السبت، 26 مارس 2011

ألاعيب نظام يوليو 1952 الذى يحكمنا بإسم ثورة يناير 1925


تامر صلاح الدين يكتب:

ألاعيب نظام يوليو 1952 الذى يحكمنا بإسم ثورة يناير 1925
هل كان 25 يناير إنقلاب فى السلطة بعصا الشعب
التحالف مع الإخوان والتيارت الدينية ليس جديدا على دولة العسكر

فى الإختبار الحقيقى للديموقراطية علينا أن نسمى الأشياء بأسماءها، وعلينا أن ننظر فى عين الحقائق مباشرة ، خان الرئيس السابق عهده العسكرى فباعه ...العسكريون بعد طول صبر تخلله كثير من الرسائل الرافضة لوجود نجله جمال على رأس السلطة المصرية بجوقته من المدنيين الأغراء الذين لم تظهر عليهم بوادر الولاء لقيادات الجيش المصرى الذى يحكم البلاد منذ 1952 وحتى هذه اللحظة . أكتب ذلك ولدى أدلة كثيرة لم يستطع الكثيرون قراءتها ، بل إننى كذبتها بينى وبين ونفسى قبل الثورة وحتى صباح 25 يناير قبل إندلاع الأحداث بساعات قليلة . من هذه الأدلة ما أظن أن قادة الجيش والمخابرات حرصوا على تسريبها للرأى العام المصرى وبالطبع للمراقبين والمحللين السياسيين فى الداخل والخارج .. مثل تلك الصورة التى نشرتها جريدة الفجر منذ حوالى ثمانية عشر شهرا حيث ظهر جمال مبارك يسير إلى الخلف من عمر سليمان الرئيس السابق للمخابرات العامة المصرية وكأنه تابع وليس قائدا ورئيسا منتظرا. صورة أخرى نشرت فى ذات الصحيفة قبل عدة أشهر فى مناسبة إجتماعية بدى خلالها المشير طنطاوى بملابس مدنية يصافح جمال مبارك وقد وضع كفه الأيسر على الكتف الأيمن للشاب فيما بدى لى وكأنه " لمس أكتاف " فى مصارعة سياسية وليست مجرد صورة لرجل كبير فى السن والمركز يصافح نجل رئيس الجمهورية .


على أن الصورة الثالثة والتى نشرت هذه المرة على الفيس بوك كانت لمبارك الصغير وهو يلتهم قطعة من الجاتوه بجوع بدى أنه لن يشبع منه أبدا وكان صفوت الشريف جالسا إلى جواره .دلالة الصور عندى بالغة ، فأولا ووفقا للبروتوكولات الرئاسية – وجيمى بالطبع يمارس حياته من خلالها – تُمنع خروج أية صور للرئيس وابناءه وضيوفه قبل المرور على عدد من الإدارت التى تفحصها وتقرر مناسبتها للنشر من عدمه .ولم يكن أى من مصورى الرئاسة يستطيع – مهما علا شأنه- أن يسرب أى من هذه الصور ذات الدلالة والتى دفعتنى رؤيتها لسؤال عدد من العسكريين المتقاعدين : هل يقبل المشير طنطاوى أن يؤدى التحية العسكرية فى يوم ما لجمال مبارك ؟ وكانت الإجابة القاطعة فى كل الحالات هى "لا"، إذن من سرب هذه الصور ولى غرض ؟ "2"فى مساء 24 يناير هاتفنى صديق سكندرى مقيم فى القاهرة متسائلا هل يعود إلى الإسكندرية ليكون إلى جوار والدته إذا إندلعت المظاهرات ؟ أم أن الأمور ستمر بهدوء كالعادة ؟ وأجبته أن الأفضلية للعودة لأننى أتوقع مظاهرات حاشدة لن تتوقف . وفى صباح 25 يناير هاتفنى صديق آخر يقيم فى المنشية مندهشا من هدوء الوضع ، وأجبته أن الذى حدد الساعة الثانية من بعد الظهر توقيتا للمظاهرة جعلها بمثابة ساعة صفر مشابهة لتوقيت العبور وبالتالى توقعت أن تشتعل الأحداث كلما تقدم المساء وقد كان . إضافة إلى ذلك وفى مساء الجمعة 28 يناير تجرأت على القول أنه "إنقلاب فى السلطة بعصا الشعب " وكانت بالطبع لدى أسبابى المنطقية التى أقنعت عددا لابأس به من الأصدقاء كما جعلت أصدقاءا آخرين يحملون على بالملامة لأننى فى نظرهم كنت أجب حق الثوار ، لكن هؤلاء وأؤلئك سرعان ما أيقنوا أنه بالفعل إنقلاب عسكرى أبيض تخلله صراع على السلطة أزاح خلاله – برغبة مواتية من جموع المصريين – العسكريون حسنى مبارك ونجليه من صدارة المشهد السياسى كما أزاحوا الفريق عمر سليمان لأنه ببساطة قبل وطوال قرابة العقدين أن يلعب دور المحلل فى زواج جمال مبارك وأعوانه بكرسى الرئاسة المصرية فضلا عن أشياء أخرى كثيرة كانت تحدث فى الكواليس مما لم يقبله العسكريون الذين أيقنوا أن 2011 هى خاتمة بقاء مبارك فى السلطة بقوة الطبيعة أو بقوة الأمر الواقع الذى مهد لجمال مبارك تولى السلطة من وراء الستار منذ عام 1997 وحتى تاريخ الإزاحة لذلك وجب عليهم التحرك ولم يكن أفضل من ظرف الإحتجاجات بمناسبة عيد الشرطة حتى يتحقق الأمر . ولدى يقين مدعم بالشواهد أن جهة أخرى وحيدة ومسيطرة بالفعل وبيدها الحل والربط هى التى تحكم مصر وتخطط سياساتها وتعين من طرف خفى كل القادة والمسئولين فى مواقعهم ، لكنى لا أريد الذهاب فى إختبارى هذا للديموقراطية إلى حافة الهاوية أو للهاوية ذاتها ، فالظرف الذى كان مواتيا للبوح لم يعد كذلك لأن الكٌتاب فى هذه الآونة معرضون لكثير من الضرر فإن حكمة سديدة تعلمناها فى حياتنا الصحفية تقرر أن بقاء الإنسان حراسليما أنفع له ولمجتمعه من بقاءه حيا مغيبا خلف الجدران وهى الحكمة التى توفر لى الصبر للإحتفاظ بما لدى من معلومات حتى إشعار آخر وإن رأى فيها البعض جبنا وتخاذلا لكن هذه على الأقل قناعتى، خاصة وأن أرشيفى الصحفى يمتلأ بكثير من التقارير المهنية التى تشفع لى لدى قطاع كبير من القراء فضلا عن عشرات الموضوعات القوية التى لم تنشرها جريدتى لأسباب اقدرها وفقا لسياسة التحرير فيها .
في 1952 قال الجيش أنها ...سلمية
لم تصدمنى كل الأحداث التى تلت الثورة . بل لم يثر دهشتى إختيار المجلس العسكرى لطارق البشرى وصبحى صالح لصياغة التعديلات الدستورية .. لأنه ببساطة شديدة الثورة لم تسقط النظام وإنما أنهت عهدا من عهود الحكم العسكرى المصرى ، بدا الأول منه بالرئيس جمال عبد الناصر الذى لم يدعو إلى الديموقراطية ولم يؤطر لها وإن حقق الكثير من أهداف العدالة الإجتماعية رغم رؤيتنا المختلفة لها الآن متحالفا مع الإخوان المسلمين فى البداية ثم منقلبلا عليهم وحتى نهاية عهده. وكانت الحلقة الوسطى فى هذا الحكم هى عهد الرئيس السادات الذى لم تتمكن دولته من توفير آليات مناسبة للرخاء المزعوم سوى بإنفتاح إستهلاكى أكل الطبقة الوسطى وغير من المفاهيم الإجتماعية للوعى الجمعى المصرى ليصبح " البنكنوت " سيد الموقف .. وهنا تحالف السادات مع الإخوان ليصبحوا وإلى الآن طرفا فاعلا فى المعادلة السياسية والإقتصادية المصرية على مستوى التلامس الشعبى وليس النخبوى . وبالطبع كان عهد مبارك هو الحلقة الثالثة فى مسلسل الحكم العسكرى لكنه لم يكن حكما رشيدا بالإجمال فقد قضى على التصنيع والنهضة الثقافية والإنسانية التى حققت فى العهد الأول كما قضى على الكرامة المصرية التى حققت بإنتصار أكتوبر ودهاء السادات وفتح مجالا واسعا لحكم رأس المال ، ومرة ثالثة أدخل الإخوان المسلمين والتيارات الدينية فى المعادلة السياسية فيما يمكن أن نسميه " المشاركة بالإقصاء " وهو ما وجده مكتب الإرشاد بإختلاف عهوده مكسبا كبيرا فى معادلة السيطرة على الشارع فى مقابل السيطرة على القرارات السياسية فالضحية دائما تحظى بالتعاطف ، ويمكننا هنا القول أنه لا يلزم لأى منظومة سياسية سواء أكانت حكومية أو ذات طابع حزبى أن تكون كل نخبتها من المفكرين فيكفى جدا أن يطلع عدد محدود من "صفوة قمة الهرم " بوضع السياسات والخطط والإستراتيجيات على أن ينفذ باقى النخبة أدوارهم بدقة الإقتناع بالهدف العام الأسمى تحقيقا للمصالح الذاتية كالإنتماء للحكومة أو لقادة الجماعة ما يعطى ثقلا إجتماعيا وإعلاميا لكل مسئول بقدر الدور الذى يلعبه فضلا عما يعطيه التواجد من ثقل آخر مضاف لمنظومة الحكومة أو الجماعة أو التنظيم السياسى أيا كان .

لذلك وبمنتهى الإرتياح أقول أن التحالف مع الإخوان والتيارت الدينية ليس جديدا على دولة العسكر والشواهد تؤكد ذلك ، وإن كانت تحتاج إلى روية فى العرض وتأنى فى الإستيعاب ودعونا نتسائل : أمام أية محاكم خضع الدينيون للمحاكمات ؟ ألم تكن هى تلك المحاكم العسكرية ؟ إذن من الذى أفرج عن القيادات الدينية لهذه التيارات على مختلف مسمياتها ؟ الم يكن قادة المجلس العسكرى أنفسهم الذين سبقوا وإستلبوا حقا من الحقوق الإنسانية بمحاكمة المدنين أمام محاكم غير مدنية ؟ ولأى غرض كان ذلك ؟ إجابتى : انه لأغراض كثيرة تتضح يوما بعد يوم . فأولا نادى الثوار ومن خلفهم أوروبا وامريكا بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين كما نادوا بالإفراج عن كل من إنتهت عقوبته الجنائية ، ورغم بقاء بعض الثوار فى السجون إلى الآن فضلا عن الغياب المجهول لبعضهم الآخر ، فقد إستجاب المجلس العسكرى لهذه المطالب فافرج مثلا عن خيرت الشاطر ، وافرج عن الأخوين الزمر وكذلك عن محمد الظواهرى ، هؤلاء الذين أدينوا بتهم غسيل الأموال وتلقى أموال من الخارج أو الذين أدينوا بتهمة التخطيط لإغتيال رئيس أو بالتحريض على أعمال عنف . ورغم ذلك سمح لهم بالتواصل مع الميديا فى دور معروف مقدما -للقيادات التى تحكم الآن- أنهم سيلعبونه دون حتى أن يدروا . ولأن الحالمون بالتغيير يتخليون أن النظام ولى وأنهم تمكنوا من فرض إرادة الشعب على المجلس العسكرى فإن قادة هذا المجلس المنتمون للنظام الحاكم منذ عام 1952 يستخدمون نفس السياسة السابقة لكنهم يوفرون فزعا على نطاق واسع داخلى وخارجى حتى نرضى بالأمر الواقع الذين يريدون فرضه ثم بعد ذلك ينقلبون على الإخوان بنفس طريقة جمال عبد الناصر ليملأوا بهم السجون تهدأة للمجتمع الذى سيصبح طيعا بالإحباط وبالخوف وحفاظا على مصالح إقتصادية وإجتماعية وبالطبع سياسية واسعة وعريضة تسمح بالسيطرة الكاملة على مقدرات الوطن تماما ككل العهود السابقة.
من أتي بالإرهابي عبود الزمر من السجون ليخيف الناس
الرسالة إذن واضحة وسبق أن إتخذها العهد السابق "للنظام " ذريعة للديكتاتورية ولتزوير إرادة الناخبين ولتمكين رجال الأعمال من الحكم والتحكم فى القرارت السياسية وإحتكار السلع الإستراتيجية غير مضح بأى من مكاسبه أو حتى جزء منها متخليا بالبخس عن المصانع والمزارع والكرامة والصحة والحياة الإنسانية الذى يجبره كرسى الرئاسة على حفظها . لذلك لن أندهش إذا ما خرج علينا أحد المسئولين – اليوم أو غدا – مؤكدا أن الشعب المصرى غير مؤهل للديموقراطية وإن قالها بصيغة أخرى متذرعا بهؤلاء الذين يقطعون الآذان منادين بتطبيق حدود لا نعرف من أين أتوا بها فضلا عما قاله العقيد الزمر عن مجلس فتاوى القتل الذى سينشأه الجهاديون ليخلصوا من أعدائهم إضافة إلى عشرات من أحداث العنف الطائفى بين المسلمين والمسيحيين وبين السلفيين ومن يختلفون عنهم فى الأفكار والمرجعيات إلى حد سحل فتيات فى الشارع لأنهن غير محتشمات بينهن فتيات محجبات .لذلك من السذاجة أن نظن أن القادة الحاليون قليلو الخبرة بالحياة السياسية ، ومن السذاجة أيضا أن نظن أن المجلس العسكرى يريد العودة إلى ثكناته فى أسرع وقت ممكن لذلك يقع فى أخطاء العجلة . أبدا.. إن حنكة القادة العسكريين فى إدارة دفة الأمور إن لم يكن التخطيط لها منذ اليوم الأول لبدء الأحداث وإعتبارا من نزول القوات المسلحة للشارع تجعلنى أجزم أنهم واعون وهادفون لتفريغ الثورة من مضمونها بتان مدروس فى خطة خداع إستراتيجى يقف العالم أمامه الآن مندهشا من تلك المهارة العبقرية فى إعادة عجلة نظام 52 إلى الدوران بقوة مثلما يقف الكثيرون منا اليوم حيارى غير مصدقين لما يحدث . لقد نجح قادتنا " المؤقتون " فى إبعادنا عن مناقشة جادة للتعديلات الدستورية بإفتعال أحداث متلاحقة منها إستخدام العنف فى طرد المعتصمين فى ميدان التحرير وميدان مصطفى محمود وبضرب وسحل مناضلين مثقفين وإحتجازهم بتهم البلطجة ثم بكشف العذرية الذى أجروه على بعض فتيات التحرير ثم بالفتن الطائفية التى تلصق بفلول الحزب الوطنى وقيادات أمن الدولة وبعدها بإخراج مجرمى الدين من سجونهم دون تحديد إقامتهم والسماح لهم بإرهاب الراى العام ثم بالتصويت على المواد الدستورية التى ظلت تعدل هى وقوانينها حتى اللحظات الأخيرة قبل الإستفتاء عليها وأيضا شغل الرأى العام بقرارت تجريم التظاهر والإعتصام المسموح بها فى المعاهدات الدولية بإعتبارها حق من حقوق الإنسان ولن ننسى شغل الرأى العام بطلبات رد ضريبة الدخل وغيرها من الأمور التى تجذب انظارنا بعيدا عن الإحدى عشر مطلبا الذى أعلنها بيان الثورة

 بالطبع الجيش فى مصر ضد التدين المتطرف تماما بدليل عشرات المحاكمات لمجندين وصف ضباط رفضوا أداء التحية العسكرية بإعتبارها تعظيما لغير الله سبحانه وتعالى وليس خافيا على أحد أن الشيوعيين والأصوليين يراقبون بصرامة داخل القوات المسلحة أما الأشد خطورة منهم فإما يسرح من الخدمة أو لا يقبل من الأساس ، قناعتى أن الجيش علمانى يسمح بأن تعبد الله على طريقتك لكنه لا يسمح بالتطرف لا إلى اليمين ولا إلى اليسار . فلماذا يسمح اليوم بالتنظير الدينى فى كل مكان ؟ لماذا يضع قادته أيديهم فى أيدى مروجى الفتن التى أغلق النظام نفسه قنواته الفضائية ؟ وأجيب بأنه لا يوجد أفضل من بث الرعب الدينى فى نفوس المصريين . وهو رعب يسمح فى أى وقت بإشعال فتنة تلهينا عن قرارات مصيرية مثلما كان يحدث تماما .. فقد تورط النظام بأكمله فى فظائع الفتن والتفجيرات الطائفية حتى وإن تمت كلها على يد بعض قيادات وزارة الداخلية فى عهدها السابق ، لأنه ببساطة ثمة أجهزة أخرى كثيرة تعرف وبحق دبة النملة لكنى أظنها غضت الطرف لتمر كل العمليات بهدوء يسبق العاصفة ويؤدى إليها .

ومع ذلك لم أكن أتوقع ذلك القدر الكبير من سذاجة المصريين وسطحيتهم الدينية التى جعلتهم يسيرون خلف مبدا الحاكمية ويطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية وعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور إلى حد دفع أحد الأصدقاء إلى توجيه سؤال مباشر لهؤلاء ، قال : هل سيخسر المسلمون دينهم إذا تغيرت المادة الثانية من الدستور ؟ وجاءته إجابة فورية : بالطبع لا .المدهش أن نقاشا دار بينى وبين مجموعة من الشباب فى حديقة الخالدين المواجهة لمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية عقب صلاة إحدى الجمع وكان الشيخ المحلاوى يخطب فى الجموع مناديا بسيادة الإسلام والمسلمين فى بلدنا ذى الأغلبية المسلمة وقتها كاد يحدث إشتباك بين مؤيدى الدولة المدنية والمنادين بالدولة الدينية لكننى وجهت سؤالا مباشرا لأحد الملتحين ، والحقيقة أننى أوقعت الشاب ومن معه فى حيرة شديدة دفعهتم للإنسحاب من أمامنا وقد إستشعرت مدى حيرتهم . والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى لو أراد لوضع حكما شرعيا لكل جرم مهما صغر أو كبر ، لكنه فى رأيى وضع أحكاما مشددة جاء بها التنزيل الحق من لدن رب العالمين حكمتها فى الإستدلال على وجوب القصاص ومحاربة الجريمة أخلاقية وجنائية ، فكل أحكام القرآن الكريم هى سبعة عشر حكما ثلاث منها تخص حدود القتل والسرقة والزنى وباقى الأحكام كلها تتعلق بالزواج والطلاق والمواريث . وبذلك سمح الله سبحانه بالإجتهاد . ووفقا لمبادئ المنطق فإن حكم الله عدل مطلق وحكمنا نحن عدل نسبى ولذلك عندما يوضع العدل المطلق فى أيدى البشر يسمح لهم بالتقدير والإختلاف وهذا ما حدث فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهر تلك الوقائع وقع مع عبد الله بن أبى سلول الذى أراد عمر بن الخطاب ضرب عنقه لنفاقه وكفره لكن الرسول منعه قائلا ما معناه " أخاف أن يقول الناس ان محمدا يقتل اصحابه " وهو نفسه – صلى الله عليه وسلم من قال : " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ثم واقعة الإمهال فى تنفيذ حد الزنا على الرجل الذى إعترف بفعله أربع مرات ، لكن الذى يدعو للتفكير حقيقة هو واقعة تلك المرأة الزانية التى إجتهد عمر بن العاص فى تجنيبها حد الرجم وهى واقعة معروفة وشهيرة حدثت فى عهد الخليفة عمرو بن الخطاب ونجت المرأة بفعلتها رغم أنى لا اقبل بمنطق اليوم أن ينجو آثم من العقاب ، أيضا تجميد عمر بن الخطاب حد السرقة فى عام المجاعة . والمعنى الذى يتجاهله السادة المنادون بتطبيق الشريعة الإسلامية أن الرسول والصحابة إجتهدوا مع وجود نص وهو ما يؤكد فكرتى أن النصوص القرآنية إنما إنزلت للإستدلال بها على مكافحة الجريمة . لذلك فالنص " المطلق" سمح " بالنسبى " ومع الإجتهاد فى وجود النص يصبح تطبيق الشريعة قاصرا لأنه قد يفسر على هوى الحاكم المستتر بالدين وبالتالى تنتفى صفة العدالة ،مطلقة ونسبية، وتصبح عدالة " الهوى " أما القانون الوضعى على نسبيته فإنه يحقق عدلا أقرب إلى المطلق فى ظل دولة تحترم كل مواطنيها على أسس متساوية . على أننى اعود للتساؤل إذا كان كل ما بالتنزيل هو حدود ثلاث فكيف يمكننا أن نعاقب المختلس ؟ هل بإعتباره سارقا تقطع يده ؟ ام بإعتباره مفسدا فى الأرض نجتهد لنقطع يديه ورجليه من خلاف ونختلف حول وجوب ضرب رقبته من عدمه ؟ ثم إذا إستل بلطجى مطواته وجرح رجلا فى وجهه فكيف نقتص منه ؟ هل سنحضر المصاب ونضع فى يده مطواة ونطلب منه أن يجرح غريمه نفس الجرح إعمالا لمبدأ السن بالسن والعين بالعين والبادى أظلم ؟ أم أن القانون الوضعى فى هذه الحالة يستطيع أن يطبق العدالة ؟ ثم ما الذى يضمن للمجتمع أن الأغنياء الذين يملكون مال الدية ونفوذ الإجبار على قبولها لن يرتكب ابناؤهم فعل القتل العمد أو حتى القتل الخطأ عملا ببيت الشعر الجاهلى " شعث مفارقنا تغلى مراجلنا تمحو أموالنا آثار ايدينا " ؟ "8"مرة أخرى قد يندهش البعض من سماح العسكريين الذين إعتادوا على قانون صارم منضبط لأصحاب الدعوات الدينية بالعبث فى عقل الشعب لكن قد تزول الدهشة إذا إتفقنا أولا على أن النظام السابق هو نظام الملك فاروق أو النظام الملكى بشكل عام ، أما النظام الحالى فهو نظام يوليو 1952 تتغير وجوهه وتبقى ثوابته ، نظام عسكرى لا يؤمن بالديموقراطية ولا بالتداول السلمى الحقيقى للسلطة يدافع عن مكاسبه الطائلة طوال ستة عقود ولن يتخلى عنها بسهولة لذلك يبحث لنفسه عن شرعية تحقق توازن شكلى فى السلطة مستخدما الجماعات الدينية التى لا تؤمن بدورها بالتداول السلمى للسلطة وتقصى كل من يخالفها رأيا بتهمة الخروج عن الملة ، جماعات لا تؤمن بالعدالة الإجتماعية ولا بقيم الحرية التى جاءت فى القرآن الذى يرفعه أغلبهم على هواه متجاهلين أيات بينات تقول " لكم دينكم ولى دين " وتقول " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قد تبين لكم الرشد من الغى " وتقول " ولو شاء ربكم لجعلكم أمة واحدة " وتقول " إختلافكم رحمة لكم " وتقول " إنك لا تهدى من تحب والله يهدى من يشاء " وتقول " وجادلهم بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم " يتجاهل هؤلاء السادة أن الرسول الكريم كان يأكل من يد غلامه اليهودى وكان يزور جاره المؤذى ، يتجاهلون أن افسلام فى دولة الرسول كان من القوة التى تسمح بإقصاء الكافرين والوثنيين والمشركين لكنه صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة قال من دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت أبى سفيان فهو آمن ، يتجاهلون أن بطريرك القدس رفض تسليم مفتاح المدينة إلا لعمرو بن الخطاب فجاءه راكبا وصلى خارج الكنيسة حتى لا يستحلها المسلمون من بعده ، بل إنهم يتجاهلون ترك عمر بن العاص اقباط مصر يغبدون الله على طريقتهم ومذهبهم ولم يحطم لهم تمثالا ولم يهدم لهم كنيسة رغم قوة الدولة الإسلامية وقتها ورغم أن مصر خرجت من إحتلال رومانى إلى فتح عربى وكانت فى الحالتين شعبا مهزوما ولن نقول مستعمرا . إذن نظام 1952 يجب أن يستخدم ولا أقول يتحالف مع اليمين الدينى الذى يتطابق معه فى كثير من الأفكار .. وللمقال بقية

شكرا للصحفي الذي إمتهن المغامرة وتحدث صراحة عندما آثر الجميع إغلاق الأفواه أما من حيث كون للمقال بقية فهذا ما أتمناه إن كان هناك فرجة من حرية تسمح للرأي الآخر في هذه الأيام أن يغرد خارج السرب ولا يصبح كالسمك الميت الذي لا يجيد السباحة إلا مع التيار
أيا كان رأيك أيها القارئ فالمقال نظرة نقدية بها كثير من الموضوعية وكثير من الحزب وكثير من الإجابات التى نحتاجها الآن قبل الغد على أسئلة لم يحاول أحد الإقتراب منها وإكتفي الجميع بالحديث عن الثروات المنهوبة دون أن يخطر ببالهم الحديث عن الثورة المسروقة وتباكوا على الثلاثين سنة الماضية دون أن يحاولوا ولو من بعيد التلميح إلى أن الوضع يمتد إلى اليوم الأول لثورة عسكر يوليو
الصحفي تامر صلاح الدين لم يحاول أن يحافظ على مكانه في جريدة ينتسب إليها ولا أمانا يحصل عليه من يسبح مع التيار ولا مالا يجنيه من يعرف من ينافق ومتى وهو لا ينتمي لأي من الأحزاب الوهمية التى إبتلينا بها ولا هو بالطبع منضم لإحدي كتائب الظلاميين الذين أصبحنا نجدهم في كل مكان حولنا بلحاهم الطويلة وحديثهم الكريه
تامر صلاح الدين قال ما وجده ضميره لا مناص عن قوله ونحن نشرنا ما كتب ونترك لك الآن إما الإلتفات عن ما نشرناه أو التفاعل معه ولو بتعليق فنحن نؤمن بحرية الرأي قولا وفعلا لأننا لا نضع الوطن في معلبات محفوظة على رفوف السوبر ماركت ولا نعرضه للبيع في صالة سوثبى للمزادات ولا في خيمة شيوخ الوهابية 

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا