الجمعة، 18 فبراير 2011

مرفوع من الخدمة تعيد نشر مقال عادل حمودة: أسرار الساعات الأخيرة قبل سقوط النظام


مرفوع من الخدمة تعيد نشر مقال عادل حمودة: أسرار الساعات الأخيرة قبل سقوط النظام
المقال أفضل عرض للساعات الأخيرة في عمر النظام وباقي الجرائد نقلت عنه دون خجل

عادل حمودة سواء إختلفت أو إتفقت معه يملك الكثير من العلاقات النافذة والقدرة على النفاذ إلى المجهول وهو دون غيره من رؤساء تحرير الصحف المستقلة لم تنله شبهة عمالة لنظام ولا لحاكم ورغم ذلك يواصل رحلة صعود لا تهدأ منذ أن كان صحفيا في روزاليوسف وحتى هذه اللحظة وعندما قرر أن يكتب عادل حمودة عن اللحظات الأخيرة في عمر النظام لم يكن مثل غيره لكن الجميع بعد ذلك قرر النقل من مقال عادل حمودة مع إضافة بعض البهارات والفبركات محاولين جعل مقالاتهم كما لو كانت تخصهم بالفعل مع تمويه ما كتب الرجل ونحن لا نخجل من نشر ما نراه جديرا بالنشر خاصة أن عدد الفجر الذي إحتواه المقال نفذ من الأسواق بعد دقائق من نزوله للتوزيع لذلك فإننا ننشر المقال على مسؤليتنا الشخصية لأنه أصبح حقا لكل الشعب المصري

وافق الرئيس علي التنحي ليلة الخميس ثم تدخل جمال مبارك وأطفأ أنوار مطار ألماظة الذي
تقلع منه طائرات العائلة الحاكمة – حسام بدراوي التقي الرئيس ثلاث مرات وحذره من مصير شاوشيسكو: القتل هو وعائلته بعدما فتح الجيش النار علي المتظاهرين أمام قصره

- في الساعة الثانية عشرة ظهرا حلقت طائرتا هيلكوبتر فوق نادي هيلوبوليس القريب من بيت الرئيس.. وفي الساعة الثانية إلا 11 دقيقة أقلعت أول طائرة إلي شرم الشيخ وبعد
7دقائق أقلعت الثانية.. وفي الساعة السادسة إلا 3 دقائق أقلعت الطائرة الثالثة التي تحمل الرئيس في نفس الوقت الذي أذاع فيه عمر سليمان قرار التنحي

أسرار الساعات الأخيرة قبل سقوط نظام

- مبارك استدعي محمود لبيب ليصبغ له شعره قبل بيان التفويض وجمال مبارك يقول لممتاز القط: « كلها ثلاثة أيام وتنتهي الأزمة » - مبارك حكم بسياسة «فرق تسد» فزرع الخلافات بين مدير المخابرات ووزير الدفاع وامتدت السياسة نفسها للصحفيين ورجال الأعمال والقضاة والمسلمين والأقباط

جمعت أم الدنيا حروف اسمها الجميل.. وأعادت تطريزه علي حواشي منديل ثورتها المبلل بدم شهدائها.
استردته من أنياب الديكتاتورية التي سجنت عمرها.. وأسماك القرش التي افترست ثروتها..
وأحذية الدولة البوليسية التي داست كبرياءها.
لصقت الميم إلي جانب الصاد.. ولصقت الصاد إلي جانب الراء.. وفجأة تدلي من سقف الحرية نجفة من الزمرد الأخضر.. اسمها: مصر.

1
لم يعد صوت حسني مبارك مجلجلا كما كان منذ أسابيع قليلة.. ماتت نبرة التحدي والغرور
فيه.. وحلت محلها نبرة من الأسي والانكسار. لملم الطاووس العنيد جناحيه وانطوي علي
نفسه.. يشرب دموعه في صمت.. وراح يرمم في يأس أركان كرسي عرشه المهنار.
نفدت كمية الوقود في الصاروخ العجيب الذي امتطاه ثلاثين سنة.. فتوقف عن الصعود.. وتحول الصاروخ إلي دابة.

2
تضم منطقة الحكم في " روكسي " قصر الرئاسة ومقر إقامة الرئيس.. ولا تزيد المسافة بينهما علي 300 متر.. ظل مبارك يقطعها في اطمئنان 10710 أيام حتي فاجأه الطوفان.
قبل ساعة الرحيل حوصرت المنطقة بالأسلاك الشائكة والدشم ومدرعات الحرس الجمهوري..
ووراء كل هذه التحصينات التي لم نشهدها من قبل انكمش أفراد العائلة الحاكمة في رعب وفزع وقلق من مصير مجهول انحصرت كلمات قاموسه في كلمات محدودة.. القتل.. الهرب.. التشهير..المطاردة.. المحاكمة.. وهي نفس كلمات القاموس الذي حكموا به الشعب ثلاثين سنة.. دون أن يتخيلوا أنهم سيشربون من الكأس نفسها.
كانت الثورة الشعبية التي وصل صوتها هادرا من بعيد قد اقتربت منهم ولم يعد يفصلها عنهم سوي عدة أمتار.. في مشهد يذكرهم بما جري لديكتاتور رومانيا الراحل شاوشيسكو ووضعهم في مصيره لو تصرفوا مثله.
كان شاوشيسكو قد أمر قواته بإطلاق النار علي المتظاهرين الغاضبين الذين نادوا تحت شرفته
بسقوطه.. فلم يبالوا بسقوط ضحايا منهم.. وواصلوا هجومهم حتي نالوه.. وافترسوه.
إن العزلة والغطرسة والغيبوبة التي يعيش فيها الديكتاتور تورطه في قرارات خاطئة تنهي حياته وحكمه نهاية تناسبه.. لكن.. شاءت الأقدار أن ينجو مبارك من هذه النهاية المأساوية التي كان يندفع إليها بعناد اشتهر به.. لولا حكمة قادة الجيش الذين تدخلوا في الوقت المناسب وأقنعوه بالتنحي قبل أن يتورط في أمر يصدره إليهم بفتح النار علي الحشود التي اقتربت من قصره.. لتقع مجزرة شعبية محققة تلوث أيديهم البيضاء بدماء أبرياء طالبوا بحقهم في الحرية.
لم يكن مبارك علي ما يبدو يعرف حجم الغضب الذي استولي علي الشارع.. وأغلب الظن أن أحدا لم يجرؤ علي وضع الحقيقة باردة أمامه.. " إن ثمن بقائك في السلطة يا سيادة الرئيس يكلف البلاد ثمنا باهظا لم يعد أحد يقدر عليه ".. لقد " قلت إنك مستمر لتجنب البلاد الفوضي.. لكن بقاءك هو الذي يسبب الفوضي ".. وربما لم يجد من يضع أمامه شاشة تليفزيون تنقل قنواته وفضائياته صور الملايين المجتمعة علي مطلب واحد.. أن يرحل.. فقد حجبوه عما يجري حوله سنوات طويلة.. فكيف يستوعب ما جري خلالها في لحظات ؟
ولعل الحجاب الذي وضعوه خلفه وصل إلي حد حرمانه من معرفة خبر وفاة حفيده ساعات الليل بعد قطع الاتصالات وإرسال التليفزيون عنه.. وكان ذلك علامة علي أن هناك في عائلته وحاشيته من يتحكم فيه.. يحدد له ما يعرف وما لا يعرف.. من يقترب منه ومن يبتعد عنه.. ما يعرض عليه وما يوضع في مفرمة الورق.. فكيف كان عليه استيعاب حقائق مخفية وغائبة عنه لسنوات طويلة في ساعات قليلة ؟. لم يكن مبارك يعرف شيئاً عما يجري حوله .. لم يكن يشاهد تصاعد الثورة عبر شاشة التليفزيون، كان متواجداً في حجرة بينما أفراد عائلته في حجرة أخري يديرون الأزمة ويفكرون في التوصل إلي صيغة تناسبهم.. سألهم
مبارك: ايه اللي بيحصل في التليفزيون؟! ردوا عليه مفيش حاجة!.. أكثر من خمس ساعات استغرقها أفراد العائلة في النقاش لوضع لمساتهم في الخطاب الأخير.

3
الوحيد الذي وضع أمامه الحقيقة المرة هو الدكتور حسام بدراوي.. استغل منصب الأمين العام
للحزب الوطني الذي وضعته الأزمة فيه كي يكاشفه بما خفي عنه.. التقي به ثلاث مرات.. واتصل به تليفونيا مرة.. كاشفا عن تخوفه من تكرار سيناريو شاوشيسكو.. أن يستغل سلطته علي الحرس الجمهوري ويطلق النار علي الشعب.. وكان في تحذيره إشارة لا يخطئها أحد بطلب التنحي..
واستوعب مبارك ما سمع.. بل وهز رأسه مؤيدا.. ووافق علي التنحي.. وطلب الكاميرات ليلقي بيانه الأخير ليلة الخميس.. وحرص علي أن يظهر بنفس الصورة التي تعودها.. فاستدعي حلاقه محمود لبيب الذي راحت أصابعه تداري بصبغة شعر شديدة السواد ما فرضه الزمن عليه دون أن يعترف به.
خرج حسام بدراوي ليعلن أن الرئيس سيتنحي.. وتحفظ رئيس الحكومة أحمد شفيق قائلا: إن
الرئيس " قد يتنحي ".. وجرت ترتيبات السفر إلي شرم الشيخ في نفس الليلة.. لكن.. بعد ثلاث دقائق من تسجيل البيان توقفت الكاميرات بأمر من جمال مبارك.. فقد تقرر أن ينقلب بيان تنحي الرئيس إلي بيان تفويض صلاحياته لنائب الرئيس.. وتغيرت علي عجل الفقرات الأخيرة في البيان.. وتغيرت معها لهجة الرئيس وملامحه.. من الضعف إلي القوة.. ومن طلب المغفرة إلي التوعد بالحساب.. ويسهل علي من تأمل البيان بدقة اكتشاف أن مبارك لعب دورين في فيلم واحد خلال دقائق معدودة.
تصور أفراد في عائلته وحاشيته أنهم يمكن استيعاب ما حدث.. خلقوا من الوهم فرصة ولو
أخيرة.. فربما تقبلت الملايين الغاضبة خدعة التفويض وعادت إلي بيوتها.. فيظل الرئيس في
مكانه ومكانته.. علي أن يستوعب ما حدث.. ويلتف عليه بنفاق الشعب وتعزية شهدائه والاعتراف بثورة شبابه.. ثم ما إن يسترد النظام عافيته حتي يستدير لتصفية حساباته ــ بطشا وقهرا وتعذيبا وتوريثا ــ مع كل من خرج أو نطق أو رفض أو اعترض.
وتأكيدا علي البقاء أطفأت أنوار مطار ألماظة في الساعة الثامنة والثلث ليلا.. وهو نفس الوقت الذي كان مبارك يسجل فيه بيانه.. ومطار ألماظة هو المطار الذي تقلع وتهبط منه طائرات العائلة الحاكمة.. وكانت رسالة الإظلام موجهة إلي كل من يرصد ويراقب وينتظر خبر الرحيل من حركة الطائرات.
اثبت الانقلاب السريع علي الرئيس من مقربين منه غيروا موقفه بسهولة أن تقديراته وقراراته لم تعد بيده.. وأن هناك من يديره ويحركه ويجعل منه واجهة لتنفيذ أحلامهم ومخططاتهم.. دون أن يستوعبوا هم أيضا أن الشعب الذي أيقنوا بخنوعه وخضوعه قد ثار.. وانفجر.. وتغير.. ولم يعد يطيقهم.. وهو مصر علي التخلص منهم.
وصباح اليوم التالي.. اليوم الأخير.. كان واضحا أن الجيش قد حسم أمره.. ولم يعد أمام الرئيس سوي التنحي.

4
في منتصف نهار يوم الثلاثاء الماضي دخلت القصر الجمهوري بدعوة من نائب الرئيس مع
مختلف رؤساء التحرير.. لم تخطئ العين البوابات الإلكترونية التي عبرناها.. والكلاب البوليسية التي صادفناها.. ولكن.. العين لم تلمح شخصية واحدة نعرفها وتعودنا أن نلقاها.. رئيس الديوان زكريا عزمي.. وجمال عبد العزيز مدير مكتب الرئيس..
مثلا.. كل الذين رأيناهم.. شباب في الحراسة والبروتوكول يبدو أنهم جاءوا علي ذمة الوريث.
لكن.. ما لفت نظري أنهم كانوا يرحبون برؤساء التحرير المنحازين للثورة ويتعاملون بفتور مع رؤساء تحرير الصحف الحكومية.. وكأنهم يبعثون برسالة صامتة تقول: " نحن معكم أيضا ".
علي أن أحدهم استوقفني هامسا: " لقد تابعت كل ما كتبت وقلت بشجاعة في وقت أمسكت فيه
غالبية الأقلام العصا من النصف ".. وقلت له: " إنني بعد ساعات من بداية المظاهرات عرضت علي النظام إجراءات لو قام بها لتجنب ما وصل إليه خاصة أن الغضب لم يكن قد تحول إلي ثورة ومطالب المتظاهرين لم تكن قد وصلت إلي سقفها".. لكن.. الرجل الذي كان يرتدي ثيابا رسمية فاجأني قائلا: " أحسن أنهم لم يسمعوا الكلام.. فاهمني طبعا ".
كانت هذه إشارة لا تخطئها الأذن إلي أن أقرب العاملين للرئيس لم يكونوا يطيقونه.. خاصة من يمثلون الطبقة الوسطي منهم.. فقد كان لهم من الذل جانب.. وهناك دليل آخر علي ذلك.. انضمام15 ضابطا من الجيش إلي الثورة.. فهم ليسوا منفصلين عن الشعب.. يقتسمونه الأحزان..والأحلام.

5
كان واضحا أن عمر سليمان يسعي جاهدا لضمنا إلي صفوف النظام بتخويفنا من انقلاب
عسكري تكون حرية الكلمة هدفه الأول حسب خبرات التاريخ البعيد والقريب.. واضعا دشما في عرض الطريق أمام المطلب الوحيد الذي يحل الأزمة.. تنحي الرئيس.
والحقيقة أن نائب الرئيس ــ الذي لم يمكث في منصبه سوي أيام معدودة ــ ظل معبرا عن الرئيس..مدافعا عنه.. متكلما باسمه.. وهو ما جعله ينال من الهجوم علي الرئيس جانبا.
إن رءوس النظام الذين نافقوا في الثورة سعيا لاحتوائها لم يستوعبوها وظلوا يتعاملون معها علي أنها فورة غضب طارئة سرعان ما تخمد وتموت.. لم يدركوا أن شرعية النظام سقطت مع هتافات الشارع.. وأنهم يلعبون في الوقت الضائع بوسائل قديمة.. وأساليب فات عصرها.
لقد فجر الثورة شباب فكوا شفرة العصر وتجمعوا في تنظيم علني علي شبكات الفيس بوك
لم تقدر علي اعتقاله أجهزة مباحث أمن الدولة.. فلو عرفت بدايته لن تعرف نهايته.. ثم إن عناد دون أن يستوعب أن الشعرة قطعت وحرقت وأصبحت من مخلفات الثورة.
وللإنصاف فإن الوحيد من رؤساء تحرير الصحف الحكومية الذي انفعل متحمسا في الدفاع
علي النظام كان ممتاز القط.. أما غيره فقد انقلبوا علي الوجه الآخر.. وراحوا يهاجمونه.. وفي اليوم نفسه جري اتصال بين رئيس تحرير أخبار اليوم وجمال مبارك الذي شكره علي وفائه وفي الوقت نفسه طمأنه بأن ما يجري لن يبقي علي أرض الواقع أكثر من ثلاثة أيام يعود بعدها النظام لسيطرته وقوته واستمراره.. فحتي نائب الرئيس الذي ينسب إلي جيل الشباب لم يكن يدرك أن مصر بعد 25 يناير تغيرت.. ولم يعد يعرفها هو ايضا.

6
ما أزعج حسن راتب أيضا ما قلته عن رجال الأعمال الذين روجوا للتوريث مثل إبراهيم كامل وعمر طنطاوي وخالد شتا ومحمد أبوالعينين.. ورجال الأعمال الذين استفادوا من النظام وكونوا ثرواتهم بتحالفهم معه وعندما بدأت المركب في الغرق سعوا للقفز منها ليركبوا قطار الثورة.. مثل نجيب ساويرس الذي انضم إلي ما سمي بلجنة الحكماء.. فشقيقه سميح كان طرفا في معاملات مع وزير السياحة زهير جرانة.. أشار إليه قرار اتهامه الذي أعلنه النائب العام.. كما أن حصول نجيب نفسه علي شركة المحمول يثير علامات استفهام جري التفتيش فيها.. ولكن بتقادم المدة نسيها الناس.
كان إبراهيم كامل هو عراب التوريث والمدبر المباشر والمنفذ له.. واستغل قربه من مبارك (كان يلعب معه الطاولة) ليؤخر تسوية ديونه التي تقترب من المليارين للبنوك.. وقد شل بنك مصر.. صاحب الدين الأكبر.. وعجز عن المطالبة.. لكن.. ما إن وصلت مياه الغرق إلي أنف النظام حتي طالب بما له.. في خطاب مفاجئ.. كان نوعا من إبراء الذمة بعدما قامت القيامة.. وهو يوم يفر فيه المرء من أخيه وأمه وابيه.
والحقيقة أن التوريث الذي زرعه إبراهيم كامل في عقل النظام وجد هوي عند السيدة سوزان
مبارك وهي سيدة ذكية متعلمة تعرف جيدا أن خروج زوجها من الحكم بحكم القضاء والقدر
سيفتح عليه وعلي أسرته أبواب جهنم.. فسعت لسد الزجاجة بنقل السلطة إلي ابنها كي تموت
الانحرافات والتجاوزات والثروات التي تقدر بالمليارات مع الزمن.. وراهنت علي ضعف الذاكرة عند المصريين.. وهو رهان كسبه الكثيرون. كما أنها سعت جاهدة لإقناع زوجها بالفكرة..ورغم مقاومته لها خوفا علي حياة ابنه إلا أنه علي ما يبدو استسلم لها.. وعندما أعلن أنه لم يكن ينتوي ترشيح نفسه كان صادقا.. فقد كان موافقا علي ترشيح ابنه.
وخلال العشر سنوات الأخيرة من حكم عائلة مبارك سخرت كل الشخصيات لخطة التوريث..
رؤساء التحرير الذين عينوا كان يروجون للوريث..رؤساء البنوك الذين هبطوا بالباراشوت كانوا يساندونه.. وزراء البيزنس الذين جاءوا من عالم الثروة ليحظوا بقوة السلطة كانوا يدعمونه..وضمت لجنة السياسات التي كان يرأسها خبرات وضعت نفسها ــ إما خوفا أو أملا ــ في خدمة الخطة.
وراهن جمال مبارك علي حبيب العادلي ــ بعد أن شعر بالخوف من أن تلفظه القوات المسلحة ــ فوافق علي تحويل الشرطة إلي قوات مدرعة ومسلحة يزيد تعدادها علي ثلاثة أضعاف جنود الجيش.. وفتحت خزائن الدولة لتمويل جيش العادلي بكل ما يطلب.. ونال رؤساء أركانه بسخاء مكافآت شهرية تجاوزت في بعض الأحيان الملايين.
واعترف وزير الداخلية السابق ــ بعدما بقي في منصبه أكثر من 13 سنة ــ أن هناك تنظيماً سرياً يتكون من أعضاء في الحزب الوطني والشرطة وضعت لهم خطط خفية لحماية النظام عليهم التحرك لتنفيذها في حالة الثورة عليه.. كما أن هناك في مقر أمانة الحزب غرفة جهنمية ضمت ملفات وتسجيلات انحرافات قياداته عرفت بغرفة الرئيس.. ويفسر ذلك إشعال النار في المقر بعد ساعات من سقوط الدولة البوليسية حتي لا تقع مستندات الفضائح في يد الثورة.. وهو ما يعني أن التنظيم الذي كان عليه الحراسة والحماية هو الذي قام بإشعال الحرائق والتحريض علي الفوضي..ليصبح أعضاؤه ورموزه ورجاله متهمين بالخيانة العظمي.
ولم تكن السياسة الخارجية بعيدة عن التوريث..فمغازلة إسرائيل.. والاستسلام لها.. والتحالف مع الولايات المتحدة.. والحرص علي إرضائها.. كانت كلها عربونا دفع مقدما لتزكية الوريث.. والموافقة علي قبوله.

7
علي الجانب المعارض كانت قيادات الجيش تقف رافضة ومتحفزة لضرب النظام الجمهوري في مقتل وتحويله إلي نظام ملكي تسيطر عليه عائلة تتحكم في مصيره وثرواته فيما يعرف
بالأولجاركية.
ولاشك أن هذه القيادات شعرت بالقلق من سيطرة طبقة رأسمالية ثرية علي الحكم ممثلة في رجال أعمال يتحمسون للتوريث ويروجون له.. وغالبيتهم ينتمون لطبقة وسطي صعدت بالتعليم والانضباط سلم السلطة في المؤسسة العسكرية الضامنة للشرعية والمدافعة عنها والمضحية في سبيلها.. وكان ذلك يمثل تناقضا حاداً بين الطرفين عبر عن نفسه في حوادث كان من الصعب إخفاؤها. كان مجلس الوزراء يناقش بحماس خصخصة بنك القاهرة ضمن خطة القضاء علي القطاع العام وبيعه لرجال الأعمال برخص التراب كي يشردوا عماله فيما عرف بالمعاش المبكر ويعيدوا تقييم ما يملك من أراض بأسعار السوق المرتفعة وينفخوا فيه بعضا من روحهم علي أن يبيعوه مرة أخري لمستثمر أجنبي بأسعار مضاعفة يصعب تصديقها.
كان المثال علي ذلك مصانع الأسمنت التي اشترتها عائلة ساويرس وأضافت إليها ما جعلها
تبيعها بأكثر من ستين مليار جنيه لم تدفع عنها ضرائب بحجة أنها متداولة في البورصة.
غضب المشير حسين طنطاوي من وضع عملية بيع بنك القاهرة علي جدول الأعمال قائلا لرئيس الحكومة وهو يخبط بيده علي المائدة: " اقلب "..
في إشارة منه لغلق الموضوع قبل فتحه.. وعندما أبدي بعض الحاضرين دهشتهم اضاف: " قلت اقلب ".. واسترد قائلا: " فاضل تبيعوا الشعب المصري ".. وكان من حسن حظ وزير الاستثمار وقتها محمود محيي الدين أنه كان خارج البلاد..وعجز زميله يوسف بطرس غالي في الرد نيابة عنه.. وتعودت القوات المسلحة أن ترسل ببعض منتجاتها لإطعام المجلس خلال انعقاده.. لكن..شهية الوزراء هذه المرة لم تكن علي ما يرام.. وفيما بعد عدلت الحكومة عن خصخصة بنك القاهرة في انتصار مفاجئ غير متوقع.
الوحيد الذي بدا متحمسا لما فعله المشير كان وزير السياحة في ذلك الوقت ممدوح البلتاجي
الذي اقترب منه قائلا: " تصرفت كأسد يا فندم ".
والحقيقة أن قيادات الجيش العليا كانت تنظر إلي مجموعة جمال مبارك نظرة لا تخلو من
الاستهانة.. وكأنهم مجموعة من الصغار وضعت المقادير مصير الأمة في يدهم عبر حالة عبثية لا يرضي عنها تاريخ مصر الضارب في العمق ولا جغرافيتها التي فرضت موقعا مؤثرا فيما حولها.
وكانت الخطابات الرسمية التي يرسلها وزراء جمال مبارك إليها.. وتحمل كلمة " عاجل " توضع في مفرمة الورق دون الاطلاع عليها.
وفيما بعد كشفت رموز التوريث عن نية دفينة في استعمال أساليب الثورة المضادة.. ولسنا في حاجة إلي إعادة ما فعل مجموعة رجال الأعمال تمويلا وحشدا وتحريضا للبلطجية في الهجوم علي شباب ميدان التحرير فيما عرف بموقعة " الجمل " أو موقعة " الجحش ".
وما إن منع أحمد عز ــ الذي تسبب بما فعل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ــ من السفر تمهيدا لمحاكمته حتي استغل حصانته في تجميع نحو 5 آلاف شخص مدججين بالسلاح يحيطون ببيته الريفي في سرس الليان (المنوفية) وكأن هذه الميليشيات كانت جاهزة لتلعب دورا إذا ما فكر في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية لو سمحت الظروف بذلك.. فقد كان طموحه يتجاوز الفضاء.

8
ولو كان جمال عبد الناصر بكل الكاريزما الطاغية التي يتمتع بها حكم 14 سنة ولو كان أنور
السادات بكل ما يملك من قدرة علي المناورة حكم مصر 11 سنة فإن حسني مبارك نجح بأسلوب الطيران المنخفض الذي لا يرصده الرادار في حكم مصر نحو 30 سنة.. ويكاد أنصاره وخصومه يجمعون علي أنه اتبع سياسة سهلة وبسيطة في الحكم.. سياسة فرق تسد.. فكل شخص قريب أو بعيد له عفريت يواجهه.. وعدو يحاربه.. وخصم يعانده.. والحصيلة رصيد من العداوة والبغضاء يصب في مصلحة الرئيس.
وانتقلت السياسة ذاتها من الأفراد إلي الجماعات والمؤسسات.. فالصحفيون منقسمون علي أنفسهم.. والقضاة.. وأساتذة الجامعات..والنقابات العمالية.. والأخطر.. انقسام المجتمع
نفسه طائفيا بين مسيحيين ومسلمين.. بين علمانيين ومتدينين.. وكانت النتيجة حروباً أهلية..
تستهلك الوقت والجهد وتضاعف من مشاعر الكراهية حتي أصبح الوطن كله في حالة نادرة من الغضب الذاتي.
ويمكن القول إن بذور الخلاف جري تنميتها بين وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ومدير
المخابرات اللواء عمر سليمان.. وحدث أن اشتكي أحمد شفيق وهو قائد سلاح الطيران وزير الدفاع لدخوله السلاح بصورة فجائية.. فكان أن وجدها مبارك فرصة لخلق مسافة بين الرجلين يمكن أن يلعب فيها.
وبسبب سيادة هذا النمط السلبي من العلاقات سيطر الفساد والنميمة والأنانية وفقدان الثقة
والاتهامات الجاهزة علي الشعب كله.
لكن.. كل هذه السلوكيات اختفت تماما مع الثورة.. فلم تقع حادثة تحرش جنسي لا داخل
تجمعات المظاهرات ولا خارجها.. ومع اختفاء الحراسة علي الكنائس لم يقع اعتداء واحد عليها..
وسجلت أقسام الشرطة علي ضعفها اختفاء جرائم السرقات والقتل والنشل.
ويروي الدكتور حسام عيسي أنه شاهد بنفسه شيخا فقيرا يبدو عليه أن لم يمسك بيده مبلغا
يصل إلي مائة جنيه سلم محفظة نقود بها الألف جنيه ولم يطلب نصيبه من المكافأة القانونية..
وكانت هناك أشياء ثمينة أخري تنتظر أصحابها..
وقبل أن يرحل الشباب من ميدان التحرير أصروا علي أن يتركوه نظيفا.. إن الناس علي دين ملوكهم..وقد سقط ملك مصر من علي العرش بثورة نظيفة طاهرة شاركت فيها الأمة فولد وطن يحمل كل صفاتها.

9
وما حدث ثورة شعبية تجاوزت ما سبق من ثورات.. وقد حاولت مجموعة من قضاة المحكمة
الدستورية العليا إقناع رئيسها المستشار فاروق سلطان بأنها تجب ما قبلها من قوانين ودساتير
وبرلمانات وأنهم لو أعلنوا ذلك سيساهمون في حل أزمة الوقت التي وضعها النظام عقدة في منشار لترقيع الإصلاحات علي ما هو قائم لكنه رفض.
ولو كان الشعب قد أسقط شرعية الحكم فإنه قد سلمها إلي الجيش.. حامي الشرعية.. وحافظها.. والمدافع عنها.. ورغم سعادة الشعب بذلك فإنه هناك من صور ما حدث علي أنه
انقلاب عسكري.. وهو أمر يسهل الرد عليه.
إن الانقلاب العسكري تقوم به مجموعة من الضباط تستولي به علي السلطة لتحكم وتبقي في
مركز الحكم.. لكن.. ثورة 25 يناير ثورة قام بها الشعب.. وحافظ عليها بتسليمها إلي الجيش..والجيش من جانبه أعلن أنه سيبقي في مكانه حتي يشرف خلال فترة محددة علي الانتقال السلمي للسلطة ويعود إلي ثكناته حاميا للوطن ومدافعا عنه.
والمؤكد أن الجيش وافق علي النزول إلي الشارع بعد انهيار الشرطة بشرط محدد ألا يطلق رصاصة واحدة.. فالنار لا تفتح من أسلحته إلا علي أعداء الوطن.. ولا يمكن أن تصيب فرادا واحدا من أبناء الوطن.
وأغلب الظن أن الرئيس لم يجد مفرا من التنحي وكلف نائبه بإذاعة بيان الخروج في كلمات
محدودة.. اختفي معها عمر سليمان أيضا.. فإذا لم يكن هناك رئيس فكيف يكون له نائب ؟
وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا حلقت طائرتا هيلكوبتر في اتجاه نادي هيلوبوليس الذي كان
مغلقا.. وأغلب الظن أنهما حملتا أفراداً من عائلة الرئيس إلي مطار ألماظة.. حيث أقلعت أول طائرة من طائرات عائلة الرئيس في الساعة الثانية و11 دقيقة.. لحقت بها الطائرة الثانية بعد 7 دقائق.
في نفس الوقت في شرم الشيخ كانت الكلاب البوليسية قد ظهرت أمام الفنادق وعلي جانبي
الطرق الرئيسية.. وشوهد أفراد من الحرس الجمهوري بملابس مدنية ينتشرون في أماكن جري تحديدها بدقة عبر خطة محكمة للحماية.
وفي الوقت الذي كان فيه عمر سليمان يلقي بيان التنحي كان الرئيس يستقل الطائرة الثالثة التي أقلعت من مطار ألماظة ــ وسط إضاءة خفيفة ــ في الساعة السادسة إلا ثلاث دقائق.
وظهرت في المياه القريبة من فندق حياة ريجينسي مدمرة من البحرية تظهر عادة كلما
تواجد الرئيس في شرم الشيخ.. ووضعت سيارات عسكرية غير مدرعة بالقرب من «مارتين
الجولف».. حيث يقيم الرئيس عادة.. ويتردد أن له هناك ثلاث فيللات له ولولديه.. والمنتجع كله ملك حسين سالم.
وحسين سالم كان رجل مخابرات سابق.. قضي بعضا من سنوات خدمته ــ وقت رئاسة أمين هويدي للجهاز ــ في دبي.. وفور اغتيال أنور السادات كشفت الصحافة الأمريكية عن تكوين شركة لنقل السلاح تضمه هو والمشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وضابطاً سابقاً في الجيش منح توكيلات أسلحة هو كامل عبدالفتاح بجانب شخصيات أخري منها مبارك نفسه.. واتهمت الشركة بأنها وهي شركة غير أمريكية تنقل بضائع أمريكية تسدد فواتيرها من المعونة الأمريكية.. وبقي بعض من الشركاء مطلوبين للقضاء الأمريكي حتي سوي الأمر حسب القانون الفيدرالي.
وهناك من يؤكد أن سفر مبارك إلي شرم الشيخ كان نوعا من التغطية علي رحيله إلي سلطنة عمان وأنه سمع بخبر تنحيه وهو في الطائرة.. والمعروف أن السلطان قابوس بن سعيد علي علاقة طيبة بمبارك وكان دائم التردد علي شرم الشيخ حيث وضع اسمه علي شارع من شوارعها.. كما أن مبعوثه الشخصي عمر الزواوي كان في مصر قبل التنحي بخمسة أيام.. دون إعلان.. ما أعلن عنه هو زيارة وزير خارجية الإمارات.. وهي الدولة التي طلب مبارك من صدام حسين قبل غزو العراق أن يذهب عليها حماية لشعبه من الدمار.
ولعائلة مبارك في عمان 3 بيوت والكل يذكر أن جمال مبارك قضي شهر العسل هناك.
ويصعب علي مبارك وعائلته اللجوء إلي دولة أوروبية ــ غير بريطانيا ــ فقوانين هذه الدول تمنع إيواء الحكام المتهمين بجريمة قتل أفراد من شعوبهم.. وهي التهمة التي يمكن أن يقدم بها مبارك للمحكمة الدولية بعد قتل 310 شباب من شباب الثورة.
كما أن أمواله هو وعائلته يمكن أن تجمد فلا يجدون ما ينفقون منه.. وأتصور أن هذه اسباب
إضافية لتمسك مبارك وتشبثه بالسلطة.

10
أكثر الخبراء تفاؤلا يتوقعون ألا تقل الفترة الانتقالية التي يظل فيها الجيش في الحكم ما
بين عشرة أشهر وسنة.. ستبدأ الإجراءات بتشكيل حكومة مهمتها تسيير شئون الحياة
اليومية.. ومتابعة التحقيقات التي تجري لتحديد الجناة الذين أطلقوا النار علي المتظاهرين.. ومتابعة التحقيقات التي تجري مع رموز من السلطة السابقة اتهمت بالفساد..
ومن المتوقع أن تتسع دائرة المتهمين.. فشبكة الفساد كانت شبكة جهنمية.. ولكن السؤال
الصعب: إلي أي مدي ستصل التحقيقات ؟..
هل لو وصلت إلي أفراد من عائلة الرئيس سيأتون للتحقيق ؟
والخطوة الثانية هي خطوة تعديل أو تغيير الدستور وهي خطوة لا يجوز الاستهانة بها فهي
التي ستحدد شكل النظام السياسي القادم.. نظام رئاسي علي الطريقة الأمريكية أم نظام برلماني علي طريقة أغلب الدول الأوروبية أم نظام يمنح صلاحيات لا بأس بها لرئيس الجمهورية مع تشكيل الحكومة عبر أغلبية تأتي من انتخابات برلمانية كما هو الحالة في التجربة الفرنسية وهي علي كل حال الأقرب إلينا.
وما إن تنتهي لجنة الدستور ــ مهما كانت تسميتها ــ من عملها حتي يجري الاستفتاء عليه خلال شهرين.. لتجري انتخابات برلمانية جديدة طبقا لمواد الدستور التي تنظم قوانين الممارسة السياسية.. وهذه الانتخابات في حاجة إلي شهرين أيضا لنصل إلي الخطوة الأخيرة وهي الانتخابات الرئاسية بالشروط المختلفة التي سينص عليها الدستور.. وهي الأخري تحتاج إلي شهرين علي الأقل.
ولأن الأمور في هذه الحالة لا تجري وكأنها جراحة بالليزر فإننا نعطي مهلة إضافية شهرين
إضافيين.

11
لقد عشت وشفت مصر تسقط حاكمها بنفسها..وعشت وشفت رئيسا سابقا علي قيد الحياة..
وعشت وشفت الوطن يتجه نحو الجنة المفقودة..ويقطف الثمرة المحرمة.. الديمقراطية.
تحيا الحرية.. تحيا مصر.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا