الاختيار بين الإستبن والجنرال خيانة
عندما يصبح الاختيار ثقيلاً بين ديكتاتوريتين، فإنك مدفوع إلى المقاطعة رغماً عن أنفك؛ لأنك لو اخترت إحداهما فقد أصبحت ترساً فى ماكينة الاستبداد المقبل، وصرت واحداً من بين ملايين وضعوا طاغية على الكرسى، وحتى لو شغلت نفسك بأن تستقرئ المستقبل، وتأتى بفضائل ومحاسن انتخاب هذا أو ذاك فإن الماضى القريب يطردك إلى جنة المقاطعة دون نار التصويت.
فحتى لو ملت لإخوانجى بوصفك مشاركاً فى الثورة فإن شهوراً مضت تكفيك لتتخذ قرارك العكسى، وإذا حادثت إحدهم فإن ذاته الاستعلائية الطاردة قد تحول دفتك إلى ظل مبارك الملوث بسنوات العهد البائد، وإذا بحثت عن وجه إصلاحى تستظل به من جفاء القيادات الكلاسيكية، فإن الأسئلة تطاردك عن مدى تأثيرهم على صناعة القرار فى داخل جماعة عصية على التغيير وتعيش فى الماضى رغم حديثها الدائم عن النهضة والمستقبل.
وإذا طمأنت نفسك بأنك تستطيع أن تخلع شخصا وليس جماعة من الحكم، فإنك تسأل: لماذا يلتقى كارتر الفل الوفى؟ ولماذا تدعم الدولة العميقة والمؤسسات والأجهزة البيروقراطية شخصاً من زمن المخلوع؟ ولماذا يقف وراءه رجال أعمال حققوا المليارات فى عهد مبارك؟ ولماذا يفتحون له شركاتهم ومصانعهم ومقارهم لحملته؟ لتنتهى إلى الإجابة القاسية: «لقد ضاعت دماء الشهداء لننتج نظاماً مباركياً جديداً على رأسه رجل أملس».. فكيف تخون دماء الشهداء؟ وكيف لك أن تواجه صورة عماد عفت وهو يبتسم لك أملاً فى غد أفضل؟!
إذن أنت مشطور بين اثنين لا ثالث لهما: طغيان عسكرى أو طغيان دينى.. تقول: لم أجرب أبداً الطغيان الدينى، فاتركنى لأجربه. أقول لك: عُد بالذاكرة فقد سمعت منهم وعنهم ودفعت بهم إلى صدارة المشهد السياسى، فماذا حدث؟ تحالفوا مع العسكر فأعادونا عاماً ونصف العام، لقد كانوا رأس الثورة المضادة الفعلية دون أن يدروا، أضاعوا كل شىء لأنهم أرادوا كل شىء فى سلتهم دون سلال الآخرين، تركوا الثورة وارتموا فى أحضان صاحب السلطان، فانتهينا إلى المشهد العبثى «مرسى.. شفيق».
شفيق الفلولى يقول: سأرد للثورة شبابها.. رغم أنه يعمل فى الخفاء ضدها، إنها الملهاة.. والإخوان يغازلون الجميع لكسب الأصوات، ولن يقفوا موقفاً وطنياً من دعوة التنازل لصباحى؛ فمصلحتهم فوق الجميع.
الإحباط واليأس لسان حال ملايين دفعت وراء حمدين صباحى وأبوالفتوح أملاً فى تطهير مصر، لكنها الديمقراطية لا تأتى دائماً بما نشتهى.
الشعوب التى اعتادت حكم الديكتاتور أقرب إلى التسليم بهذا الشكل من أشكال الحكم، خاصة أنها لا تحب التغيير وتكره التضحية وتنخدع بخطاب الاستقرار الزائف، تاريخنا يشهد على ضياع الكثير من الفرص بسبب الرعونة والتعجل ومعاداة التخطيط، العبيد يستعجلون جلدهم مرة أخرى، والصحف الحكومية تنتظر تغيير جلدها للمرة العشرين أو أكثر، وصفحاتها الأولى تستدعى المنقذ ليحتل مساحته الأبدية لتفرض على الشعب المغلوب الذى سيذهب ليختار بين فراغ وفراغ!!
كلمة أخيرة: يتحدث هتلر فى كتابه «كفاحى» عن رضا الجماهير بالخضوع لسيطرته فيقول: «إن الجماهير كالمرأة تريد أن تخضع لرجل قوى، لا أن يسيطر عليها رجل ضعيف، ولهذا فإنها تحب الحاكم القوى لا الحاكم المتضرع المتوسل، وهى فى أعماقها تكون أكثر اقتناعا بالنظرية التى لا تتسامح مع الخصوم، لا النظرية التى تمنحها الحرية، إنها تشعر بالضياع فى تعاملها مع هذه الحرية، بل قد تشعر بسهولة بأنها وحيدة مهجورة»!
علاء الغطريفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق