الجمعة، 20 مايو 2011

مرفوع من الخدمة تتضامن مع أمازيغ المغرب وننشر:فجر الأوديسا، أو دلالة أسماء العمليات العسكرية


مرفوع من الخدمة تتضامن مع أمازيغ المغرب وننشر:فجر الأوديسا، أو دلالة أسماء العمليات العسكرية

بقلم: حمَّاد ؤهريش (محمد أهريشي).

إهداء: إلى معتقلي القضية الأمازيغية: حميد أعضوش، مصطفى ؤسايا، و إلى كل ثوار ليبيا.
يعكس الاسم الذي يطلق على كل عملية عسكرية ما يحمله، في وعيه و كذا في لاوعيه، صاحب الاسم من أفكار و تخيلات و أحكام مسبقة أو ملحقة بمعرفة ما تجاه هذه العملية العسكرية كفعل و فاعل و مفعول به و مفعول فيه و مفعول لأجله و ما هو على هذا النحو في اللغة الفصحى لصناع القرارات و الأحداث...
فأسماء العمليات العسكرية ليست في مجملها، كغيرها، اعتباطية احتمالية كتلك التي قد يوكل اختيارها في بعض الحالات للكومبيوتر مثلا، و ليست أيضا مزاجية كتلك التي تمليها الحالة النفسية لأحدهم حين يدفعه ما يمثله اسم ما لديه لشراء إمكانية تعميد إحدى العواصف (Xynthia كمثال....)،  فالعملية العسكرية كتحرك مادي و غير مادي عنيف لواقع و فكرة ما ضد واقع و فكرة أخرى تبقى أسماؤها أكبر من هذا، لذلك فهي تقبل التحليل و التخمين  لإستكناه ما تخبئه من معان و إشارات لا تنفصل بشكل عام عن رؤية صاحب التسمية لذاته و للأخر، و عن رؤيته بشكل خاص للمبدأ العام المحرك للعمل العسكري و للهدف المتوخى منه، فهي إذن (التسمية) نوع من تمجيد الذات على حساب الأخر/العدو، يمكن الدولة، نظاما و شعبا و جيشا و قيادة عسكرية، من التوحد حول العملية متلذذين براحة الانتماء إلى إطار موحد و مصير واحد تمنح فيه التسمية كذلك ذلك المذاق المسبق الذي يعطيه فأل التسمية الذي يغذي رغبة دفينة في التفاؤل برؤية الذات من الآن و هنا منتصرة و قبل حتى انطلاق العملية العسكرية... فهي إذن ماركوتينك حرب، يسوق به متخصصوه هذا الشر- الذي لا مندوحة عنه أحايينا كثيرة- في سوق الرأي العام الوطني و الدولي، لتوحيد جبهة داخلية ضد جبهة خارجية، أو لتحييد جبهة جانبية ضد جبهة أمامية... و قد قدمت حرب فيتنام من قبل دروسا استفاد منها من هم اليوم أساتذة في هذا الباب.


سنقف هنا عند بعض أسماء العمليات العسكرية للغرب، و بالتحديد تلك الموجهة ضد منطقتي شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، محاولين فهم ما يختبئ وراء تلك الأسماء.
لقد احتك الغرب عسكريا بهاتين المنطقتين و بشكل مباشر و أقدم و أوسع بمنطقة شمال إفريقيا لدرجة أن كلمة "بربر"، بمعنى كل من و ما هو أجنبي عن الحضارتين الإغريقية و الرومانية، إنما التصقت بسكان هذه المنطقة (الأمازيغ)  دون غيرهم من الشعوب التي عرفها الغرب القديم (الإغريق و الرومان) و التي تدخل هي الأخرى في حكم الشعوب البربرية، بما يعني أن هذه المنطقة، شمال إفريقيا،المتقابلة ضفافها مع ضفاف أوروبا، كانت و كان سكانها هم الآخر المقابل الذي أدرك به ذلك الغرب القديم ذاته، و قد نجد لهذا ما يدعمه في أساطير الإغريق و الرومان... ، إلا أن كلمة "بربر" تلونت عبر رحلتها من بر إلى بر بمعان أخرى تشير إلى وحشية الاحتكاك العسكري و وحشية المقاومة، التي أهلت هذا الشمال الإفريقي "البربري" "المتوحش" و لم تؤهل غيره ليحكم روما بعدد من الأباطرة.





و ليس الغرض هنا هو التناول التاريخي لكل ذلك الاحتكاك العسكري، و لكن الغرض هو الوقوف عند الأفكار و التصورات الكامنة خلف تلك الأسماء التي أطلقت على العمليات العسكرية.
لم تكرس التسمية المسبقة للعمليات العسكرية مند البداية كموضة و أداة تواصلية تسويقية سوى في حقبة متأخرة، لذلك سنقتصر على دراسة المرحلة الحديثة من تاريخ الاحتكاك العسكري للغرب بهاتين المنطقتين و التي تبدأ مع اكتساحه الإمبريالي لها.
ففي شمال إفريقيا حملت العمليات العسكرية في المغرب مثلا اسم التهدئة Pacification اسم نفهمه اليوم على أنه يعني تهدئة نفوس المحميين الذين وقعت معاهدة الحماية (1912) من أجلهم، بأن لا خوف عليهم و لا هم يحزنون مع وجود من سيزيدهم تمكينا في الأرض وفق ما نصت عليه بنود المعاهدة، أما في الجهة الأخرى للمعنى فالتهدئة كانت تعني كل ما لا هدوء فيه، دمار و عنف دموي فضيع دخلت فيه بلادنا التاريخ بكونها من أولى البلدان التي استعملت فيها الطائرات لقصف المدنيين على الطريقة القدافية، و بكونها كذلك من أولى البلدان التي استعملت فيها الغازات السامة ضد المدنيين (منطقة أريف شمال المغرب كمثال1921 – 1927 )، و بعد معارك لهري و أنوال، واد زم، تازيزاوت، ضهار ؤباران، بادو، بوكافر و غيرها كثير... سيخرج المحميون و قد هدأت عمليات التهدئة نفوسهم و زال عنهم خوف سوء المنقلب، سيخرج المحميون من صمتهم و ألسنتهم تلهج باللطيف (1930) ليوقعوا به عقد ازديادهم السياسي الجديد  الذي قطعوا به مع وجودهم السياسي التقليدي القديم كبطانة سوء أوعزت عبر التاريخ بشرور كثيرة للأكليد Agllid (السلطان)، كان أخرها نصحها له بتسليط الكفار (الفرنسيس) على الفجار (إمازيغن)، حينما حاصر الأمازيغ عاصمة البلاد يومذاك، مدينة فاس، في محاولة منهم لتغيير الوضع السياسي كما هو العرف الدستوري الجاري به العمل دوما على طول التاريخ في مغرب إزرف Izref ، سيخرج إذن المحميون بعد اكتمال العمليات الكبرى لهذه التهدئة  ليباركوا للمستعمر نجاحه في إخماد المقاومة المسلحة للشعب المغربي، و ذلك في ديباجة وثيقة رسمية حملت اسم "وثيقة المطالبة بالإصلاحات" (1934)،  وثيقة لا يذكرها المحمييون اليوم، بل و يحجبونها و مضمونها الدنيء عبر التخليد السنوي لذكرى تقديم وثيقة أخرى، "وثيقة المطالبة بالاستقلال" (11 يناير 1944) و عجبي كيف تخلد دولة ما ذكرى اختباء بعض الأفراد في منازلهم و إصدارهم لوثيقة يطالبون فيها بالاستقلال و لا تخلد ذكرى أية بطولة فعلية لشعبها، و لما العجب و النوايا معلومة؟؟



فهذه النخبة البئيسة التي استولت بفضل فرنسا على الدولة في مغرب ما بعد الاحتلال العسكري المباشر، و قس على حال هذه النخبة المغربية أحوال مثيلاتها في باقي بلدان الشمال الإفريقي، كانت و لا تزال هي الأرض الخصبة للمرض القومجي الذي سيصدره الشرق الأوسط لشمال إفريقيا، لتصبح بلاد مراكش، المنسوب إلى عاصمته الإمبراطورية، مغربا غرب عن نفسه، و جزءا مضموما إلى مغرب عربي هو نفسه مضموم، كما تضم المستعمرات،  إلى عالم يقال أنه عربي...
أما في الشرق الأوسط، حيث ولد المرض، فقد أخذت العملية العسكرية اسم "الثورة العربية الكبرى" وافقت فيها أطماع الغرب (فرنسا، إنجلترا) أطماع العرب، و تكالب الاثنين على تقويض الحكم العثماني للمنطقة، و كم هو جميل جهلنا بما تخبئه الأيام،  ليت الذين فجروا سكة حديد الحجاز في أحد أيام 1916 كانوا يعلمون حينها أنهم لم يعملوا من على تحرير أنفسهم و بلادهم بقطع الإمداد عن الجيش العثماني و إنما عملوا في حقيقة الأمر على تحرير العثمانيين من جر أطنان من التخلف كانت ستعيق مسيرتهم، و ها هي تركيا اليوم من بعد غلبها تغلب في بضع عقود و تذهب بعيدا تاركة العرب خائضين في حلمهم و ظلمهم  التحرري، ها هي تركيا اليوم تزن على أكثر من صعيد لوحدها ما لا تزنه جامعة دول بعضها عربي و بعضها الأخر يدعي العروبة و يستجديها استجداء المعدمين، ليدمر ما تحته من شعوب غير عربية و يعيق العرب عن التقدم في ما هم أهل له. أفلا ينظر مرتزقة القومجية العربية هنا في شمال إفريقيا إلى سادتهم في شبة الجريرة العربية كيف يلتئمون في مجلسهم الخليجي ليتدارسوا مشاكل منطقتهم، فيتقدموا بمبادرة أو مؤامرة موحدة تجاه اليمن، أو يعبروا عن موقف موحد تجاه إيران، أو يتدخلوا عسكريا بالدرع الخاص بهم في البحرين، أو يسكتوا ثورة عمان بمعونة دولارية، كل هذا دون أن يشركوا في حكمهم أحدا من الموالي الذين جعلت لهم كعبة أخرى اسمها جامعة الدول العربية ليطَّوفوا حولها حتى ينسوا أنفسهم و لن ينسى التاريخ ما جنوه على شعوبهم، فإذا دعا الخليجيون أحدا بعد ذلك إلى مجلسهم في ما يشبه رياضة القفز بالزانة في العلاقات الدولية فهو حشو في البيت أمام القوافي، يملأ فراغا في عروض الإستراتيجيا تركته المتغيرات بعد توقف هدير ماكنات العروبة في مصانعها، فماذا يرجو عرش أطلسي عريق لدى مشيخات خليج عمرها ربما من عمر أكبر معمر في بلدي؟؟
و تستوقفني هنا تهمة مجانية تلصقها الامتدادات الإيديولوجية لذلك الشرق القومجي البئيس في بلادنا بكل من يدافع عن أمازيغية شمال إفريقيا و عن الأمازيغية في شمال إفريقيا، كيف لمن قاد عميل إنجليزي ثورته العربية (لورانس العرب) أن ينعت غيره بحفدة ليوطي، فلم يسجل التاريخ أن قاد هذا المارشال الفرنسي معركة من معاركنا، بل إن جيوشه و بشهادة مكتوبة من جنرالاته تكبدت من الخسائر ما لم تتكبده في أية منطقة من العالم الذي احتلوه، بل أكثر من ذلك ساهم سكان شمال إفريقيا في تحرير بلاد هذا المارشال من الاحتلال الألماني، و اعترف الفرنسيون لهم بدلك يوم وشح الجنرال دوغول صدر محمد الخامس بوسام رفيق الكفاح سنة 1943، و نسيه اليوم منهم من دنس مقابر الجنود الشمال إفريقيين هناك، و في المقابل لم يساهم ليوطي  في تحرير بلادنا، بل بالعكس دمر أسسها الأمازيغية و قوى من الطابع المخزني للدولة المغربية العربية الحديثة التى أصبح  هو مؤسسها و المولى إدريسها الثالث على حد تعبير الأستاذ محمد بودهان، ففرض بالقوة ما رفضته طوال التاريخ و بالقوة مناطق القانون الأمازيغي (Izref) التي تنعتها منذ القديم الدعاية السوداء للمخزن (السلطة المركزية) ببلاد السيبة.
فكيف إذن تكون الحركة الأمازيغية اليوم حفيدة لليوطي ؟ فأولى بالقومجيين عندنا أن يتخذوه من دون استحياء و من باب البر بالوالدين، أبا و زعيما و يحملوا إلى ضريحه في ليزانفاليد Les invalides شموع مولاي دريس كما حملوها إليه من قبل و هو على فراش المرض، أفليس هو الذي مكنهم من تحقيق ما لم يمكنهم منه أحد من قبل، و قادهم بطريقته إلى حيث قاد لورانس العرب ثورتهم العربية في الشرق، أي إلى جاهلية جديدة أحيوا بها النعرة القومية العربية التي لا تقل - على حد قول لويس عوض - خارج مجالها الجغرافي خطورة عن النازية، التي باسمها يقومون على مرأى و مسمع من هذا الغرب المشارك و الصامت  باقتراف هولوكوست اللغة و الثقافة الأمازيغيتين في شمال إفريقيا و المستمرة إلى اليوم.
بعد هذه الموجة من الاحتكاك العسكري و ما صنعته من واقع لانزال نعيش داخل مخلفاته جاءت موجة أخرى ستستمر فيها نفس العقليات في التفاعل.
فالغرب الذي خبر هذه المناطق على أكثر من صعيد، من العلمي المعرفي إلى العسكري مرورا بالاقتصادي الاجتماعي و النفسي... تكونت لديه فكرته الخاصة عن الأرض و عن الناس هنا و هناك،  و تبطنت تفاصيلها (الفكرة) في لاوعيه، هي التي ترشد اليوم خطى مصالحه في كل درب، و هي التي يطفو بعض أجزاءها على سطح الأسماء التي يطلقها على العمليات العسكرية التي يشنها في هذه المناطق. و للإشارة فقط فنفس العمل العسكري له أكثر من اسم واحد إلا أننا سنتناول منها هنا ما تم اعتماده و تكريسه بشكل أكبر من غيره.
ففي سنة 1990 أطلق الغرب اسم عاصفة الصحراء على العملية العسكرية التي شنها ضد النظام العراقي بعد احتلاله الكويت، و قبلها بقليل أطلق اسم عملية درع الصحراء على عملية حماية النظام السعودي، و في سنة 1998 ظهر ثعلب الصحراء الباحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، و في عامنا هذا لاح فجر الأوديسا في سماء ليبيا...
و بين العاصفة و الثعلب تظل الصحراء هي الثابت، و رغم أن الصحراء معطى مشترك بين الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، بل أكثر من ذلك ففي شمال إفريقيا تتواجد أكبر صحراء في هذا البعد الوجودي الذي نعرفه، فإن معطى الصحراء ارتبط بالعرب أكثر من غيرهم في تصور الغرب مع كل ملحقاته من بداوة و شظف عيش و تفكير، و رتابة مناظر و  أحوال و شاعرية و عنتريات و غيب جذاب ... فذلك ربما هو سبب ورود الصحراء في اسمي العمليتين العسكريتين اللتان وجهتا ضد هذه المنطقة، في حين غاب وراء فجر الأوديسا ذكر أي صحراء في اسم  العملية العسكرية الموجهة ضد النظام الليبي...
فهل تسمية عاصفة الصحراء يمكن أن نفهم منها أن الغرب يتقمص هنا دور ظاهرة طبيعية لا خير  يرجى فيها، أو كما نقول عنها في ثقافتنا الشعبية: "ما كايجي من شرق غير شركي (كاف معقوفة) ؤ جراد" ، و كأنه هنا يحذر الناس نفسه ليخشاه المعنيون بعمله العسكري؟ أم أنه فقط يود أن يقول أنه إنما أخد من الصحراء عاصفتها و ضرب بها بعض أهلها؟ أي أنه " كواهوم بشحمتهوم"، بترودولار بعض العرب سيمول العملية العسكرية ضد البعض الآخر، و أراضي البعض ستكون منطلقا لها ضد البعض الآخر، فالغرب جاء إلى هناك إذن دون أن يحمل كل الهم المادي للعملية، كأن يأتي أحدنا إلى لعبتنا و رياضتنا العسكرية "تبوريضا" Tafrawt , Asbahi دون أن يشغل باله بكثير من الأعباء المادية عندما يكون متأكدا أن "لحبة ؤ لبارود من دار لقايد" كما نقول.
و هل الثعلب في تسمية ثعلب الصحراء إشارة بريئة إلى حيوان ما، أم هي إشارة متعمدة إلى مهارته و حيلته بالذات في اصطياد الدواجن و القوارض، و بالتالي فالتسمية يمكن أن تكون حاملة لتقسيم ما للأدوار في إطار رؤية للذات و للآخر، للغرب فيها دور الثعلب و للآخرين دور الدواجن، في شرق أوسط هو خم تتم فيه العمليات؟ أم أن الثعلب هنا فريسة يطاردها غرب يتمتع برحلة صيد في نهاية أسبوع شرق أوسطي؟ أم أن استعمال الثعلب في هذه التسمية يعكس رؤية الغرب لأمة درس مستشرقوه من قبل ظاهرة تسمي أفرادها بأسماء الحيوانات: معاوية، عثمان، ثعلبة، أسد، فهد، جحش...؟  لذلك ربما قيل لهم أن خير الأسماء ما حمٍّد أو عبٍّد تهذيبا لهم...
و لا يكتمل هذا التناول للكامن وراء تسميات العمليات العسكرية دون أن نقف كذلك عند التسميات القادمة من الجهة الأخرى في ارتباط بنفس العمل العسكري، حينها سنجد أنفسنا أمام تسمية أكثر من ثخينة: "أم المعارك" اسم يعكس بسرعة عنتريات الثقافة العربية و عنتريات ما تنتجه من قواد مساكين، من صدام حسين إلى القدافي، الإخوة في رضاعة الثدي المسموم للقومجية العربية التي ما أنزل الله بها من سلطان، و سبحان الله أهي لعنة إلهية معجلة في هذه الدنيا أن يقضي هؤلاء أخر أيامهم في الجحور؟ فاعتبروا يا أولي الألباب من الباقين، و الحمد لله رب العالمين.
 لكن بعد الإشارة أكثر من مرة إلى الصحراء في أسماء عمليات عسكرية موجهة ضد الشرق الأوسط، يطلق الغرب اسم فجر الأوديسا على عملية ضد النظام الليبي رغم تواجده في صحراء شمال إفريقيا.
لماذا الصحراء كخلفية إيحائية لأسماء عمليات عسكرية في الشرق الأوسط، و لماذا الأساطير و الشعر الملحمي كخلفية لعملية عسكرية هنا في شمال إفريقيا؟ و لماذا الأوديسا بالذات و ليس الإليادا أو غيرها مثلا؟
الأوديسا لغة تعني اليوم ما لم تكن تعنيه في بداية أصلها الإيتيمولوجي، فهي اليوم تطلق على كل سفر طويل زمانا و مكانا مليء بالمغامرات، و هذه الدلالة إنما اكتسبتها من عمل شعري ملحمي بنفس الاسم نظمه هوميروس على ما يقال في القرن الثامن قبل الميلاد، ليحكي عودة أوليس Ulysse  إلى وطنه، و الذي بعد دوره الهام في حرب طروادة، قضى عشر سنوات تائها لكي يصل إلى جزيرته إتاك Ithaque  ليلتقي بابنه و لينقد زوجته  التي أحاط بها الطامعون.
فإذا كان رونالد ريغن من قبل قد أطلق اسم إلدورادو Eldorado على عمله العسكري الخفيف ضد النظام الليبي سنة 1986، في انعكاس واضح لعقلية راعي بقر لم يتعافى أبدا من حمى البحث عن الذهب و عن كل فرصة اغتناء مادي سريع، فإن الغرب اليوم يمجد ذاته كما لم يفعله في أسماء الصحراء و غيرها، و يمتح مباشرة  رموزه و إشاراته من موروثه القديم الذي يشكل فيه عملي هوميروس (الأوديسا و الإليادا) أحد أهم أسسه الأسطورية، لكن في هذا التمجيد كذلك يختبئ اعتراف بعمق علاقاته و قدمها بأرض شمال إفريقيا، عمق يشير إليه مضمون الأوديسا، و كأنه يقول للأنظمة القومجية العربية في شمال إفريقيا و جامعة دولها النازية أنها مجرد قشرة لابد من المرور عليها للوصول إلى لب ما يريد، و إذا كان المرور بموافقة شكلية من القشرة فذلك مما يؤكد أن القشرة هي قشرة حقا و حقيقة.
ربما كانت الأوديسا لا تعني شيئا للقدافي و لنعرته القومية إلا أن يخرج علينا من جحر ما بتقليعة من تقليعاته العلمية يصفق لها علي فهمي خشيم و أمثاله ليدعي أن الأوديسا كلمة عربية  انحرف نطقها على لسان المحرفين عن أصل هو: الود السيئ، بدليل أصلها الاشتقاقي المتضمن لمعاني القبح و السوء (Odieux)  فبما يشبه الإعجاز اللغوي إذن يشير هذا الاسم إلى عمل عسكري أنهى به الشيخ أبو عمامة (أوباما) و حلفاؤه من عشيرة و جيران الشيخ زبير (شكسبير) الود المصلحي بينه و بين الغرب، فإذا كان هذا هو  إلف العقلية القومجية العربية و ديدنها في البرهنة و التدليل، فإن الأوديسا من داخل الثقافة الأمازيغية توحي بأشياء كثيرة من دون تكلف بليد يقتضي تصديقه إلغاء عقل لطالما جسده و دافع عنه من قبل ضد أمثال هؤلاء بن خلدون و بن رشد و بن طفيل...
فمن داخل نص الأوديسا يمكن أن نفهم علاقة الأوديسا و فجرها بعملية عسكرية يشنها الغرب ضد النظام الليبي، إذ نجد أنفسنا أمام عدد من المتوازيات الرمزية و في اتجاهات مختلفة بين الأحداث و الشخصيات و الأماكن في أوديسا الأمس و أوديسا اليوم، نلخصها كما يلي:
o       خاض الإغريق الحرب ضد ملك طروادة الذي اختطف هيلين أجمل جميلات الدنيا - في الحدود التي يعرفها الإغريق يومذاك - و كان الإغريق قد أقسموا من قبل على حمايتها، و يخوض الغرب اليوم هذه الحرب في فجرها الجديد من أجل جمال مصالحه التي من دون قسم سيعمل على حمايتها، و كل مصلحة في عين صاحبها جميلة، و لتبدو كذلك في أعين الآخرين فلابد من ماكياج و مساحيق حقوق الإنسان و حماية المدنيين، و لا ننكر أبدا أهمية تدخله في حماية المدنيين، و نؤيد ذلك، كما لا ننكر أن حجرا واحدا يمكن أن يسقط أكثر من عصفور، لنعيد اليوم نحن كذلك طرح نفس السؤال الذي طرحه هيرودوت من قبل: "هل من الناس من يصدق أن الطرواديين يحاربون عشر سنوات من أجل امرأة واحدة؟! " (مهما كانت جميلة).
o       تردد أوليس كثيرا قبل أن يقرر المشاركة في حرب طروادة، و من أجل تجنب الذين جاءوا ليدعوه للمشاركة تظاهر بالهبل، و كذلك الغرب تردد طويلا قبل اتخاذ القرار 1973، و كما انكشف تهابل أوليس حينما وضعوا طفله أمام محراثه ... فكذلك  انكشف الغرب و افتضح تعاونه مع أنظمة دموية رأى العالم شهيتها المفتوحة للقتل، و يوم دخلت الكتائب بمحراثها الدموي إلى بنغازي انتفض هذا الغرب و حسم في أمر القيام بعمل عسكري حفاظا على "تعقله" و عقلانيته" الديمقراطية و الحقوقية.
o       تعدد الأبطال المشاركون في حرب طروادة (Ulysse, Achille, Nestor, Patrocle, Palamède, Agamemnon…) كما تعددت الدول المتدخلة في ليبيا اليوم، و يمكن أن نرى تشابها في العلاقات التي ربطت هؤلاء الأبطال و ما يقع اليوم في علاقات الدول المشاركة في ضرب النظام الليبي، فالطبيعة البشرية واحدة لم تتغير.
o       قصفت ليبيا من قبل و حوصرت و بعد أن رأى القدافي بأم عينه الثعلب يركض في الصحراء و يدخل إلى خم إخوته في القومجية العربية البليدة و يفتح فم القوارض  في جحرها الأخير ليتأكد من أنيابها التي نهشت بها الحقوق و الحريات، انبطح القدافي أرضا ليجعل من ليبيا إلدورادو الغرب كما أراد لها رونالد ريغن من قبل، يسيل منه النفط و الدولار في شكل تعويضات عن جرائمه و في شكل صفقات فوق الطاولة و تحتها، و كانت أيام هذا الإلدورادو موعودة بطول و دوام الازدهار لولا رياح بوعزيزية هبت من جهة الغرب (غربنا) تأتي بما ينفع الناس، لا كرياح الشرق التي تأتينا بوأد النساء في الملابس السوداء، أو تأتينا بمن يفجر كبته عندنا أو بمن ينفجر علينا... فتعكرت سماء الإلدورارو و ظل الغرب "حائرا" بين مصالحه و دعاواه بالدفاع عن الحريات و الديمقراطية، تردد قليلا ليقرر، من بعد إعادة حساب مصالحه، محاصرة ليبيا من جديد عسكريا و جويا ماليا و دبلوماسيا... يعود الحصار إذن  إلى ليبيا في قدر يشبه قدر طروادة التي حوصرت من قبل عدد سنين حتى يئس محاصروها منها إلا أن الحيلة كانت أقوى من كل حصار، فكما أن لطروادة حصانها الشهير الذي مكن لأعدائها منها، فلطروادة اليوم / ليبيا حصانها كذلك و هو القدافي، مع صادق الاعتذار لكل حصان.
o        تاه أوليس بعد حرب طروادة لسنين بين جزر حوض الأبيض المتوسط و ضفتيه لغضب بوصيدون عليه،غضب يرجع البعض أسبابه لإنكار أوليس لفضل بوصيدون عليه في انتصاره في حرب طروادة، و في رحلة تيهه  هذه سيصل أوليس إلى مكان يسكنه Les Lotophages يرجح الدارسون أنه طرابلس ليبيا، حيث استقبله سكان هذا المكان و من بقي معه من جنود بترحيب و حفاوة، أنستهم ما كابدوه على يد شعوب أخرى ك Les Lestrygons الذين طاردوهم و رجموهم و أكلوا بعضهم و لم ينجوا من سفنهم سوى واحدة نأت بأوليس و جزء ممن معه عن هؤلاء، ففي طرابلس  لم يستطع جنود أوليس مفارقة هذا المكان لفاكهة لذيذة كانوا يلتهمونها بنهم هناك اسمها Le lotos، مما اضطر أوليس للمغادرة دونهم، و يمكن القول هنا أن الفاكهة اللذيذة تتوازى رمزيا مع الدولارات التي ينفقها القدافي على مرتزقته و التي تجعلهم يفدون و لا يستطيعون مقاومة إغراء عميد القادة العرب ذو النياشين و الألقاب، كما يمكن القول أن الفاكهة الطرابلسية تتوازى رمزيا مع النفط و مع الأهمية الإستراتجية لموقع ليبيا التي جاءت بالغرب إلى ليبيا، و القولين معا واردين بدون حرج، فبطن الحصان تتسع للجميع.
o        غابت الأمازيغية و غيبت بعنف في ظل نظام الفاشية القومجية العربية للقدافي و في ظل باقي أنظمة هذه الإيديولوجيا اللقيطة بشمال إفريقيا، و لم يكن لها من حضور سوى على خلفية يسمها القمع و الاعتقال و الاغتيال، و نرى اليوم المجلس الانتقالي الليبي و كأنه سير في نفس الاتجاه، في إعلانه و تصريحات بعض أعضائه الذين لم يستطيعوا بعد التفكير من خارج هذه الإيديولوجيا، قد نتفهم الأثر البالغ الذي تتركه اثنين و أربعون سنة من التعبئة و الشحن الإيديولوجي، لكن نود فقط أن ننبه إلى ما يلي:  كيف يمكن القول بنجاح الثورة الليبية إذا استمرت ليبيا في إعادة إنتاج نفس تصورات و أوهام إيديولوجيا القومجية العربية التي حكم بها أمينها القدافي- بئس الأمانة و بئس المؤتمن-  ليبيا لأربعة عقود؟؟
فعلى نفس هذه الخلفية الموشومة بالإقصاء وعدم الاعتراف تظهر كذلك رموز الأمازيغية في أوديسا هوميروس، فبوصيدون، الإله الأمازيغي باعتراف هيرودوت، باني أسوار طروادة و هادمها كذلك، ليس له من حضور قوي سوى غضبه على أوليس - و هو غضب في حد ذاته ذو أسباب أكثر من دالة - و تدخله العسكري الحاسم  ضد أو مع هذا الجانب أو ذاك، تماما كما يفعل أبناء هذه الأرض من الأمس البعيد  إلى اليوم، يناضلون من أجل قضايا الآخرين و يهملون قضيتهم، بل أنكى من ذلك يناضلون ضدها، و مع ذلك فلن يرضى عن الأمازيغية أحد و لو اتبعت ملته.
و الأكثر دلالة هنا في موقع الأمازيغية داخل أوديسا هوميروس و توازيه مع موقعها من داخل أحداث واقعنا القريب و البعيد هو أن فاكهة المصلحة في طرابلس ليبيا أو أي مكان من شمال إفريقيا الأمازيغية يمكن أن تجدب الغرب/جنود أوليس حتى لا يستطيعوا عن أرضنا فراقا، لكن نفس هذه الأرض و ما تمثله من ثقافة عميقة في أصولها و حمولتها الإنسانية لا يريدونها أبدا من داخل علاقة مساواة و أخوة و حرية، ففاكهة المصلحة تستطيع إبقاءهم ملتصقين بأرضنا، لكن كاليبسو Calypsoالإنسانة لن تفلح في ذلك، فكاليبسو ابنة أطلسAtlas  حينما آوت إليها أوليس الذي جرفته الأمواج بعد تحطم سفينته إلى شاطئ مقامها الجميل حيث الحدائق و العازفات بمنطقة يقال أنها سبتة المحتلة اليوم، و تعلقت به و أحبته و طلبت منه البقاء معها، لم تستطع  أن تثنيه عن رغبته الجامحة في الرحيل، و مع رفضه البقاء معها قدمت له كاليبسو ما صنع منه مركبة جديدة، و من علوم أبيها أطلس دلته على النجمة التي عليه الاهتداء بها في البحر ليعود إلى وطنه.
فرغم اشتراكنا مع هذا الغرب في تبني نفس القيم الإنسانية فليس هذا ما قد يجمعنا به و يبقيه معنا  في علاقة زواج أو تآلف مبني على المساواة و الأخوة الإنسانية (كاليبسو= أوليس) فلن يثنيه هذا عن العودة إلى وطنه، إلى أناه المنتفخ، إلى مركزيته التي لا تخفي تبجحها، فعبر التاريخ إنما تأتي به إلى أرضنا مصلحته لدرجة لا يستطيع عنها فراقا، كلما أخرجناه من باب أو نافدة عاد مرة أخرى، تماما كما غادر أوليس و بقي جنوده يلتهمون الفاكهة الطرابلسية، عسكريا إبان كل احتلال مباشر، أو سياسيا و اقتصاديا في حال الأنظمة التبعية التي يخلفها وراءه.

من كل هذا التوازي الرمزي بين مضامين أوديسا هوميروس و أوديسا حلف الناتو تناسلت في فهمي إيحاءات و دلالات الاسم الذي أطلقه الغرب على عمليته العسكرية ضد النظام الليبي، و لا يحسبن أحد أن كل هذه الدلالات كانت واردة في دهن من أطلق التسمية، إلا أن الأكيد أن من أطلقها كان يشير إلى ذاته الغربية عبر الإشارة إلى واحد من أهم أسسها الأسطورية، بما يجعل غربي اليوم يتماهى مع أجداد أسطوريين، يخال نفسه ينسج عملا بطوليا على منوالهم، بل و على أرض لها ما لها من عمق العلاقة مع أجداده أولئك و مع أساطيرهم و ألهتهم، و من تفاصيل هذه العلاقة بالذات يتكون إطار عام يضم كل المتوازيات الرمزية التي أتينا على ذكرها و يعطي لإيحاءاتها مزيدا من القوة و الوضوح، و هذا الإطار هو ليبيا الضفة الجنوبية لحوض الأبيض المتوسط و ما لها من موقع هام في ميثولوجيا الضفة الشمالية بشكل عام.
 إن ليبيا عند الغرب القديم (الإغريق و الرومان) ليست فقط هي هذه القطعة من الأرض المعروفة اليوم بحدودها السياسية، و التي عاثت فسادا فيها الشوفينية القومجية العربية لنظام القدافي، إنما هي كل الشمال الإفريقي الممتد من غرب وادي النيل إلى جبال أطلس و بحره المحيط حيث مغرب الشمس، و لهذه الأرض حضور جليل، عجيب و غامض في الأساطير الإغريقية و الرومانية، يستحق أن تستجليه دراسات وافية و متخصصة، فعلى هذه الأرض ولدت إلهة الحكمة أثينا Athéna متوشحة بلباس الليبيات قبل أن تكون يونانية، و إلى هذه الأرض تشير مؤسسة الديمقراطية اليونانية: أكورا Agora لتعانق لفظا و دلالة مؤسسة أكراو Agraw من داخل إزرف أمازيغ (القانون الأمازيغي)  و من بحيرة في تونس  Lac des  tritons انطلق بوصيدون Poséidon  ليحكم بحار العالم، و على غايا Gaïa، أرضنا هذه ، تصارع هرقل Héraclès  و أنتي  Antée أمام أعين زوجته تينجيسTingis  (مدينة طنجة)، و عليها كذلك تعلم هرقل من أطلسAtlas  قوانين الفلك الأولى حين جاء طالبا للفاكهة الذهبية في حدائق الحوريات الأطلسيات Nymphes، هسبريد  Les Hespérides، عند قدم جبالنا الأطلسية...
مند القدم توالت على أرضنا موجات من الغرب و الشرق تنافست فيما بينها كي لا تكون أرضنا هذه ما هي بثقافتها و لغتها الأمازيغية، و كانت كل موجة لاحقة تنفي و تمحو السابقة، إلى عصرنا هذا الذي تحالف فيه الاثنان و دعم فيه بعضهما البعض، بما يحفظ مصالح كل واحد منهما، فالغرب الذي مكن للقومية العربية النازية في شمال إفريقيا و أسس لها جامعة دول عربية كدس فيها ما صنعت يداه من كيانات سياسية، هو الذي يمكن لها إلى الآن عبر دعم ديكتاتوريات الأنظمة العروبية القائمة بها، و عبر تكريسه - و هو العالم باحثوه بالحقيقة الثقافية للمنطقة -  إعلاميا و سياسيا ... لمغالطة انتماء هذه الأرض، شمال إفريقيا، إلى عالم وهمي خداع، شوفيني استعماري اسمه العالم العربي  تغيب وراء أوهامه و أحلامه أمازيغية هذه الأرض، فالغرب بهذا يجد طوع يديه أنظمة منفصلة عن الأرض التي تقوم عليها مستعدة لتقديم كل التنازلات للبقاء على الكراسي، في تطبيق حرفي لمعنى الديمقراطية حسب تفسير العالم اللغوي الكبير القدافي: أديموالكراسي، و الشرق في المقابل يجد شعوبا بأكملها يركبها و يسرق إنتاجاتها ليضيفها بوقاحة لنفسه، له هو أن التفرغ لإشباع نزواته و لغيره من الشعوب المسلمة و غير المسلمة الكد في بناء المسماة تدليسا حضارة عربية.   
إن أرضنا حينما تجلي وجهها الأمازيغي يمكنها أن تقوض حتى الأسس الأسطورية للمركزية الغربية، فما بالك بغيرها، و هنا يظهر عمق المشروع التحرري للحركة الأمازيغية، أما إذا غيبت الأمازيغية وراء تشادور العروبة و القومجية فلا صداميات و بشَّاريات  البعث أو بالأحرى العبث العربي تستطيع ذلك، و لا قدافيات تأبط شرا لها ذلك.
هذا ربما ما فهمه الغرب قبل أن نفهمه نحن، فخلف من بعده في كل الشمال الإفريقي أنظمة قومجية عربية أو ديكتاتوريات إفريقية ترعى مصالحه، و لم يخلف هنا من بين كل الدول التي أنشأ بعضها إنشاء و لا دولة أمازيغية واحدة بما يوضح لمن له رأي أخر المضمون الحقيقي لما كان يطلق عليه سياسة بربرية للمستعمر.
فهل قدرنا نحن أبناء بوصيدون أن نظل غاضبين على هذا الغرب و أعوانه القومجين كما ظل بوصيدون غاضبا على أوليس في الأوديسا؟؟ سؤال يحلو لعيني المتوهمة أن ترى إجابته في شكل إشارات خافتة و متفرقة تلوح بوجهها من بين ثنايا الأحداث، فهل شارتنا و تحيتنا الأمازيغية ثلاثية الأصابع و الدلالات، و كذلك حرف أزا الأحمر على علم شمال إفريقيا ثلاثي الألوان، كلها صور عن رمح بوصيدون الأسطوري ثلاثي الرؤوس، الذي كان يصرف به غضبه، محركا البحار و مفجرا الينابيع؟؟ هل روحه الغاضبة و القابعة في هذه الأرض قبل أن تكون قابعة فينا هي من فجر ينبوع ثورة اختارت لها من الأزمنة رأس السنة الأمازيغية، 14 يناير، ليكتسح  موجها الجوار القريب و البعيد؟؟ أم أنه هي من اختارت لها كذلك من الأمكنة سيدي بوزيد كمكان للانطلاق، لتدعم بدليل غريب لا كالأدلة قول من قال بعلاقة امتداد بين بوصيدون و سيدي بوزيد أي أن ضريح هذا الأخير ما هو إلا أسلمة شكلية لمعبد الأول .......؟؟
تأخذني هذه الإشارات و الدلالات الرمزية لأتبعها فكرة فكرة، و زنكة زنكة، إلى آخر قطرة من مداد قلمي، لأنه معي منها الملايين، ؤ موش من داخل هذه الأسطورة فقط، معايا الملايين من الأساطير الأخرى، لكن دقت ساعة النشر، دقت ساعة التعقل، لا رجوع، إلى الأمام،  فليميز كل واحد منكم، فردا فردا، حدود ما هو عقلي موضوعي فيها، و ما هو خيالي ذاتي، أوردته متداخلا بعضه في بعض ليكون وخزا خفيفا بإبر أسطورية للذات في شمال إفريقيا لعلها تعي نفسها و تعيد تموقعها في السياق الحضاري للإنسانية  بشكل سليم.
تبدو الرحلة طويلة كما كانت رحلة أوليس في الأوديسا، و الغرب حينما أضاف الفجر إلى أوديساه فإنه يعدنا بما أبقاه في جعبته من باقي أجزاء اليوم، فها هم هؤلاء لهم اليوم من الأوديسا فجرها، فعلينا نحن للأمازيغية أن تكون لها واضحة النهار، نفضح فيها النفاق المصلحي للغرب - إلى أن يرضّي الغرب بوصيدون كما رضّاه أوليس في نهاية المطاف - ، و نشلح عن إيديولوجيا القومية العربية ما تبقى من أسمال "و كل ثوب إذا ما رث ينخلع".

حمَّاد ؤهريش (محمد أهريشي).
أزرو، في 06 مايو 2961
             19 مايو 2011

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا