الأربعاء، 24 فبراير 2010

مقهى إيليت



ملهمة كفافيس تضع لوحات بيكاسو بالمقهى
إيليت لن يباع مهما كانت العروض المغرية



في شارع صفية زغلول الشهير بالإسكندرية وعلى مقربة من ميدان محطة الرمل يقبع مقهى «إيليت» أحد أشهر مقاهي الجالية اليونانية في الخمسينات من القرن الماضي محتفظا بسمته وطابع التاريخ. ومن المعروف ان اليونانيين عاشوا مصر كمواطنين عاديين، يمتلكون المطاعم والمقاهي ومحلات البقالة والحلويات والكازينوهات والبنسيونات، وكان أغلبهم متمركزين بوسط مدينة الاسكندرية. ومن بين المطاعم التي تعود لهذه الحقبة، مطعم «إيليت» والذي يتميز بكونه اكثر من مجرد مقهى أو كافيتريا، بل متحفا فنيا وثقافيا، يقصده الفنانون والكتاب والمشاهير. «إيليت» كان ملكا لمدام «كريستينا كوستانتينو» وهي من أشهر اليونانين الذين أقاموا بالاسكندرية، ويقال أنها كانت إحدى ملهمات الشاعر المعروف كفافيس في سنواته الأخيرة


يتميز «ايليت» بمظهره البسيط الجذاب من الخارج فهو أشبه بالكوخ الكبير تستطيع أن تعايش من خلال نوافذه الزجاجية الواسعة روح المدينة ونبضها. ورواد المكان يمثلون جميع الفئات الأطفال والشباب ورجال الأعمال والمتقاعدين والمسنين الذين يستعيدون ذكرياتهم في هذا المكان المميز.
ويجذب المقهى جمهوره ايضا بتخصصه في المشروبات والمأكولات اليونانية والشرقية ذات المذاق الخاص والتي يقدمها بأسعار زهيدة على أنغام الموسيقى الشرقية والأوروبية الكلاسيكية.
وتزين جدران المقهى مجموعة من اللوحات لأشهر الفنانين منها لوحة للفنان اليوناني فافياديس والفرنسي براك وبورتريه لكفافيس شاعر الإسكندرية وهناك ركن به لوحة للفرنسي «ماتيس» وآخر للوحات سيف وأدهم وانلي ومعهما بيكاسو وعصمت داوستاشي، وكلها لوحات قيمة لا تقدر بثمن. يقول الخواجة ألخيس ماسيوس (60 عاما)، الابن الوحيد لمدام كريستينا والذي تولي إدارة «الدكان» كما يطلق عليه بعد رحيلها: لقد كان الدكان بالنسبة لأمي الزوج والابن والعمل وكل شيء في حياتها وكان بمثابة جزء منها ولم تتركه طوال حياتها سوي لحظات.. اشترت أمي هذا الدكان من مالكيه الأصليين عام 1953» ويسترسل ماسيوس في ذكرياته «كانت أمي متمسكة به جدا، أحبها الناس واشتهرت في مصر وأوروبا، وا تشربت بالروح المصرية اعتادت أن تلبس مثل المصريين فكان رداؤها المفضل «الجلابية».
في ايام المقهى المزدهرة يذكر ماسيوس الذي كان متعلقا جدا بوالدته اللحظات التي قضاها معها، ويذكر أنه كان يجلس للعشاء معها في ذاك الركن تحت لوحة بيكاسو، «لقد تعلمت هنا حب الفن، والتقيت أشهر الفنانين منهم سيف وأدهم وانلي، حيث كان يعرض سيف أعماله بالمطعم، وكنت أحب أن أجلس بجواره لأشاهده وهو يرسم، كان عمري 10 سنوات، كان سيف يرسم على علب السجائر للزبائن وتباع الواحدة بجنيه واحد، حينها كان فنجان القهوة بـ25 قرشا، فاشتريت منه 10 ومازلت احتفظ بها إلى الآن».
ويضيف ماسيوس «قابلت أيضا الفنان الكبير حسن سليمان وكمال خليفه الذي أحببته جدا ومازلت أحتفظ بأعماله في إيليت، ولا أريد أن أفرط فيها ولو بكنوز الدنيا، لأنني شاهدت معاناته وكيف كان يحب الفن بالرغم من أنه لا يملك قوته.. حبي للفن استمر معي حتى عندما سافرت إلى باريس وعمري 17سنة، وأسست الجاليري الخاص بي هناك، كما أسست جاليري «الدكان الأحمر» بجوار ايليت العام الماضي خلال بينالي الاسكندرية، لكي اساعد الفنانين الصغار ممن لم تتح لهم الإمكانيات لعرض أعمالهم في معارض، لأن مصر بها فنانون عظماء تنقصهم فقط الفرصة». وماسيوس الذي يعيش حاليا ما بين فرنسا واليونان ويقضي بمصر أشهر الصيف فقط مدرك تماما لقيمة ما يملكه فيها، فهذا المقهى يحتسبه أهل الاسكندرية من الآثار الثقافية التي تدل على عظمة المدينة. وكان يرتاده شاعرها العظيم كافافيس، فكان يأتي ـ حسبما يروي ألخيس ـ لتناول افطاره يوميا بالمطعم قبل أن تمتلكه والدته، ولكنها قابلته وقد احتفظت ببعض أعماله التي كتبها بخط يده، وبورتريه له، كما شاركت في اعداد فيلم تسجيلي عن حياته.
وشهد «ايليت» الكثير من الشخصيات الهامة جدا في مصر منهم الروائي العالمي نجيب محفوظ وأم كلثوم والملكة فريدة والملكة ناريمان وزوجها، وكان الناس يلتفون حول المطعم ويصيحون ويلوحون عند زيارته. كما زاره المغني اليوناني السكندري ديميس روثوس والفنانة داليدا ويوسف شاهين.
وحاليا يعد «إيليت» من أهم المزارات لجميع الفنانين والشعراء والكتاب عند زيارتهم للإسكندرية ومنهم أدونيس وأمل دنقل وسعدي يوسف وغيرهم، وتشكل الجالية الفرنسية واليونانية والبريطانية أهم زبائن المقهى. وبالرغم من بعض المشاكل التي تواجه ألخيس في إدارة المقهى والعروض المغرية التي تتهافت علي شرائه إلا أنه يقول: لن أفكر في بيعه الآن ولكني سأغير من شكل إيليت مع المحافظة على تراثه العريق وطابعه الثقافي لأنه لا يوجد مثيل له في العالم

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا