سيناريو الامارة الاسلامية: واقع أو مبالغة
“إمارة اسلامية” في
الشمال! مخطط سلفي صريح لجعل أرض الفيحاء معسكراً لميليشيا “الجيش السوري الحر”
ومقاتلي “القاعدة” والاصوليين. المدينة التي لطالما عُرفت بأنها صلة الوصل ما بين
الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والداخل السوري والعربي، يُراد لها اليوم أن
تكون مسرحاً لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية.العاصمة الثانية للجمهورية
اللبنانية تشهد صراعاً على حضارتها وهويتها وتاريخها، كلام يؤكده رئيس الحكومة
نجيب ميقاتي بقوله “لو لم يأخذ الجيش المبادرة ويقوم بدوره في طرابلس، لكانت قامت
إمارة لن تكون مرتبطة بالدولة، وهذا ما حرّك الموضوع ودفع نحو إدخال الجيش”. فهل
كانت الاشتباكات الاخيرة فعلاً محطة رئيسية على طريق تحقيق المشروع السلفي؟ وما هو
دور الجيش في هذا الاطار؟
في المبدأ السلفية لغة
تدعو الى الاقتداء بالسلف الصالح واتخاذهم قدوة ونموذجاً في الحاضر؛ الا ان هذا
المصطلح يكتنفه غموض ناتج عن الكثير من التعقيدات ومن تشابك وتداخل المسائل
السياسية والعقائدية والمعرفية التي ترافق استخدامه.
مصادر مطلعة تكشف ، عن
سيناريو “سلفي” أعد لـ”تطهير” المدينة من كل حلفاء النظام السوري بدءاً من
المطالبة بإخراج الأمين العام لحركة “التوحيد الإسلامي” الشيخ بلال شعبان وصولاً
إلى حد طرد رئيس الحزب “العربي الديموقراطي” رفعت عيد منها. سيناريو الإلغاء هذا
يمهد لإقامة الإمارة المفترضة، وخير دليل على ذلك حدة المعارك الأخيرة التي دارت
رحاها بين أبناء جبل محسن وباب التبانة.
وتلفت المصادر إلى أن
مئات من المسلحين حاصروا خلال هذه المواجهات جبل محسن من جهات عدة، وكان هؤلاء قد
بايعوا في لقاءات سابقة مسؤوليهم على الطاعة والولاء، ليخرجوا عن سطلة تيارات
سياسية فاعلة في المدينة، وعلى رأسه “المستقبل” ومسؤوله العسكري العميد المتقاعد
عميد حمود.
وتوضح المصادر نفسها
أن هناك من وشى بالسيناريو المخطط ما استتبع فشله، وإنكفاء المسلحين وخروجهم من
الشارع، كاشفة أن دولاً خليجية – وعلى رأسها قطر – هي من تمول هذه الجماعات
وتدعمها، وتنسق ذلك في الزيارات السرية المتكررة لمسؤولين منها إلى بيروت، كل ذلك
بهدف زيادة الضغط على الحكومة السورية من خلال السيطرة على الحدود البرية المشتركة
مع لبنان.
انكشاف المخطط هذا لم
يكن السبب الوحيد وراء عودة المسلحين إلى قواعدهم، إذ تؤكد المصادر أن قراراً
حاسماً وتهديداً جدياً من القيادة السورية قد وصل إلى المعنيين – عبر قنوات
الاتصال – بأن الجيش السوري سيضطر للتدخل إذا ما استمر حصار جبل محسن واستهدافه،
لأن سوريا لا يمكن أن تقبل بأن تكون عاصمة الشمال خاصرة رخوة وحاضنة آمنة
للإرهابيين؛ وقد وصلت الرسالة إلى من تعنيهم.
رغم خطورة المخطط والوضع
المفتوح على أكثر من احتمال متفجر، تستبعد المصادر حدوث الانفجار الكبير في
المدينة في تكرار لمشهد مخيم نهر البارد، فالجماعات المسلحة غير قادرة على مواجهة
الجيش اللبناني، لا سيما إذ ما حظي بالغطاء السياسي اللازم، وهو ما لا يستطيع
مختلف الأفرقاء السياسيين إلا تقديمه، لأننا على عتبة الانتخابات النيابية، وكل
خطوة توضع في الميزان.
إنطلاقاً من ذلك، يتفق
كل من إمام مسجد صيدا الشيخ ماهر حمود والكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير على مدى
خطورة السيناريو المفترض، لكنهما يربطان نجاحه بتطورات الأزمة السورية والدعم الدولي
والاقليمي. ويقر الطرفان بأن جماعات سلفية متشددة تروج بشكل غير مسبوق للفكرة،
ويناشدان الدولة والجيش التدخل للجم المسلحين والسيطرة عليهم.
غير أن الطرفين
يقلّلان من أهمية السيناريو المطروح. يقول الشيخ حمود “إقامة إمارة اسلامية مبالغ
فيها وهذا كلام مجازي باعتبار أن هناك عقلاءً من السلفيين لا يمكن ان يسمحوا
بذلك”، ويرى “أن الامارة بحاجة الى أمير ورجال وهذا غير متوفر”، ويتمنى “عدم
المبالغة لاننا نساهم في تأزيم الوضع أكثر، فضلاً عن اننا نروّج للفكرة بشكل
أوسع”.
ويتطابق كلام قصير مع
الرأي السابق، ويشير إلى أن الامارة في المبدأ بحاجة لقوة عسكرية واقتصادية
واستراتيجية، وهي غير موجودة في الحالة اللبنانية، ويوضح أن الطرابلسيين عاجزون عن
تحمل هكذا سيناريو نظراً لما سيحمله من تبعات خطيرة على المدينة إقتصادياً
وإجتماعياً، ويعتبر أن الميليشيات المسلحة لا تستطيع التفرد بأمن طرابلس، خصوصاً
أن المنطقة الجعرافية متنوعة ومتداخلة.
على أساس ما تقدّم،
يعوّل الشيخ حمود وقصير بشكل كبير على نجاح الجيش في السيطرة على الارض. ويؤكد
إمام مسجد صيدا أن طرابلس ستبقى للجميع، فالعلويون جزء لا يتجزأ من النسيج
الاجتماعي للمدينة، ويشدد على أن الافعال المتطرفة تُخمد في حال تمت المعالجة
السليمة. في حين يدعو قصير للتعاطي مع الامور بعقلانية وواقعية وعدم بث الرعب في
نفوس اللبنانيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق