بعد التعديلات الدستورية لطارق البشري: مبروك على مصر الدولة الدينية التى سنسقطها بكل الطرق
إحباط الثورة المصرية قد يدفع مصر على طريق الثورة الفرنسية التى إستغرقت عشرون عاما من العنف الثوري
سأذهب لأقول لا لتعديلات طارق البشري الدستورية |
لأن عقارب الساعة في مصر تميل حاليا نحو الرجوع للوراء ولأن الخط الفاصل بين التغيير والتعديل أصبح يحتمل اللبس فإن الثورة التى دفعنا ثمنها دماءا وشهداءا وأكثر من 6000 مصاب وعدد لا نحصيه من المختفين أصبحت في مهب الريح
لو كنا نملك ذاكرة كباقي الشعوب لتذكرنا أننا كنا نهتف وسط غازاتهم المسيلة للدموع ورصاصهم المطاطي : الشعب يريد إسقاط النظام
إن لم تخنى الذاكرة فنحن لم نكن نهتف لتعديل مواد الدستور ولم نكن نهتف من أجل الإفراج عن عبود الزمر أو من أجل مساحة إعلامية أكبر للسلفي محمد حسان كما لم نكن نهتف طلبا للدولة الدينية التى يبشروننا بها حاليا
الجيش الذي تسلم قيادة الدولة من رئيسها المخلوع قرر العودة لثكناته بعد ستة أشهر لا أكثر واعدا بتعديل الدستور وليس إسقاطه ومن أجل هذا الهدف فقد عهد للجنة قانونية بتعديل الدستور
بالطبع لم يكن هدف الثورة هو تعديل بعض النصوص والمواد الى رضخ مبارك تحت وطأة مظاهرات التحرير وقبل بتعديلها لكن من تولى شؤون البلاد وجد أن ذلك كافيا لتلك المرحلة وربما كان له ما يبرر موقفه وهو يحاول العودة لثكناته دون أن يدخل في متاهات الخلاف الكبير حول مادة متخلفة تحمل الرقم 2 في دستور يكرس لدولة على غرار دول الكنيسة قبل الإصلاح في أوروبا العصور الوسطى
أما أكثر ما كان مثيرا للحيرة فهو الرجل الذي كلفه الجيش برئاسة اللجنة الموكل إليها تعديل الدستور وهو المستشار طارق البشري
طارق البشري الذي يمكن أن ندعوه بالمستشار الأخضر المحسوب على جناح الإخوان المسلمين تاريخه يشهد عليه بأكثر مما يشهد له كما سنرى فالرجل هو صاحب صاحب فتوى مجلس الدولة الخاصة بمنح مؤسسة «الأزهر» حق الرقابة على المصنفات السمعية والبصرية عام 1992 والتى منح من خلالها لمؤسسة دينية هي الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية حق الضبطية القضائية لأي كتاب أو مصنفات أخرى
الرجل وإنحيازا لفكره المؤيد لفكرة (الرقابة والوصاية على الشعب) إشترك في تعديل المواد الرقابية ليكرس واقعا يطلق يد المؤسسة العسكرية في ممارسة الرقابة على أي عمل أو مصنف فنى يتناول أي ظهور للمؤسسة العسكرية في الأعمال الفنية أو الإبداعية وظهر ذلك جليا خلال أزمة الرقابة مع رائعة عاطف الطيب وفيلمه (البرئ)
طارق البشري أيضا له مواقفه المعلنة من المسيحيين من خلال ثلاثة كتب تحمل توقيعه كان آخرها هو كتاب (الدولة والكنيسة) الذي أخذ من حقوق المسيحيين بأكثر مما أعطي طالبا من المسيحيين أن يخرجوا من تحت سيطرة الكنيسة في الشأن العام بينما طالب المسلمين بأن يخضعوا للإسلاميين لينادوا بالدولة الدينية مؤكدا مرة بعد أخرى رفضه الواضح لفكرة الدولة المدنية التى يصفها بعبارات كثيرة معتبرا خلالها أن (العلمانية) شئ يشبه الكفر على حد فهمه
ولأن الإنسان إبن تاريخه ليست مجرد مقولة فإن طارق البشري رجل تصدق فيه تماما هذه المقولة فطارق البشري المولود في القاهرة عام 1933 (والذي وهو عمره الآن يقترب من الثمانين طلب إليه أن يؤسس لثورة جيل متوسط أعماره لا يتجاوز الثلاثين) كان جده سليم البشري شيخا للجامع الأزهر بينما كان والده قاضيا ومع تنازع الفكر داخله مال بعض الشئ إلى الفكر الأوروبي لكن تلك المرحلة الفكرية لم تستغرق من حياته سوى عشر سنوات على حد قوله: (وقد صاحبتني هذه الفترة في حياتي لمدة عشر سنوات من عام 1960 حتى 1970 وكنتُ علمانياً قحاً في الفكر السياسي)
طارق البشري مثله مثل كثير من أبناء جيل النكسة الذي ينتمي له مثلت له نكسة 1967 نقطة فاصلة ولحظة إنقلابية يصفها بنفسه قائلا:( العلمانية حينما تقول لي استقلّ سياسياً واقتصادياً، تفقدني الهوية التي بها استقل، وتفقدني إرادة الاستقلال، ومن هنا بدأت استعادتي لهويتي، وبدا لي الفكر العلماني في مأزق، لأنه يؤدي إلى تجريد الإنسان من هويته المرتبطة بعقيدته وحضارته)
هنا بدأ طارق البشري يميل أكثر فأكثر إلى الفكر اليمينى وإلى فكر الجماعة الدينية ذات اليد الطولى وقتها وحتى الأن وهي الإخوان المسلمين
بهذه العقلية رأس طارق البشري لجنة تعديل الدستور التى ضمت ربما بناء على رأي منه أحد صقور الإخوان المسلمين زميله (صبحي صالح) سليل العائلة الإخوانية ليقوم الإثنان مع عضوان آخران ينتميان لنظام مبارك المخلوع بتعديل الست مواد الدستورية التى قبل مبارك نفسه بتعديلها تحت وطأة ثوار التحرير
المفارقة أننا أمام رجل ينتمى بالفكر والفعل إلى قوى الثورة المضادة يرأس لجنة تؤسس لتعديلات دستورية من المفترض أنها لحماية الثورة الوليدة
وفقا لكل ذلك لم يكن غريبا أن يعلن الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية عن دعمهم للتعديلات الدستورية وعندما يؤكد الدكتور محمد مرسي اليوم في مؤتمر صحفي بمقر الأمانة العامة للكتلة البرلمانية السابقة للإخوان موافقة الجماعة على هذه التعديلات بإعتبارها خطوة على الطريق الصحيح فإن دكتور محمد المرسي لم يكن يفعل سوى مجرد التوقيع بالموافقة على رسالة طارق البشري التى وجهها للإخوان بأن الأمر قد أصبح بين يديهم الأن ولا يمكننا أن نفهم الأمر بصورة أخرى غير تلك الصورة
أما الحزب الوطنى الذي إختفي تحت الأرض طوال الفترة السابقة فقد بدأ يظهر من جديد سواء على صفحات الجرائد أو الفضائيات عبر أحد رجاله محمد رجب الذي تحدث كثيرا ولم يقل شيئا لننتهى في النهاية إلى ما أكده أمينه العام الدكتور محمد رجب فى تصريح صحفى حول أهمية خروج أعضاء الحزب وأبناء الشعب المصرى لتأييد التعديلات الدستورية لما تتضمنه من تيسيرات جديدة على حد وصفه ثم يكمل قائلا بأنه أصدر توجيهاته لقيادات وأعضاء الحزب فى المحافظات بضرورة المشاركة فى الإستفتاء وتأييد التعديلات الدستورية لما تحققه من الشرعية الدستورية والإنتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الوطنى
نحن الآن أمام كل مصر في خندق الرفض لتعديلات لجنة البشري وفصيلين من مصر يوافقان على التعديلات الدستورية وبدأوا بالفعل في الشحن والحشد لتمريرها على طريقتهم التى نعرفها جيدا عندما يتعلق الأمر بالحشد للإنتخابات وسط معضلة نعرفها جميعا وهي أن القوي التى قامت بالثورة يوم 25 يناير ودفعت ثمن الثورة لم تكن مستعدة بعد للعمل السياسي الإنتخابي الذي يتطلب متطلبات تختلف جذريا مع متطلبات العمل الثوري لنصبح أمام كارثة قادمة فأي ثورة على أي نظام تنتهى بوصول القوى الثورية للحكم لكن في هذه الحالة ووفقا لتخريجات البشري وإنتهازية الإخوان والحزب الوطنى سنكون أمام حالة غير مسبوقة : الثوار دفعوا الثمن ليسلموا ثورتهم لأكثر فصيليين يقفان ويناهضان مبادئ ثورتهم
هل للأمر تبعات في حالة نجح الإخوان والحزب الوطنى والجماعة الإسلامية والسلفيين في تمرير التعديلات الدستورية؟ نعم وأول هذه التبعات هو أن مجلس الشعب القادم سيجئ ممثلا لهذه التيارات ومجلس الشعب هذا هو الذي سيمكن مرشحا من الوصول لسدة الرئاسة ومرشح الرئاسة هذا هو من سيقوم بالدعوة لوضع دستور جديد للدولة وبالتالي ووفقا لشكل مجلس الشعب المتوقع فإننا نتوقع دستورا يكرس ما هو أكثر من المادة الثانية للدستور ويكرس لدولة دينية نرى طوائفها بوضوح في المشهد السياسي
من جانب آخر فإن من قاموا بالثورة وآخرين سينضمون إليهم لابد سيرفضون أن تسرق ثورتهم منهم ولو وفقا لحق الدم الذي دفعوه فيها كما أن كثيرا من شعبنا لا يريد أن يستبد حكم الحزب الواحد بحكم نفس الحزب تحت قناع جديد بمشاركة قوى ثيوقراطية تتحدث عن الديمقراطية بينما تخفي في جلبابها حجابا وسيفا
رد الفعل الطبيعي والمتوقع يمكن إيجازه في فكرة محددة: الثورة لم تنتهى بعد وكل ما حدث أن الفصل الأول منها قد إنتهى بمكاسب ثم جرى وأد هذه المكاسب تحت ضغط الثورة المضادة التى قام بها رجال الحزب الوطنى عبر موقعة الجمل وما شابهها في البداية وساعدهم فيها رجال وزارة الداخلية لكثير من الوقت ومنحهم طارق البشري ما كانوا يحتاجون في الربع ساعة الأخير من المعركة
وفقا لهذا فإن معركة الثوار الأولى قد ربحوها ثم تحت ضغط قوى الثورة المضادة فقدوا الأرض التي كسبوها في المعركة الثانية وبقى أن الثوار كعادة ودستور الثورة في كل مكان لا يسلمون ثورتهم بسهولة لكنهم يصرون على مكاسبهم التى حققوها بدمائهم وهم مستعدون لبذل مزيدا من الدماء من أجل الحفاظ عليها وإستردادها من لصوص الثورة
تماما كما حدث في الثورة الفرنسية التى دامت فصولها عشرون عاما سنشهد ما يمكن وصفه تأدبا ب(أحداث عنف) وما يمكن أن يرقى من حالة إحتقان إلى حالة ثورة قد لا تكون كما ردد الثوار من قبل : سلمية سلمية
والثوار عندما يحاولون إستعادة الأرض التى سرقت منهم فإنهم يفعلون ذلك دون النظر إلى عواقب ولا تحذيرات ولا محاذير كما فعلوا من قبل
شخصيا سأذهب لأقول لا لتعديلات طارق البشري الدستورية وإن كنت أعلم أن خبراء الإنتخابات والإستفتاءات يستطيعون أن يحشدوا ما يضمن لهم النجاح خاصة في ظل حالة أمنية متردية لجهاز أمن لم يحاول وهو في أقوى حالاته أن يمنع تزويرا أو بلطجة إنتخابية لكننى سأذهب لأمارس أخر فصول الثورة تحت شعار : سلمية سلمية وأنا أتمنى أن تظل الأمور حتى النهاية وحتى يتمكن الثوار الحقيقيون من حكم البلاد دون ان تخرج الأمور عن نفس الشعار : سلمية سلمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق