الأربعاء، 12 مايو 2010

مصر تقف على الرصيف


مصر تقف على الرصيف


بعيدا عن تظاهرات السياسيين الساعين للشهرة أو عدسات الكاميرات ، وبعيدا عن مهاترات الفضائيات المحكومة بسياسة القناة وصاحبها والتى تمنع أحيانا عرض الحقيقة إبتغاء مصالح خاصة أو اتقاء شر لا نعلمه خرجت الأغلبية الصامتة أخيرا عن صمتها واستوطنت شارعي مجلس الوزراء ومجلس الشوري
المصريين الذين لا يؤمنون بالخير الذي يبشر به البرادعي والحرية التى يشيع أوهامها أيمن نور والكرامة التى لا يحدد الصباحي تعريفا محددا لها ، هؤلاء المصريين استوطنوا شوارع الحكومة الأنيقة وحولوها الى معسكر إيواء واسع لكل من سدت في وجهه أبواب الشكوي بسبب تعنت وزير أو إهمال محافظ

المصريين هذه المرة لا يحلمون برفع قانون الطوارئ ولا بتعديل الدستور ليتيح لبكوات الزمن الجديد الترشح للرئاسة حتى لو كانوا لا يحلمون بها في الواقع ، وهم أيضا لا ينادون بتغيير نظام ولا بالحكم بما أنزل الله على طريقة الإخوان الملتحفين دائما وأبدا بالدين
هذه المرة ليست ككل مرة فهؤلاء لم يخرجوا على قانون ولا يشيعون الفوضي ولا حتى يهددون بأي شئ ، كل ما يطلبون نظرة عطف من معالي الوزير وسعادة المحافظ وزيادة جنيهات قليلة في راتب لا يكفي ثمن العيش الحاف

الأغلبية الصامتة بعد أن أدركت أن نواب المعارضة مثلهم مثل نواب الأغلبية يجيدون التحدث فقط أمام ميكروفونات الفضائيات ويعرفون كيف يعارضون على الهواء لكن مطالبهم التى يصرخون بها لا علاقة لها بالشارع المصري الذي يشاهدونه من خلف الستائر السميكة لسياراتهم الفارهة
مصر تقف على الرصيف تنتظر نظرة عطف وتأشيرة وزير لا تأتي ، وهي تقف تحت المطر بأطفالها ونسائها وتتقي شمس مايو الحارة ببطاطين مهترئة من كثرة ما وضعت في الشارع ، تقتات على العيش الجاف وقطع الجبن و تقضي حاجتها في العراء محتمية بقوات شرطة يبدو أن وزيرها تعاطف بالفعل مع مصر التى تقف على الرصيف فنرى رجال الأمن للمرة الأولي في تاريخ المصريين يمدون المعتصمين بزجاجات الماء ويحرسونهم أثناء الليل من هوام شوارع القاهرة

مصر التى تقف على الرصيف لديها طلبات ملحة لدي وزير التعليم الذي يهوى الزيارات المفاجئة للتفتيش على مدارسه في حين لا يري ذلك الأب الذي يقف على بعد خطوات منه ممسكا بأبنائه المطرودين من مدارسه
مصر التى تقف على الرصيف تصرخ مطالبة بعدالة التعيين في وظيفة لا تسمن ولا تغنى من جوع في مجلس الدولة لشباب قضوا عمرهم يحاولون تحقيق تقدير جيد جدا ليحققوا حلمهم في النيابة والقضاء ومجلس الدولة لكن وزارة كاملة لا تراهم في حين يراهم كل من يعبر الشارع أو يفتح التليفزيون ليتسلي به على العشاء
مصر التى تقف على الرصيف تحاول إقناع محافظ البحيرة بأن أسعار شقق الإسكان الشعبي لابد أن تكون أقل من 90000 جنيه يتخيل أنها مناسبة لتدفعها ممرضة عجوز أرملة وشاب في مقتبل حياته
مصر التى تقف على الرصيف تحاول أن تلفت نظر حكومة مصابة بقصر النظر الى أن مخططات الخصخصة تحولت الى مخططات مرمطة لكل عمال أمنيستو والنوبارية وغيرها وحولت ألاف الى عاطلين في ظل صراع بين رجال أعمال وبنوك تحاول الفوز بجزء من الغنيمة
مصر التى تقف على الرصيف يبدو أنها لن تيأس من وقفتها التى قضي فيها البعض ما يقرب من الشهرين منتظرين أن يخطئ معالي الوزير فيراهم بالخطأ
مصر التى تقف على الرصيف ليست خارجة على النص ولا هي تنازع حزب الأغلبية السلطة ولا تحاول أو تحلم بذلك وهي في وقفتها كانت متحضرة متمسكة بعدم العكننة على المارين في الشارعين بعرقلة المرور وهي وطنية تحب هذا الوطن أضعاف أضعاف ما يحبه الجالسين تحت قبة المجلس محتمين من حر مايو القاتل بتكييفات يدفع ثمن الكهرباء التى تشغلها هؤلاء الواقفين على رصيف المجلس ينتظرون أن يراهم أحد بينما يمر بهم الجميع كأنهم عدم

مصر التى تقف على الرصيف تعلم أن الحل إن كان هناك حل ليس في زعزعة نظام ولا في فرض البرادعي وباقي اللاهثين ولا في وصول حزب الوفد أو غيره الى الحكم فالحل يقبع في مكتب وزير ومحافظ ورئيس وزراء اختار ان يغض البصر عن ما يظنه عورة مصرية يجب أن لا يراها أحد بينما هي في الواقع درة تاج المصريين الذين لا يتظاهرون ويشتبكون مع الأمن منتظرين كاميرات السي ان ان والديلي نيوز والمقابل المادي المعلوم للظهور على شاشات الجزيرة
مصر ستظل واقفة على الرصيف إلى أن يخرج أحد يكلمها ويسألها عن ألمها ويجيب السؤال وفي النهاية كالعادة يجب أن يصل الأمر الى رئيس الجمهورية لأنه في النهاية الوحيد الذي يرى ويسمع في هذا البلد
كلمة أخيرة لابد أن تقال في هذا السياق وهي كلمة شكر أوجهها لرجل يخاف الجميع أن يوجهوا له كلمة شكر حتى لا يتهموا بالعمالة له ، هذا الرجل هو وزير داخلية هذا البلد الذي استطاع أن يفرق بين التعامل الخشن مع الممولين من الخارج والتعامل اللين الآدمي مع أناس يستوطنون شارعي الحكومة لأنه يدرك أن هؤلاء مصريون مطالبهم مطالب مصرية بينما نعلم ويعلم أن هناك آخرين لا يقومون سوى بتبنى أجندات خارجية يحاولون قدر طاقتهم أن يجلعوها أزمة تحرق هذا البلد على من فيه

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا