مرفوع من الخدمة يكشف : خطة باب جهنم لإجهاض ثورة 25 يناير
أدوار تلعبها السعودية والسلفيين وأمن الدولة والموساد واليمين المسيحي لضرب الثورة المصرية
بداية لابد أن نعترف أن كل ثورة حدثت في العالم قابلتها ثورة مضادة في نفس اللحظة التى تبدأ فيها عناصر النظام الإدراك أن ما تواجهه هو ثورة وليست مجموعة من الإضطرابات أو المظاهرات وبقدر ما تكون الثورة وقياداتها على علم وإدراك بمخططات الثورة المضادة بقدر ما تكون قدرة الثورة على الوصول إلى نقطة اللاعودة نحو القضاء على النظام القائم وتولي الحكم
الإشكالية الحقيقية في ثورة 25 المصرية أن الثورة لا قيادة حقيقية لها لكنها يمكن وصفها بأن القيادة فيها تركزت حول كونها (مطالب ) ولكون الثورة لا تقودها عناصر بشرية يمكن التفاوض معها لكنها يقودها عقلها الجمعي المتمثل في مجموعة من المطالب أصبح الوضع على صعيد الثورة المضادة في غاية الحساسية والإلتباس
في البداية بدأ النظام التعامل مع الثورة وفقا لسيناريوهات وطرق تعامل تصلح تماما للتعامل مع الثورات التى يقودها ثوار لهم قيادة فبدأت عمليات المواجهة الأمنية ثم وصولا في النهاية إلى عملية المواجهة على الأرض دون رادع وهو ما تمثل في موقعة الجمل الشهيرة وكانت المفاجأة الكبرى للنظام أن الثوار المعتصمين بالتحرير وقت بداية المعركة والذين لم يكونوا يزيدون عن 5000 متظاهر حصلوا على دعم شعبي كبير ومدد لوجستى تمثل في مدد بشرى لا ينقطع من جماهير الشعب المصري بكافة طوائفه وشاهدنا تنظيم محكم لعمليات العلاج والمواجهة المسلحة على أرض التحرير وهنا أسقط في يد النظام فالنظام أصبح لا يواجه ثورة لها قادة يمكن إغتيالهم أو مساومتهم أو ترهيبهم ، وبعبارة أخرى ليس هناك قائد حقيقي على أرض المعركة يمكن له أن يأمر الثوار بالإنسحاب أو قبول شروط تفاوض أو مكاسب محددة لأن الثورة يقودها في النهاية عقل جمعي وضع مجموعة من المطالب
العقل الجمعي رغم أن له عيوبه الكثيرة إلا أنه في النهاية له ميزة كبرى وهو أن ما يمكن أن يمر على أحد الثوار بإعتباره مكسبا ومغنما سيتم بحثه وبحث تفاصيله من مجموعات أخرى من الثوار ووفقا لهذا فإن خطابات مبارك التى حاولت شق صف الثوار لم تجد لها صدى سوى مزيدا من الإصرار مهما كانت العواقب على رحيل النظام
على الجانب الآخر كانت هناك فكر مطروحة بقوة وهي رحيل الرئيس مبارك وتقديم ذلك بإعتباره مكسبا رئيسيا للثوار ثم يعود النظام لسابق عهده سواء عبر عمر سليمان أو غيره لكن يبدو أن العقل الجمعي للثورة لم يسقط في هذا الفخ أيضا وأصر على رحيل النظام بالكامل
ما يهمنا أن نقوله في هذا الصدد أن العناصر التى أخذت بمبدأ رحيل مبارك لإنهاء الثورة وإجهاضها تمثلت في قوى رئيسية هي:
جهاز الأمن والممثل هنا وفقا للصورة المبسطة بأمن الدولة
كارتل مصر وهو مجموعة من رجال الأعمال والإعلام وبعض قيادات الحزب الوطنى ترتبط مصالحهم عضويا ببقاء شكل النظام الحالي وهؤلاء يمكن أن يقبلوا برحيل الرئيس وتغيير شكل النظام من خلال عملية تجميل بسيطة تغير الشكل لكنها تبقى على الجوهر وقد دفعوا في إتجاه ذلك بالفعل سواء عبر دكتور حسام بدراوي الذي أعلن نبأ تنحي الرئيس قبل تنحيه فعليا محاولا الضغط في هذا الإتجاه
أطراف خارجية
كان أبرزها وأشدها قلقا هو المملكة العربية السعودية ( وهو نظام يملك علاقات متشعبة مع جهاز أمن الدولة المصري عبر منافع متبادلة منها قيام أمن الدولة المصري بتسجيلات جنسية لمعارضين سعوديين وحتى أفراد من العائلة المالكة السعودية وكان يقدمها لنظام الحكم السعودي الذي كان يرتاح لكونه ممسكا بما يدين أي شخص داخل نظاق العائلة في السعودية ، ومن جهة أخرى كان أمن الدولة على مستوى الأفراد والقيادات يحصل على مكاسب مالية أما على مستوى عمله كجهاز فكان يحصل على مكاسب تتمثل في قدرة السعودية على توجيه فصيل كامل من فصائل الإسلام السياسي في مصر بما يخدم النظام حتى وإن بدا للوهلة الأولى غير ذلك وهو فصيل الإسلام السلفي بكل تفرعاته)
لا ننسى أيضا أن تفجر الثورة في مصر واكبه وتزامن معه تفجر الثورة في منطقة حمراء بالنسبة للسعودية وهي اليمن التى لو نجح أي نظام ثوري فيها في الوصول للحكم لوضع السعودية بالكامل أمام موقف في غاية الصعوبة من حيث وقوعها جغرافيا بين أنظمة ثورية قريبة من أبار نفط المنطقة الشرقية التى هي بطبيعتها ميالة للثورة على نظام الحكم السعودي والواقع أن السعودية نظرت إلى ثورة مصر في هذه اللحظة نفس النظرة التى نظرتها إلى الثورة المصرية عام 1952 بأنها ستصبح مفجرة مصدرة للثورات إلى باقي المنطقة لكن ما جعلها أكثر قلقا أن ثورة 1952 كان يمكن التفاوض معها أو ضربها عبر زعيمها جمال عبد الناصر أما ثورة 25 يناير فكانت هاجسا مرعبا من حيث كونها ثورة شعوب لا جيوش
طرف آخر شاهد الأمر من بداياته وهو ليبيا القذافي التى أدرك زعيمها منذ اللحظة الأولي أن الحصار الثوري حوله لن يحتمله نظامه الهش لكنه في هذه اللحظة لم يكن يملك أي نفوذ فعلي داخل مصر التى تشاغل عنها كثيرا بإفريقيا السوداء فبقى فقط مجرد متحدث إعلامي يحاول الخروج من الأمر بذكر مساوئ الثورات لكنه كثف خلال تلك المرحلة من إستقدام المرتزقة وتدريبهم وتسليحهم بمساعدة إسرائيلية مكشوفة وراغبة في المساعدة لأقصى مدى
الخريطة التى اقترحها تيودور هرتزل لإسرائيل بعد التأسيس |
طرف آخر حاول المساعدة ومازال إسرائيل فإسرائيل التى نجحت خلال ثلاثين عاما كاملة في الإستعاضة بمبارك عن خطط الأمن الإستراتيجي في جبهتها مع مصر كانت غير مستعدة لفقدان نظام مبارك (حتى لو تغير مبارك بغيره ) لأنه ببساطة ضمن لها موردا رخيصا من الغاز وضمن لها أمن حدودها ومارس ضغطا متصلا على الفلسطينيين إضافة وهو الأهم أنه كان قادرا بصورة أو بأخرى على تقديم معلومات إستخباراتية سواء عن الفلسطينيين في الداخل أو الخارج وهو كان يحصل على تلك المعلومات عبر قنوات جهازه الأثير (أمن الدولة ) التى مارست نوعا من العمل الخارجي لم تكن مؤسسة للقيام به لكنها مارسته تعديا على دور المخابرات العامة لكن أمن الدولة هنا مارسته عبر تجنيد طلبة فلسطينيين على أرض مصر وعبر إمكانيات حصلت عليها من دول الخليج جعلتها قادرة على توفير فرص عمل بتلك الدول ومقار إقامة بل وفتحت خطوط إتصالات بباقي أجهزة الأمن الخارجي لدول الخليج لذلك هناك من يتحدث عن دور لأمن الدولة ومعلوماتها السرية في قضية إغتيال المبحوح التى تمت في دبي
إسرائيل وفي سبيل الحفاظ على بقاء مبارك ضغطت على الولايات المتحدة بشدة لدعم نظامه ثم حولت طائراتها العسكرية لتشحن له مزيدا من قنابل الغاز المسيل للدموع والتى كان الإحتياطي الإستراتيجي لقوات الأمن المصرية قد تآكل وقتها ثم بعد ذلك قرأت رسالة تفجير أنبوب الغاز الذي يمدها بالغاز الطبيعى وأيضا رسالة مرور السفينتين العسكريتين الإيرانيتين بالتزامن مع فتح متزايد للمعابر على أن الثورة ستضع إسرائيل في وضعها الطبيعى كدولة صغيرة على حدود مصر مع تهديد متزايد ناجم عن تناغم ثوار مصر مع محيط إقليمى يقبل بهم بل ويلح على قبولهم سواء في فلسطين أو الأردن التى تحاول نهج منهج الثورة المصرية وهنا كان لابد لإسرائيل من التحرك السريع
أطراف هامشية لكنها مؤثرة وهي في الواقع كثيرة للغاية
مرجعيات السلف المصريين |
المجموعات السلفية قليلة العدد لكن المنظمة للغاية والتى تبحث عن دور لها في ظل غياب كامل عن الساحة ورفض مجتمعى لها في ظل توجه أكثر إنفتاحا لجماعة الإخوان المسلمين التى تمارس حاليا دورا سياسيا واعيا يبدو أنه تعلم كثيرا من أخطاءه القديمة فأصبحت الوجوه الإخوانية مقبولة من شباب التحرير مع محاولات حثيثة يبذلها الإخوان لطمأنة المصريين بأنهم لن يحولوا الدولة المصرية الوليدة إلى دولة دينية
السلفيين غير مستندين إلى قاعدة شعبية كبيرة أو ذات قبول خاصة أنهم يمثلون إسلاما وهابيا يتناقض كثيرا مع المحتوى الثقافي المصري وهم يستعيضون عن القاعدة الشعبية في مصر بالقاعدة الأمنية ولعل أكثر تجليات المشهد الهزلي هذا هو قيامهم بحماية مقار أمن الدولة وضباطها في مدينة مطروح ثم قيامهم بمهاجمة المتظاهرين في التحرير يوم 8 مارس مع قيامهم قبل ذلك وفور سقوط حكومة شفيق بالإعلان عن أنفسهم بمظاهرات صاخبة طالت حتى مدينة السويس (التى وصفت بأنها مفجر أساسي للثورة وأول مدينة يفقدها النظام لصالح الثورة) وهم يرفعون ما يمكن أن يخيف الأقباط من شعارات مثل الحديث عن إسلامية الدولة والحاكمية لله
وكثير من تصرفاتهم تتفق تماما مع مصلحة جهاز أمن الدولة وأيضا مع توجهات الممول الأساسي لهم وهو المملكة العربية السعودية إلى جانب أن ممارساتهم تشى بتحول في تحركاتهم التى كانت حتى وجود النظام تحركات هادئة لينكشف الغطاء عن ميليشيا أخرى للنظام لكنها هذه المرة تطلق لحاها وتنادي بالحاكمية لله
اليمين المسيحي وأقباط المهجر وهذه الجماعات تحديدا تمارس دورا يستعصى على الفهم فقيادات أقباط المهجر تركت المهجر خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية وجاءت إلى مصر لتمارس شكلا لا يختلف كثيرا عن ما يمارسه السلفيين فبدأ حديثا لا يهدأ عن تغيير المادة الثانية في الدستور وهي المادة التى تتحدث عن أن الدولة مرجعيتها إسلامية وهي مادة غير مفعلة في الواقع ويمكن تجاهلها تماما على الأقل في الوقت الحالي لكن الحديث عنها حاليا يمكن التعامل معه خاصة إذا جاء من قيادات أقباط المهجر بإعتباره محاولة إثارية
أيضا كانت أغرب مطالبهم هي : حرية تغيير الدين ، وبالطبع هم لا يطالبون بذلك من أجل السماح للمسيحيين بتغيير ديانتهم للديانة الإسلامية لكنهم يضعون أمام المجتمع خيار القبول بعمليات تنصير مكشوفة وبكل تأكيد ستجد من ينادي برفع السيف لوقفها ، وبعبارة أخرى هم يقدمون للسلف في مصر فرصة رائعة لضرب الثورة الوليدة تحت شعار الإنتصار للإسلام كما يدقون إسفينا صريحا وواضحا في المجتمع المصري وهم يدركون أن المسيحيين المصريين من غير القادرين على الهجرة هم من سيدفع ثمن هذا الدفع نحو عنف طائفي يجعل كل طرف على المحك لكن البحث كثيرا وراء أهدافهم لن يفيد بشئ ويكفي أن نضع بعد ذلك تصورا شاملا لما تقوم به كل الأطراف
نصل أخيرا بعد هذا العرض السريع إلى خطة باب جهنم لضرب الثورة المصرية والتى قد تصل إلى حد إسقاط الدولة المركزية لصالح دويلات تقوم على الطائفية والإقليمية الجغرافية
خطة باب جهنم
خطة باب جهنم تتميز بعبقرية خالصة تدرك مالم نراه نحن في مصر فنحن نتعامل مع مصر دائما بإعتبارها (مصر) لكن من وضع خطة باب جهنم تعامل مع مصر بإعتبارها (أمصار) والفارق كبير للغاية
مصر التى نتعامل معها هي وحدة جغرافية تمثل أول وأقدم دولة مركزية عرفها العالم مع حديث قديم حول تناغم شعبها بعناصره ومكوناته المختلفة
(الأمصار) التى ينظر لها من وضع خطة جهنم تتعامل مع مصر على أنها:
فسيفساء دينى :
المسيحيين الأرثوذكس: ويصر البابا شنودة دائما على الحديث عنهم بلفظ ( الشعب القبطي) رغم أن قداسة البابا يدرك أن قبطي هي مرداف لكلمة مصري وبالتالي يجب أن نحاذر في الحديث عن (الشعب القبطي) لأنه وفقا لذلك فنحن نخلع صفة المصرية عن باقي الشعب
المسيحيين الكاثوليك: وهم أقل عددا من الأرثوذكس المصريين وهناك شيئا من الخلاف المذهبي غير العنيف بين الإثنين
المسيحيين البروتستانت: وهي طائفة مسيحية أقل عددا من الإثنين وهي أقل فاعلية في العمل العام المسيحي وإن كانت أكثر إنفتاحا على مستوى الأفكار والتناغم مع الغير
المسلمين السنة: وهم السواد الأعظم من الشعب المصري وهؤلاء قد لا يكونون مواظبين على فرائض الدين الإسلامي بدقة لكنهم ينتمون فكريا على الأقل لمحتوى ثقافي إسلامي
المسلمين السنة المنتظمين في جماعة الإخوان المسلمين: وهؤلاء يمارسون الطقوس الدينية بدقة لكنهم إلى جانب ذلك ينتظمون في جماعة دينية لها تواجد سياسي حقيقي وهي أكبر جماعة دينية وسياسية منظمة على أرض مصر
المسلمين وفقا للمذهب السلفي: وهؤلاء يستمدون تعاليمهم من الإسلام الأصفر أو إسلام بن تيمية ومرجعيتهم الأساسية كتابات وأفكار بن عبد الوهاب والشيخ بن باز ويرتبطون مع وهابيين السعودية بعلاقات وثيقة تنظيمية
الشيعة المصرية والبهرة: وهي طائفة قليلة العدد في الظاهر لكن بحكم كونها تتبع مبدأ التقية بإفراط فليس هناك إحصاء دقيق لأعدادهم ولا توجهاتهم
البهائيين: وهو فصيل إسلامي له وجود على الأرض المصرية وربما كان وجودهم الإعلامي أكبر من حجمهم على أرض الواقع
فسيفساء عرقي وجغرافي:
البشارية المصرية |
بشارية ساحل البحر الأحمر وحتى حدود السودان: وهؤلاء مجموعة من قبائل البشارية تمارس في بعض من بطونها عملية الرعي وبعض بطونها تمارس الزراعة وهي تمتد على طول ساحل البحر الأحمر وحتى حدودنا مع السودان وقبائل البشارية تدخل للأراضي السودانية وتخرج بصفة دائمة دون إعتراف بحدود دول ولا تقسيم دولي وهؤلاء يمثلون مشكلة عند الحديث عن مثلث حلايب وشلاتين وقد أهملت الدولة المصرية عملية إستيعابهم في جسد الدولة منذ القدم
النوبة من بعد الشلال الرابع: وهؤلاء مازالوا يحافظون حتى على لغة خاصة بهم وحضارة قديمة وقانون عرفي شديد التحديد ومتبع في مناطقهم وكثيرا ما علت نبراتهم الإنفصالية ثم خمدت وقد عانت قبائل النوبة الأمرين على مدار تاريخ الدولة المصرية من تهميش وتهجير وفقر أماكن إقامتهم
والنوبة ضاربة القدم في مشاكلها مع المصريين من سكان الوادي وقد كان أحد مطالب المصريين عند دخول عمرو بن العاص إلى مصر أن يجنبهم (سكنى النوب بقربهم) وهنا كما تري أصل تاريخي لشئ من الجفاء مارسه الإثنان دون محاولات حقيقية لتفهم مطالب أهل النوبة
قبائل أولاد علي |
قبائل الغرب وأولاد على: وهي قبائل زحفت إلى مصر قادمة من ليبيا ولها إرتباطات وثيقة بالدولة الليبية فجزء من القبيلة يقع في الأراضي الليبية وجزء يقع في الأراضي المصرية على الحدود مع ليبيا ، وهذه القبيلة بالتحديد قد لا تحمل خطرا داهما لمستقبل الدولة المصرية المركزية بحكم كونها لم تتعرض لعسف السلطة في مصر كونها كانت دائما على مناطق الحدود حيث تصبح الغلبة للجيش المصري الذي أحسن التعامل مع القبيلة بشكل لا ينكره أحد على عكس جهاز الشرطة الذي حول قبائل سيناء لقبائل مناوئة
قبائل سيناء: هي ليست قبيلة واحدة لكنها عدة قبائل وهذه القبائل عانت الكثير على يد السلطة المصرية منذ إسترجاع سيناء فجرى تهميشها تماما وإفقارها مع رفض غير مفهوم لأي محاولات لتطوير مناطقها مع حملات أمنية متصلة ضدها جرى فيها قتل وإعتقال الكثيرون من أبناء هذه القبائل لذلك لم يكن هناك شئ من الدهشة عندما طردت هذه القبائل رموز الدولة المصرية من أراضيها وهي قبائل مهيئة لتلقي أي سيناريو يحفظ لها وجودها بكرامة بصرف النظر عن مستقبل الدولة المصرية خاصة أنهم يحملون كراهية تاريخية لجهاز الشرطة المصري ومن ناحية أخرى فإن أي حديث عن أن قوات الجيش هي التى ستتولي حكم تلك المنطقة وإن كان مقبولا جدا من تلك القبائل إلا أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى تحكم عدد الجيش في تلك المنطقة يقف حائلا وتحقيق ذلك
بإختصار هذه هي فسيفساء الوطن الذي نظر له من خطط لخطة (باب جهنم ) وعليه بدأ التحرك وفقا لسيناريو يمكن ذكره في نقاط أساسية :
مرحلة التحرك الأولي: قبل سقوط وزارة شفيق وبعد سقوط مبارك
1/ سحب قوات الأمن بصورة مفاجئة وترك مصر كلها مكشوفة أملا في حدوث مصادمات عنيفة بين الشعب المصري سواء على خلفية مذهبية أو عرقية أو جغرافية
2/كتعزيز لهذا السيناريو جرى الدفع بعناصر الأمن المصري وما تحت أيديهم من الخارجين على القانون لإشاعة جو من الفوضيى والرعب في أرجاء مصر
3/إستغلال (كارتل مصر) من رجال إعلام ومستفيدين لنشر الشائعات وتشويه صورة القائمين على الثورة المصرية ( وقد فشل هذا المخطط لعدم إعتماد الثورة على وجوه معينة)
مرحلة التحرك الثانية: ما بعد سقوط وزارة شفيق وتولي شرف
حتى ما قبل سقوط وزارة أحمد شفيق كانت الثورة المضادة تعمل وفق لمخطط ثابت هو عودة النظام القديم للحكم مع قناع تنكري يمكن إرتداءه لذلك تحركت قوى الثورة المضادة من النظام القديم وفي مخططها أن تحافظ على الدولة قائمة لكي تتمكن من إسترجاع شكل الدولة بسرعة فور توليها الحكم من جديد لكن بعد سقوط وزارة شفيق وظهور أن الثورة ماضية في طريقها دون تراجع أدرك النظام القديم أن عودته لن تتم بسهولة فقرر أن ينفذ مخططا يضمن له خيار من إثنين : إما العودة بشكل أو بآخر وتحت أي لافتة
و إما تفكيك الدولة المصرية جملة وتفصيلا بما يضمن تحقيق مصالح الجميع وهي مصالح تتمثل في:
بالنسبة للعربية السعودية فإن فشل الثورة سيعنى عند تفكك مصر ووقوعها في دائرة الفوضي فإن ثورات أخرى في منطقة الخليج أو تخومها لن تقع وستجهض وفقا لكون مصر في تلك الحالة ستتحول من قدوة إلى عبرة
بالنسبة لإسرائيل فإن سقوط الدولة المركزية وحالة الفوضي هي حالة يمكنها أن تتعامل معها بسهولة أكثر من تعاملها مع نظام جديد يقوم على أساس شعبي الإختيار قد يضع إسرائيل في مواجهة خيارت لا تريدها إسرائيل حاليا ، أيضا فإن سيناريو الفوضي قد يدفع في إتجاه تدخلات أجنبية ولو على مستوى الإحتواء وصنع الأماكن الآمنة خاصة ما كان منها قريبا من قناة السويس
بالنسبة للإتجاه السلفي فإن الدولة المركزية مهما كان شكلها ومهما كان ضعفها لن يسمح له بقيام دولته على النسق الذي يريده لكن الدولة في حالة الفوضى قد تمكنه من صناعة (إمارته الخاصة) على أرض مصر
بالنسبة لليمين المسيحي فإن الدولة في حالة الفوضي قد تساعد على طلب العون من الخارج لتحقيق مناطق محمية آمنة وتحقيق إمارات تشبه الإمارات التى يبحث عنها السلفيين لكنها مسيحية هذه المرة حتى لو كان هذا غير مقبول من مسيحيين مصر
بالنسبة لقبائل البشارية والسودان تحديدا فإن سيناريوهات الفوضي ستعيد حلما جديدا في مثلث حلايب وشلاتين وستكون السودان التى فقدت نصف دولتها بالإنفصال قادرة على تقديم مكاسب يمكن أن يباهي بها النظام الإسلامي في السودان لو تمكن من التعاون مع البشارية وضمهم بمناطقهم لدولته وهو أمر لن يلاقي رفضا دوليا في حالة ضمان إمدادات نفط رخيصة من مثلث حلايب شلاتين إضافة للتخلص من مطالب مصر في حصة المياه
بالنسبة للنظام القديم فإن حالة الفوضي المصرية وحالة التفكك تضمن له العديد من المكاسب:
من ناحية فهو يستطيع الخروج من مصر سواء كأفراد أو جماعات دون حساب يذكر مع مكاسبه التي حققها كاملة مع إمكانية القدرة على تهريب حتى من تم سجنه والتحفظ عليه في السجون المصرية التى أثبتت أنها لا تمنع أحدا من الفرار
ومن ناحية أخرى فإنه سيكون قادرا على الإقامة في أي مكان آخر دون خوف من ملاحقة دولية في حالة وجود دولة مركزية قوية في مصر
أيضا فإن حالة الفوضي قد تتيح له عودة بشكل أو بآخر للحكم بعد مقارنات سريعة مع تواجد الدولة المركزية وإختفاءها بعد سقوط النظام
وفقا لشكل المكاسب التى يمكن أن تحققها حالة الفوضي وسقوط الدولة المركزية بدأت خطوات العمل كالأتي في مرحلة التحرك الثانية ( ما بعد سقوط وزارة شفيق وتولي وزارة شرف)
1/إحراق مقرات أمن الدولة المصرية وهو أكبر وأقوى جهاز أمن في مصر لتحقيق هدفين أولهما هو محاولة إخفاء مستندات إدانة والثاني هو تشتيت تفكير الثوار والدولة بعيدا عن التحرك الثاني القادم فتستنفر قوى الجيش لحماية مقار أمن الدولة في كل المحافظات بينما يجري الإعداد لأعمال أخرى في أماكن متفرقة جغرافيا من مصر
2/دفع مجموعات ذات طبيعة سلفية تحت قيادة عناصر أمنية لإختلاق مشاكل طائفية سواء ما تمثل منها في حرق كنيسة أطفيح أو ما ينتظر فيما بعد ذلك وهو ما يستتبع جهدا أكبر من قوات الجيش وأيضا فإنه يدفع نحو إثارة نعرات طائفية تقدم للإعلام العالمي صورة لا يمكن أن يوافق عليها أو يدعمها للثورة المصرية وبالتالي تتوقف حالات الدعم الأدبي والمادي للدولة المصرية القادمة
3/إرتفاع نبرة المطالبات المسيحية على خلفية الضربات الطائفية التى يتعرضون لها مما يستتبع إستعداء باقي المجتمع المصري ضد مسيحيين مصر مما قد يدخل أغلبية صامتة في دائرة العنف والعنف المضاد
4/نقل المصادمات الطائفية وحتى بين المعتدلين المسلمين والسلف إلى داخل المدن وعلى حدودها لتشمل مناطق جغرافية مترامية مما يستدعي جهدا أكبر من قوات الجيش
5/إستمرار غياب القوة الضاربة من رجال الشرطة تحت تبريرات عدة ( الغضب من الجماهير التى أهانتهم وفقا لقولهم ، عدم الجاهزية، الإضراب لتحقيق مطالب معينة أو غيرها من الأسباب التى ستقدمها قوات الشرطة لتأجيل نزولها حتى تمام المخطط) وهو ما يؤدي إلى تحقيق أهداف المخطط المضاد للثورة لأسباب واضحة فقوات الجيش وفقا لعقيدتها القتالية وتجهيزاتها وتدريبها غير معدة للقيام بدور الشرطة فقوات الجيش معدة لممارسة الضبط في محيط معادي وعبر السلاح القاتل وهو ما لن تستطيع إستخدامه في عملية الضبط الشرطي في مصر
6/الوقيعة بين الجيش الشعب عبر عدة طرق فإما الضغط على الجيش بالمصادمات الطائفية والمصادمات التى تقودها عناصر الشرطة حتى تضطر قوات الجيش لممارسة العنف المضاد ضد هذه الإنفلاتات ويجري بعد ذلك تصوير الجيش كما لو كان يمارس عمليات عنف ضد المدنيين أو عبر قيام عناصر الشرطة وميليشياتها بمهاجمة قوات الجيش مما يستتبع قيام الجيش بالرد وفقا لمبدأ الدفاع عن النفس علي الأقل
7/الضغط المستمر في إتجاه إشاعة الفوضي عبر الإعتصامات الفئوية والمظاهرات لشل الإقتصاد تماما مع تنامي تحركات عنيفة في أرجاء الشارع المصري مما يؤدي لطلب تواجد أكثر كثافة للجيش ( حدث بالفعل أن مدينة اطفيح أصبحت تحميها كتيبة كاملة) وبالتالي الخصم من قوة الجيش تمهيدا لتنفيذ الخطوة الثامنة
8/ هي الخطوة الثامنة من مخطط الثورة المضادة وهو تحريك نعرات إنفصالية سواء في منطقة سيناء أو مناطق الجنوب وهو ضغط سيكون كبيرا جدا على قوات الجيش المنغمسة بالفعل في مشاكل عدة غير مهيئة لها في الداخل بعيدا عن الحدود وقد يؤدي ذلك إلى تحركات سريعة ومرهقة لقوات الجيش مما يكشف الداخل المصري
9/تحقيق شكل من أشكال النجاح لقوى الثورة المضادة مثل عصيان عام في محافظة أو مدينة أو خروج الأوضاع عن السيطرة لسبب أو لآخر في أي منطقة تكون فيها قوات الشرطة مازالت قادرة على التحرك
10/نزول قوات الشرطة ( التى لم تقدم لا إعتذارا ولا إعادة هيكلة لأجهزتها) للسيطرة على تلك المدينة لتضع السواد الأعظم من الشعب امام خيار القبول بعودة الشكل القديم للنظام الذي تمثله هنا قوات الشرطة أو السقوط في الفوضي
11/في حالة إضطرار شرائح من المجتمع للقبول بنزول قوات شرطة النظام القديم على نفس الشكل (خاصة أن تلك المرحلة ستشهد عمليات إغتيال منظم للعديد من رؤوس التيارات السياسية والدينية مما يدفع تجاه مزيدا من العنف والعنف المضاد) فإنها تكون بالتالي قد قبلت ضمنيا بالنظام القديم وهنا تجري الشرطة عمليات ضبط سريع للأمن ( وهي قادرة على ذلك لأن كل ما ستفعله هو جمع عناصرها المهيجة للفتن والتى تقوم بأعمال البلطجة وترويع الأمن ، وهي في النهاية عناصر تأتمر بأمرها في النهاية ) الأمر الذي سيظهر الشرطة ونظامها بإعتباره الوحيد القادر على إستعادة الأمن وشكل الدولة
12/لا مانع أثناء ذلك من تقديم الشرطة لبعض التضحيات الإعلامية يجرى تضخيمها عبر الآلة الإعلامية للنظام السابق التى لا تزال عاملة في أماكنها
13/يجري بعد ذلك تقديم تنازلات شكلية للشعب ليعود النظام القديم للحكم وفقا لشكل ووجوه جديدة مع الإستفادة تماما من الأخطاء التى سبق الوقوع فيها ليجرى ممارسة القمع مرة أخرى لكن وفقا لأساليب أقل ظهورا للعيان
14/لا مانع في هذه الحالة من ممارسة عمليات تدوال سلطة بين مجموعة من السياسيين على طريقة توزيع الأدوار دون أن يعنى ذلك شيئا على أرض الواقع سوى القضاء على فكرة ثورة جديدة في الأفق مع تقديم نموذج يمكن للغرب التعامل معه على أنه نجاح للثورة المصرية في إعتناق فكر ديمقراطي
15/النموذج الجديد سيكون إفرازا للنظام القديم ولكن وفقا لشكل أكثر ذكاءا وأكثر قدرة على الصمود في وجه الدعوات الثورية فمن ناحية هو يمارس تبادلا للسلطة ومن ناحية هو يمارس شكلا من أشكال الديمقراطية لكن من حيث الحقائق فإننا نصبح أمام نظام أحسن القيام بعملية تجميل لوجه قبيح
خطة باب جهنم لإجهاض ثورة 25 يناير هي خطة تجري خطواتها على أرض الواقع بالفعل ويساهم فيها الكثيرون وجلها جهات لها القدرة على العمل المنظم والتمويل غير المحدود في مواجهة ثوار تميزوا بالرومانسية الثورية عوضا عن العنف الثوري
خطة باب جهنم هذه هي إستقراء لواقع الأحداث وقراءة مبكرة له وقد إختير المسمى (باب جهنم) لأننا بالفعل سنصبح فعليا أمام تجربة الدخول في بوابة جهنم التى لا خروج منها على الإطلاق وقد وجدت أنه من المناسب أن أعرض الأمر لعلنا يمكننا تدارك الأمر قبل فوات الأوان دون أن أدعي أننى أحتكر الحقيقة والأمر متروك للحوار ومزيدا من تبادل المعلومات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق