاء ثورة بالقوة في الجزائر كلفت المصريين كثيرا من مالهم لشراء السلاح لعصابات الجزائر نكاية في فرنسا وكانت النتيجة التى خرجنا بها بعد كل محاولات ناصر ضد الفرنسيين والانجليز ليست أقل من عدوان ثلاثي دفعت مصر ثمنه ولم تكن تدفع فقط ثمن تأميمها لقناة السويس بل كانت تدفع ثمن محاولتها إيقاظ مشاعر ثورية أو افتعالاها افتعالا في بلاد لم تسعى الى ذلك من الأصل كما هو حادث في اليمن وثورته التى تضيف له جديد لكنها اضافت جديدا لعدد قتلى المصريين وخسائرهم
وفيما يخص القضية الفلسطينية فقد أنفق ناصر وقتا ومالا بل ودما لدعم قضية يعلم القاصي والداني أنها خاسرة أمام أي محكمة فلا اسرائيل ستخرج من فلسطين بالمحكمة الدولية ولا بصواريخ القاهر والظافر ولا بجبهة الصمود والتصدي الناصرية وكانت النتيجة الطبيعية هي أن مصر مرة أخرى مولت منظمة التحرير وياسرعرفات كثيرا لكي يكون لها في فلسطين نصيرا بينما هو شخصيا اضافة الى شعبه يحتاج من ينصره ونسي ناصر أن اسرائيل لن تخرج لأنها ببساطة ليس لديها مكان اخر تذهب اليه
وبنهاية الفترة الناصرية كانت الحالة الثورية التى مورست بديماجوجية شديدة قد انتهت وحلت محلها مرحلة من التفكير العقلاني الذي قدم المصالح المصرية أخيرا على مصالح(الأشقاء) فكانت النتيجة نصرا في اكتوبر وانتهاء نزيف الدم المصري وبطبيعة الحال لم يكن ذلك ما ينشده العرب الذين اعتادوا تصدير مشاكلهم في اتجاه مصر واعتادوا المطالبة بدق طبول الحرب حتى اخر جندي مصري
في هذه الفترة ورغم الغضب العربي على مصر لم نشعر بمشاكل حقيقية وحتى المغتربين المصريين في الخليج كانوا يعلمون ان هناك دولة قوية تقف خلفهم وهو ما كان يعلمه أيضا سادة هذه الدول والدويلات لكن الحرب على مصر بدأت تأخذ شكلا مختلفا عبر تصدير الفكر الوهابي الى مصر ومد يد التحالف لجماعة الاخوان المسلمين أزمة مصر المزمنة وكانت النهاية بقتل الرئيس السادات في يوم نصره ثم اطلاق الرصاص ابتهاجا في العواصم العربية ولعل أكثر هذه العواصم ارتفاعا في صوت الرصاص المبتهج بمصرع السادات كانت دمشق التى تخلصت اخيرا من زعيم أدرك من البداية ان بداية الحل العودة الى تمصير مصر وليس تحويلها الى دولة عروبية بالقوة وهو ما يتعارض مع مبادئ حزب البعث التى تحكم بها سوريا والتى تكفل للفئة الحاكمة هناك الامساك بالسلطة تحت شعار أنهم مجاهدون وثوار ويسعون لإستعادة الجولان تلك الجبهة الهادئة التى لا تعرف صوت الرصاص فيما عدا رصاصات أفراح العرس
نحن نعرف تاريخنا جيدا ونعرف تاريخهم جيدا ونعلم أنه بينما كانت مصر دولة لها حكومة ودين وثقافة ولغة كانوا لا يزالون مجموعة من القبائل تمارس صيد الحيوانات وعلى أحسن تقدير صيد اللؤلؤ لكنهم لمن ينتظموا في شكل دولة إلا قريبا وعندما تفجرت ينابيع النفط في هذه الدول ظهرت الحقيقة وأصبحت مصادر الثروة في يد مجموعة تعرف ما تريد تماما :الاحتفاظ بالسلطة ومقاومة كل اشكال التحرر والفكر المستنير في أي دولة تجاورها خوفا من عدوى التحرر ، وامتدت الكراهية الى أقصي اطراف المنظومة العربية لتظهر جليا في حالة الجزائر التى لم تظهر كراهيتها لنا إلا عندما أصبحت الغاز المتدفق مطروحا في الأسواق ويضمن لها دخلا جيدا ، نفس الحال بالنسبة لدولة قطر وقناتها الفضائية ...لذلك كان المشهد المعروض يتجسد في تحالف قطري جزائري مفهوم الدوافع ، مع مباركة من انقلابيين حماس وموافقة من سوريا وتجاهل او استحسان من الباقين
لماذا يكرهون مصر ليس سؤالا فقط لكنه تاريخ يمتد الى جذور نشأة هذه الدول وتحولها من شكل القبيلة والعشيرة الى شكل الدول التى هي عليها الأن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق