الاثنين، 15 فبراير 2010

المدونة الإيرانية المقدسة



عندما خرجت من السجن قلت لنفسي دعنا ننسى هؤلاء الناس ولا ندعهم يؤذون تفاؤلي، ولكن هذه التجربة لا تزال عالقة بذاكرتي، لا أزال أتذكر الحراس يتهامسون ومفاتيح تفتح باب زنزانتي

بهذه الكلمات يتذكر المدون الإيراني "ميماريان" الفترة التي قضاها في السجن بسبب انتقادات مدونته للسياسات الإيرانية
وهي إشارة لحال المدونات في إيران، فأعداء الكلمة يخافون منها أكثر مما يخافون السلاح، يريدون أن يكتموا الأفواه لكيلا تفصح عما يدور في عقولها، أو ربما يفضلون الهدوء لكي يرتاح بالهم من تعالي هتافات النقد، ليقنعوا أنفسهم أن كل شئ يسير على ما يرام، أو أن كل منتقد إما كافر أو مرتد أو معادي للوطن و للقومية

ولنتذكر كلمات الخميني مرشد الثورة الإيرانية بعد وصوله طهران قادما من باريس عندما اقر مبادئه الثلاث التي تشير إلى أنه كل من يقول لا يعتبر معاديا للملة.. أولا: أن الرأي العام والشعب قد اعترفوا به زعيما للبلاد، ثانيا :انه عين حكومة مؤقتة لإجراء استفتاء، ثالثا: إن معارضة الحكومة التي عينها تعد معارضة لحكم الله

إحياء المبادئ الخومينية
ولقد فاجأتنا السلطات الإيرانية بإحياء للمبادئ الخومينية بعد تولى احمدي نجاد المقاليد، فقد أعلنت السلطات الإيرانية أن كل صاحب مدونة أو موقع شخصي يجب عليه قبل شهر مارس المقبل أن يسجل موقعه أو مدونته لدى السلطات الإيرانية، وإلا سيتم حجب موقعه أو مدونته، ويجب على المدون أن يسجل ذاكرا اسمه وعنوانه والجمهور المستهدف وعدد الزوار المتوقع، وهذا بالطبع لمراقبة وإغلاق الباب على كل المنتقدين للثورة أو الداعين للإصلاح في إيران

مع العلم أن إيران تحتوي على ثاني أكبر نسبة مستخدمين من مجموع شعبها للشبكة الدولية بعد إسرائيل في الشرق الأوسط، كما أن اللغة الفارسية تعد اللغة الرابعة على مستوى العالم من حيث التدوين
الملف الأسود
في يناير عام 2005 تم الحكم بالسجن على المدون والصحفي الإيراني "اريش سيجارتشي" بأربعة عشر عاما لإدانته بجرائم معاداة الدولة الإيرانية وسب الخميني، وتم إطلاق سراحه في 17 مارس 2005 بعد دفع كفالة مقدارها بليون ريال (ما يعادل 95 ألف يورو) تم دفعها بواسطة جريدته جيلان ايمروز

ومن المدونين أيضا "مجتبی سماع نجاد"، والذي تم سجنه مرتين من نوفمبر 2004 إلى يناير 2005، ثم إلقاء القبض عليه مرة أخرى في فبراير2005، وذلك عندما عجز عن دفع الكفالة، وقد وجهت إليه تهمة سب القائد الأعلى للثورة الإسلامية, وظل مجتبي 88 يوما في السجن الانفرادي تعرض خلالها لعمليات ضرب وتعذيب، وقد تم الإفراج عنه في 13 سبتمبر 2006

وفي 27 يناير الماضي اعتقلت سلطات مطار طهران 3 صحفيين يكتبون مقالات على الشبكة الدولية وبعض الناشطين لحقوق المرأة، حيث كانوا في طريقهم لحضور برنامج تدريبي للصحفيين في الهند، وتم تفتيش منازلهم وتحريز أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، وتم الإفراج عنهم في 28 يناير، ولم تسلم أجهزة الكمبيوتر إليهم وأخبرتهم السلطات أن التحقيق سوف يستأنف معهم مرة أخرى
مواقع ممنوعة
غير السجن والاعتقال نجد سياسة حجب المواقع الاليكترونية، ففي تاريخ 5 ديسمبر 2006 حجبت السلطات الإيرانية موقع You Tube الشهير وهو موقع مشاركات فيديو تتم إضافتها بواسطة المستخدم، كما تم حجب موقع جريدة نيويورك تايمز لعدة أسابيع، والنسخة الكردية من الويكيدبيا لعدة أشهر، ومن وقت لآخر يحجب موقع البلوجر Bloggerومن المواقع الممنوع في إيران موقع منظمة العفو الدولية وموقع امازون

وقبل ذلك التاريخ وتحديدا في أكتوبر 2006 وضعت السلطات الإيرانية حد أقصى لسرعة الانترنت وهي 128 كيلوبايت في الثانية

بينما تمت عملية قرصنة على موقع وزارة الإرشاد الإيرانية وهي الوزارة المسئولة عن قرار التسجيل للمدونات وكتب القراصنة (الهاكرز) على موقع الوزارة بالفارسية "لماذا تفعلون شيئا سوف يؤدي إلى ماساة؟"، كما كتبوا أيضا "موقع وزارة الإرشاد الإسلامي قد تم تخريبه، هذا الموقع تم تخريبه نتيجة ضعف الأمان به !، وهو ما جعل البعض يسخر من الوزارة بالإشارة أن الوزارة لا تستطيع أن تحمي موقعها..فكيف لها أن تتكلم عن تنظيم كل المدونات الفارسية

بعض المدونين أيضا أجبروا على ترك اللغة الفارسية في التدوين واستبدالها بالغة الانجليزية، فهذا جادي يقول في مدونته الجديدة "لقد ظللت سنينا أدون في مدونتي الفارسية www.jadi.net ولكن هذه الأيام قد تم حجبها في بلدي ولهذا فعلى أن اكتب هنا بالانجليزية أنه لعار، ولكن التدوين بالانجليزية أفضل من ألا أدون
تكنولوجيا الحجب
لا يكف أحمدي نجاد ورجال الثورة عن سب ولعن الولايات المتحدة في منابرهم، بينما يستخدمون تكنولوجيا أمريكية في حجب المواقع والمدونات من خلال برنامج يسمى سمارت فلتر Smart Filter والذي صممته وطورته شركة سيكيور كومبيوتنج Secure Computing وهي شركة أمريكية مقرها كاليفورنيا

لكن الشركة أنكرت تماما أنها باعت البرنامج للحكومة الإيرانية وأن إيران تستخدمه بغير رخصة من الشركة، وما يؤكد هذا هو وقوع إيران تحت عقوبات الولايات المتحدة الاقتصادية التي تمنع بيع منتجات الشركات الأمريكية إلى تلك الدول الموقع عليها العقوبات

المدونة الإيرانية المقدسة
ولكن ماذا عن مدونة احمدي نجاد؟ .. طبعا أنها مدونة مقدسة لا يشوبها شائبة، وما أن تدخل إليها حتى تجد تعليقات التمجيد والتعظيم لصاحبها أحمدي نجاد، ولا نجد نقد واحد لكاتب المدونة، أو بشكل أصح لا شك أنه قد أضيفت تعليقات نقد لا نهاية لها ولكنها بتأكيد قد تم حجبها

حققت هذه المدونة أرقام دخول كبيرة في بدايتها، ولكنها الآن لا يلتفت إليها أحد لأنها فقدت مصداقيتها؛ ولأن أحمدي نجاد لا يدرك المعنى الحقيقي وراء التدوين وهو حرية التعبير، فماذا عن رجل كبت حرية التعبير في مدونته الشخصية؟

ما يبدو لنا أن قرارات تحجيم المدونين بما فيها الحجب أو الاعتقال هي نابعة من مجموعة متشددة من رجال الدين الذين يريدون تنميط العقول، أو هو غيرة من المدونين الذين يكتسبون شعبية وحبا تفوقهم، فأرادوا أن يضعوا الحدود والحواجز على التدوين حتى لا يتبقى إلا هم وآراؤهم، وهذا مشهود في مدرسة التدوين والتي أنشاؤها في مدينة قم المقدسة لكي تروج لأفكارهم الدينية والسياسية، وأكثر شيء يخافه هؤلاء الناس هو بيئة متوازنة بين المؤيد والمعارض، بيئة ديمقراطية لا يعتقل شخص لسبب رأي أو فكرة وإنما تواجه الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي
والجدير بالذكر شكلت الشرطة في إيران وحدة خاصة مهمتها مراقبة المواقع السياسية على الانترنت ومحاربة الجريمة الالكترونية
وقال رئيس الوحدة مهرداد اوميدي إن عناصرالوحدة الجديدة سيتصدون لأي نشاط سياسي غير قانوني على شبكة الانترنت بما في ذلك السباب السياسي وما وصفه بنشر الأكاذيب
ومعلوم أن معظم المواقع التي لها صلة بالمعارضة ممنوعة أصلا في إيران، لا سيما تلك التي تنشر مقالات تمجد المرشحين الخاسرين في الانتخابات الرئاسية المتنازع بشأنها والتي شهدتها البلاد في يونيو حزيران الماضي
إلا أن المعارضة تواصل تأسيس مواقع جديدة على الشبكة العنكبوتية طالما أنه ليس لها صوت في الاعلام الحكومي وتعتمد على الانترنت لنشر بياناتها ومقالاتها
ونقل الاعلام الايراني المحلي عن اوميدي قوله: "نظرا للانتشار الواسع لاستخدام الانترنت في ايران، على الشرطة التصدي للجرائم التي تقترف في الفضاء الالكتروني
وقال رئيس الوحدة الجديدة إن "لجنة خاصة" تتكون من 12 عضوا ستقوم بمراقبة الانترنت وستتعامل مع الجرائم التي تكتشفها كالتزوير والقذف ونشر الاكاذيب
الا ان خبراء في الشأن الايراني يقولون إن الغرض من تشكيل هذه الوحدة هو خنق الحملات التي تقودها المعارضة
ونقلت وكالة اسوشييتيدبريس عن الصحفي الايراني اكبر منتجبي قوله: "تعلم السلطات (الايرانية) بأن الانترنت هو احد المجالات القليلة المتاحة للمعارضة لعرض وجهات نظرها، ولذا فهي تريد اسكات صوت المعارضة
وكانت السلطات الايرانية قد شنت حملة قوية ضد المعارضة في اعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من يونيو/حزيران الماضي، والتي تقول المعارضة إنها زورت من اجل ضمان فوز الرئيس محمود احمدي نجاد بفترة ولاية جديدة
وقد قتل جراء تلك الحملة 30 معارضا على الاقل، بينما اعتقل الآلاف ما زال 200 منهم يقبعون خلف القضبان






ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا