صعلوك مدينة الملح من جحيم دانتى إلى بوابة يوتوبيا
رأي قدرة البشر على تحقيق الجحيم على الأرض فأدرك أن الجنة أيضا يمكن تحقيقها على نفس الأرض
في النهاية هي مصر التى لا تريد أن يقول لها أحد كفي
هذا الرجل هو مصر التى اكتوت بنيران ناصر الذي صدقت ثورته في الخمسينات ولعنت تبريرات هزيمته وزوار فجره في الستينات وهو مصر التى عشقت الألم في السبعينات وصدقت أنها مرت من الأزمة فبادرها السادات بسلسلة العلاج بالصدمة فخرجت صارخة لكنها وجدت نفسها تحت أقدام العسكر متهمة بالسير في إنتفاضة الحرامية
هو لا يتغير ويصر على أن يشرب من نفس النهر لا مرتين فقط ولكن مرات ومرات وكل مرة يحلم بأن تغييرا يحدث لكن التغيير الوحيد الذي أصابه هو قلبه الذي مرض وأن وتوجع مثلما تأن كل مصر ، كل ما حدث أن الطبيب كتب الروشتة لكنه لم يجد في جيبه الثمن تماما حاله حال مصر التى شخص مرضها ألاف المرات وكتب الطبيب روشتته على حجر المعابد وبقلم الكوبيا والرصاص وبالقلم الجاف وتواصلت الروشتات إلى أن كتبت على أجهزة الكمبيوتر لكن ليس هناك من يشتري وليس هناك من هو على استعداد لدفع الثمن
سؤال مازال يحيرني ، هل صلاح السايح كأب سعيد بأدهم الذي يعشق التظاهر ويدمن الهتاف ويستعذب الجلوس في صندوق سيارة الشرطة؟
أدهم سعيد فهو في النهاية يمارس الحياة وحق الإعتراض ولو بالصوت الذي يخرج في النهاية مشوشا مخلوطا بصوت أقدام العسكر الثقيلة وأصوات صفارات الإنذار وبينه وبين أذان تسمع براح يكرهه تماما مثلما يكره أهل الصحراء الحدود والأسلاك الشائكة
أما صلاح السايح الذي هتف لناصر ثم هتف ضده وبكي فرحا بنصر أكتوبر ثم دهسه الإنفتاح وحرمته ظلمة زنازين إنتفاضة الحرامية من النور وخرج يهتف من جديد لكن هتافه أصبح هتافا من أجل الهتاف إلى أن اختصروه تماما في مسرحية يخرجها أنصاف الموهوبين على مسرح لا يراه أحد سوى موظفيه
حتى رحابة القاهرة التى يبيعون فيها قشر اللب فيحققون الأرباح أبت التعاطف مع السايح فبات يتنقل بين سكنه المجهول ومدينة الإنتاج يبحث عن مشهد يؤديه أمام بطل فاقد الموهبة لكنها مصر التى لا تريد لأحد أن يقول لها كفي
صلاح السايح لابد أنه سعيد بأدهم فهو أصابع الزمار التى تلعب حتى بعد موته وهو آخر لحن يحاول صلاح السايح أن يعزفه قبل أن يحتج قلبه العليل
لكن شئ من الخوف ينتابنى على هذا الشاب الغض الذي صارت صورته تطالعنى كثيرا أينما ذهبت ، شعرت أنه شقيق لخالد سعيد عندما وجدته يهتف من اجله وحمدت الله أن الإبن كأبيه لا يهوى التعطر بالمسك وأيديولوجية الحاكمية لله
مثل والده عندما رأي قدرة البشر على تحقيق الجحيم على الأرض أدرك أن الجنة أيضا يمكن تحقيقها على نفس الأرض لذلك لا يمل المطالبة بالخروج من جحيم دانتى إلى باب يوتوبيا الواسع
هناك ما يحيره ويحيرني ويحير الجميع ، لماذا تخرج جنازة نصر حامد أبو زيد دون وجود أحد من الدولة التى شرفها في كل مكان ولماذا لم تكلف الدولة ومسؤليها مشقة تقديم واجب العزاء لأسرة خالد سعيد ولماذا أصبح تقديم العزاء في شقيق بوتفليقة الذي أهان كل مصر واجبا ...
لماذا أصبحت أسعار السجائر هكذا بينما هو يعد قروشه القليلة ونعدها معه لإستكمال ثمن علبة سجائر تعيسة الصنع تشبه إلى حد ما السجائر فقررت الدولة أن ذلك ترفا غير مستحق وخافت على صحة صلاح السايح وإبنه فقررت منعهم مستخدمة ادوات السوق التى لا نعرف لغة التعامل معها
لكن ما لا يفهمه لماذا تزيد أسعار الطعام ، هل لأنه أصبح ضارا بالصحة أم لأن هناك مخطط حكومي لتحويلنا جميعا إلى غاندي الذي يسير مصطحبا معزته الأثيرة يشرب لبنها ويحيك ثيابه تحت شعار صنع في مصر
السايح يشعر منذ مدة طويلة أنه أصبح ضيفا ثقيلا على مصر التى تحاول إفهامه ذلك تلميحا وليس تصريحا فدست الدبابيس في المكنسة وتحججت بان السكر غير موجود كي لا تقدم له الشاي فربما يرحل باحثا عن كوب الشاي الأسود عند مضيف آخر لكنه مازال لا يفهم فهو لا يعرف أرضا سواها مثلنا تماما كما أنه استودعها إبنه ويخشى أن يلاقي من كرم الضيافة مثلا ما لاقي على مدار سنوات عمره
صلاح السايح الذي أدمن دور الضحية على مسرح الأحداث وعشق القيام بدور الصعلوك في مدينة الملح دون أن يملك اختيار دورا بديلا لا يزال يحلم ونحلم جميعا معه بلحظة يلعب فيها دور البطولة في مسرحية لم تكتب كل فصولها بعد ولم ينهض كاتبها عن أوراقه فهل يستجيب الكاتب ويخرج من جحيم دانتى إلى بوابة يوتوبيا
نحن نحلم بالجنة على الأرض ونطالب مع السايح وإبنه بالجنة الآن ولا نريد تأجيلها إلى ما بعد الموت ونجادل بأننا سددنا الفاتورة كاملة مع كل الفوائد المترتبة على تأخير السداد وعندما نطأ باب هذه الجنة فلن يخرجنا منها أحد سواء وعدونا بجنة أبدية أو بجنة أخرى جعلت للمتقين ،نريدها واقعا نعيشه لا وعدا ننتظره ووصفا في كتاب ...
من ججيم دانتى إلى بوابة يوتوبيا طريق طويل لا نعرف كنهه لكننا نعرف أنه ليس معبدا لكننا نقبل بهذا الطريق وصولا إلى يوتوبيا التى تخلص صعلوك مدينة الملح من رحلته التى لا تنتهى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق