بعد وقفة الحداد الثالثة على خالد سعيد : التظاهر على أوراق النقد
حملة المليون ورقة فلوس التى أطلقها رفاق خالد سعيد بدأت
لا ندري ما هو شكل الإعتراض القادم لكنه سيكون جديدا
في مصر نخشي كل جديد وما لا نعرفه هو الخطر عينه لذلك أصبحت الدولة أعصابها مكشوفة دون غطاء من جلد يغطيها تثيرها نسمات الهواء فتصبح دولة عصبية متوترة عنيفة تحاول أن تخفي قلة حيلتها بمزيد من العنف والصوت العالي
الدولة راهنت من البداية في قضية خالد سعيد على فرس رهان خسران وتوقعت أن بيان الداخلية الذي كتب بلغة ثورة يوليو قادر على التعامل مع أصحاب ثورة الفيسبوك وتويتر فكانت النتيجة أنها قدمت لهم دليل الإدانة على طبق من ذهب
والدولة عندما جيشت قواها الأمنية لتواجه غضبة الفيسبوك نست أنها مثل ديناصور كبير جدا قوي جدا لكنه لفرط قوته وحجمه الضخم يعاني صعوبة في الحركة وبطء في اتخاذ القرار وهو ما ادركه شباب الفيسبوك وتعاملوا معه كما يتعاملون مع ألعاب الفيديو جيم فالدولة تلعب معركتها خارج ارضها وعلى ملعبهم والمعركة في النهاية تدور على الإنترنت بأكثر مما تدور على أرصفة الشوارع
في البداية تعاملت الدولة مع مظاهرات الفيسبوك التى نزلت إلى أرض الواقع بالطريقة المعهودة ، اعتقالات سريعة وتفريق وعنف ثم سحل وإلقاء على طريق الأوتوستراد لكن رواد الفيسبوك ابتكروا شكلا آخر حير الدولة كاملة ، مظاهرات اللون الأسود ، فجأة اكتسي الكورنيش في كل مكان بشباب وأعمار مختلفة لا يفعلون شيئا سوى أنهم يرتدون الحداد ويمسكون بقرآن وانجيل ويعطون ظهورهم للشارع معبرين عن غضبهم
أصبح على الدولة أن تتدخل بطريقة لم تعهدها من قبل لكن لأنها تتحرك كديناصور أو ككمبيوتر عتيق أصابه فيروس حديث الإصدار فقد تحركت التحرك الوحيد الذي تعرفه فبدأت تنهر الشباب وتحاول تفرقتهم وهؤلاء الشباب كانوا أكثر من مستعدين ولديهم تعليمات محددة بأنه إذا طلب منهم أحد التحرك فعليهم التحرك بالفعل ولكن إلى مكان آخر وهكذا أصبحت مهمة قوات الشرطة هي تحريك لابسي السواد من مكان لآخر بينما من منوط به ذلك الأمر هو جندي يرتدي هو الآخر السواد فبدأت السخرية المرة تظهر على صفحات شباب الفيسبوك عندما قالوا أن عساكر الأمن المركزي متضامنون معهم بلبس السواد
كل مرة جديد وكل مرة شأن آخر فحل البرادعي ضيفا على أم الشهيد في الإسكندرية بينما أيمن نور يصلي في سيدي جابر وفي انتظار وقفة على طول الكورنيش في الخامسة وأصبح على قوات الأمن أن تؤمن زيارة البرادعي وتحتاط للمظاهرة المنتظرة من سيدي جابر ثم تتحرك مسرعة على طول الكورنيش لتشتت الشباب الذي يرتدي السواد بينما هي تعلم جيدا أن وقفاتهم واحتجاجاتهم مذاعة على الهواء عبر الموبايلات واسطح المنازل وكان معنى ذلك أن هؤلاء الشباب وضعوا كل قوات الأمن في حالة عمل وحركة واستعداد لأكثر من 72 ساعة متصلة وهي فترة كافية لإرهاق أي جهاز أمن لا يجد الوقت ليتناول طعامه
الأكثر اثارة أن هؤلاء الشباب كانوا يغيرون أماكن الوقفات على الهواء مباشرة عبر رسالة من مكان الحدث على الفيسبوك أو تويتر وكان على الدولة أن تفتح كمبيوترها العتيق وتنتظر التعليمات من أدمنز جروبات الشباب وتحول الأمر إلى رد فعل سريع وعصبي طوال اليوم
إنقضى اليوم وعاد العسكر إلى ثكناتهم منهكين يلعنون الفيسبوك والشباب ومخبري قسم سيدي جابر الذين جلبوا لهم كل ذلك لكن مرة أخرى وقبل أن يشعروا بالراحة بدأ الإعلان عن موعد الوقفة الإحتجاجية على صحف الحكومة وتحديدا جريدة الجمهورية التى تناول رئيس تحريرها الأمر برمته بسخافة وقلة حرفية لا تتناسب مع المكان الذي يشغله وسقط في مجموعة أكاذيب كان من السهل تفنيدها فعدد المتظاهرين لم يكن 400 كما ذكر ثم تورط في الحديث عن وجود بثينة كامل الإعلامية المعروفة وقيامها بمنع المصلين من الصلاة في سيدي جابر بينما الثابت أنها كانت في القاهرة وكان جزاءه مظاهرة هتاف وسباب وحصار شبابي لمقر الجمهورية وقضية سب وقذف من بثينة كاملة وأصبحت فضيحته لا حد لها ومرة أخري كان على الشرطة أن تتدخل وتحيط بمظاهرة التنديد بجريدة الجمهورية التى في النهاية لا يقرأها أحد لكنها وضعت نفسها بإرادة رئيس تحريرها موضع الغضب وضرب الرجل بقلمه حيث يسكن إبليس
أصبح معلوما أن شباب الفيسبوك منح الحكومة والدولة واجهزة الشرطة أجازة لمدة أسبوع قبل الوقفة الحدادية الثالثة لكن فجأة تكهرب الجو مع إعلان على صفحة كلنا خالد سعيد عن وجوب وجود كل المؤيدين للقضية على الصفحة في تمام التاسعة لأمر هام وجديد على مصر كلها سيشارك فيه الجميع دون مخاطر ، وكلمة دون مخاطر كلمة تعجب المصريين ومستخدمي النت لذلك تواجد عدد كثيف بالفعل من المستخدمين والمتعاطفي ورجال الأمن بطبيعة الحال ولابد أن دهشتهم كانت هائلة بقدر خوفهم عندما تم الإعلان عن حسابات 400 ضابط شرطة على الفيسبوك وطلب ادمن الصفحة من المتعاطفين إضافة رجال الأمن كأصدقاء وفتح حوار معهم وهو الحوار الذي استمر يومها إلى الصباح وكان لا شكل مزعجا لكل رجال الأمن الذين فوجئوا بأنهم مستهدفون في حساباتهم الشخصية ولا يملكون دعما من الأمن المركزي على الفيسبوك إضافة إلى أن الشباب بدأ ينشر أسماء وحسابات مخبرى الأمن الموجودين على صفحات الفيسبوك ممن يحاولون اجهاض الأمر وكانت المعركة بطبيعة الحال في صالح شباب الفيسبوك لأنهم متمرسون أكثر في هذه الجبهة
هدأت الأمور في انتظار الوقفة القادمة 9 يوليو التى أعلن عن موعدها في السادسة والنصف مساء وظلت حالة الطوارئ معلنة على صفحة خالد سعيد إلى وقت قريب إلى أن أعلن عن أماكن الوقفات الإحتجاجية وانتظر الجميع رد فعل الدولة
كنت أتخيل أن الدولة ستتعامل مع الأمر بهدوء هذه المرة ففي النهاية الأمر ألقى في ملعب القضاء والمحتجين فقط سيرتدون السواد ويمر اليوم دون تحرش أو مشاكل ولا ضير أن ترتدي مصر السواد يوما لكن الدولة خاصة في الإسكندرية كانت مستعدة بشكل غير مسبوق كما لو كان اللون الأسود خطرا عليها فأصبحت مصر كلها مطالبة بلبس ألوان مختلفة عن اللون الأسود وأصبح تحرش الأمن باللون الأسود واقعا يعيشه أهل مصر إجمالا والإسكندرية خاصة ، الكاميرات والموبايلات تستفز الشرطة والتصرفات عدائية والشباب مصرين على إنجاح الوقفة المحدد لها ساعة واحدة لكن الأمن لا يريد أن تتم الوقفة
الشباب من جانبهم أطلقوا حسابا على موقع تويتر لإبلاغ الأخبار وتبليغ رسالتهم للعالم أجمع بصرف النظر عن وجهة نظر الدولة الرسمية التى تتحدث عن الإستقواء بالخارج و الإساءة لسمعة مصر فسمعة مصر تم الإساءة لها فعلا وتحولت حفلة استقبال السفارة المصرية في امريكا لمناسبة عرض فيها مصريون المهجر قضية خالد سعيد على جميع ضيوف حفل الإستقبال شاكرين للسفير أن اصر على تنظيم الحفل الذي اتاح لهم فضح كل شئ
نعود لتحرش رجال الأمن بلابسي السواد والذي تم بعنف وبكثير من الغلظة وكانت النتيجة احتكاكات تم تصويرها وتوثيقها ومزيدا من الإحتقان ورغم كل ذلك لم ينفض السامر إلا في الموعد المحدد لكن مزيدا من الإحتقان خيم على الأجواء وكان الفيسبوك مرة أخرى فرصة لطرح الأفكار والإستعداد لمزيد من التحرك وكانت بداية التحركات هي اتاحة برامج تستطيع استعادة الصور والفيديوهات المحذوفة بفعل الشرطة عن موبايلات الناشطين وما بذل رجال الشرطة الجهد لمحوه عن الموبايلات يتم استعادته في لحظات فالتكنولوجيا تقف إلى جانب مؤيديها لكن مزيدا من الحراك كان قد بدأ
رجال الشرطة كانوا قد ارتاحوا إلى فكرة أنهم (أرهبوا المتظاهرين والواقفين ) لكن مفاجأة أخرى كانت في انتظارهم فبعد التظاهر على الفيسبوك وتويتر وبعد المظاهرات في سيدي جابر وكل مكان حتى امام وزارة الداخلية جاء الدور على التظاهر عبر أوراق النقد
البداية كانت عبر فكرة طرحت مساء الجمعة 9 يوليو وهي ببساطة تطالب بشكل جديد من التظاهر لا يمكن التعامل معه وتم التوصل إلى أن هناك من المصريين من لا يعرفون شيئا عن ما يحدث سوى أن الشرطة لا تحب اللون الأسود واستقر الأمر على أن مصر كلها يجب أن تعرف سر اللون الأسود وقضية خالد سعيد وفي النهاية نشر الإقتراح وجري حوله استفتاء سريع ثم تمت الموافقة عليه وبدأت حملة المليون ورقة فلوس
أول ورقة مالية في الحملة
هذا هو الإسم الذي اختاروه لمظاهرة أوراق النقد والتى قدموا للفكرة بقولهم:
طالما بيحاولوا يضطهدونا حتى في صمتنا .. هنتكلم على ورق الفلوس اللي بتطير بين الناس .. رسالتنا هي: لا للطوارئ .. لا للتعذيب ... البلد دي بلدنا ... ولازم نقدر نكتب على مليون ورقة .. كل واحد يكتب على ١٠٠ ورقة معاه .. ويبدأ ينشرها .. اكتب على الجنيه والخمسة جنيه والعشرة جنيه .. عشان تتداول أكتر ويشوفها الناس
العبارات المختارة للحملة
هكذا نقلة نوعية أخري في نوعية الإعتراض وأظنها نقلة مؤثرة فالدولة مهما كانت قوية غاشمة لا تستطيع أن تصنف الأموال ولا أن تجزم بأن هذا الجنيه شيوعي أو أن هذا الجنيه أخواني تماما كما لا تستطيع أنت أن تحدد إذا كان هذا الجنيه حرام أو حلال ففي النهاية أنت مجبر على استخدامه
نتيجة الإستطلاع حول حملة المليون ورقة فلوس
بهذه الطريقة فإن رسالتهم ستصل إلى الكثيرين وبدلا من قراءة تحيات عيد الميلاد وكلمات (الحب الخالد والذكري الخالدة) ستقرأ كلمات من نوعية ( قانون الطوارئ،التعذيب، خالد سعيد)
الدول عندما تضيق على الناس كل منافذ الحركة فإنها لا تمنعهم من الحركة لكنها فقط تدفعهم لإبتكار وسائل أخري ودائما الأفكار كانت تجد طريقة لتصل إلى بنى البشر كل ما في الأمر أن طريقة الوصول مختلفة وهذه المرة فرسالة خالد سعيد ورفاقة ستصل إلى كل مصر وستصل إلى ضابط الشرطة عندما يقبض راتبه كما أنها ستصل إلى وزير المالية الذي لابد سيفكر في طريقة لإجهاض الأمر سواء عبر سحب الأوراق المكتوب عليها أو حظرها وهو تفكير لن يكون مفيدا ففي النهاية يبدو أن جماعة الفيسبوك واسعة الحيلة والخيال وكل يوم تأتي بجديد
منعوهم من لبس السواد حتى لا يراهم أحد فبعثوا رسالتهم إلى الجميع عبر الشئ الوحيد الذي لا يمكن الإستغناء عنه ولا حظره ...إنه أوراق النقد
هذه المرة لن تصلح التحركات البوليسية وعمليات الأمن الخاطفة ولن ينزع فتيل الأزمة سوى شئ واحد أحجم الجميع عن التعامل معه من البداية : العدل
نعم فقد كان هناك إغتيال غير عادل لخالد سعيد حيا وميتا وكان هناك إفتراء ممنهج من صحفيوا الدولة ومقدمي برامج التوك شو اللذين انتهت صلاحيتهم مع بداية قضية خالد سعيد
هل معنى ذلك أن هناك عدلا منقوص ...نعم هناك عدل منقوص منذ البداية وإذا كانت ممارسات الشرطة مرفوضة من قبل المجتمع فإن ما يؤول له الوضع يجب أن يكون مرفوضا أيضا فنحن في حالة من حالات صراع الإرادات وما أخشاه أن يحقق أحد الأطراف نصرا كاسحا كأن تنتصر الشرطة في معركتها ضد ناشطي قضية خالد سعيد ووقتها ستتحول مصر كلها إلى قسم سيدي جابر كبير ، أما لو حقق ناشطي خالد سعيد نصرا كاسحا فإن معنى ذلك أن الشرطة ستتحول إلى شرطة تمارس عملها بأيدي مرتعشة
تماما كصراع الإرادات في قضية المحامين والقضاة لو قدر لأحدهم أن ينتصر في صراعه نصرا كاسحا فإن كل أطراف العملية القضائية سيخسرون ، تماما ككل صراع يصل إلى مداه ويصبح النصر فيه بثمن الهزيمة
الحل الوحيد المنطقي والقابل للتفعيل هو نزع فتيل الأزمة، الناشطين يقولون أن من قدموا للمحاكمة ليسوا فقط هم الجناة ويقولون أن هناك ضغوطا تمارس على الشهود وعائلة خالد سعيد
نفس الشئ ينطبق على خالد سعيد نسخة دكرنس ، وفي عصر لم تعد المعلومات فيه حكرا على إعلام الدولة فإن حجبها يصبح من قبل الخيال لذلك يجب التعامل مع المطالب الشعبية فيما يخص قضية الشرطة والشعب بشئ من الشفافية وشئ من المنطق ، الشرطة لن تخسر إذا اقتربت من المواطن والمواطن لن يرفض أن يري شرطته تحميه قبل أن تحمي نفسها منه
سيكون هناك في الطريق مذنبون وقضايا وأشخاص من الضروري وضعهم خلف القضبان لكن الهيئات النظامية عندما تبتر الأجزاء الفاسدة فيها فإنها لا تزداد ضعفا لكنها تزداد قوة وتكسب مزيدا من تأييد شعبي هي في أمس الحاجة إليه في ظل علاقة لابد أن نعترف أنها أصبحت متوترة بأكثر مما ينبغي وأصبحت تمارس على نطاق شخصي بأكثر مما ينبغي وأصبحت مرشحة للتصاعد بأكثر مما ينبغي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق