الأربعاء، 10 فبراير 2010

مصالح مصر والقرصنة الصومالية


بدأت ظاهرة القرصنة منذ انهيار الدولة الصومالية عام ١٩٩١م وسيطرة عصابات أمراء الحرب ومليشياتهم القبلية على أجزاء الصومال المختلفة. ولم يتمكن هؤلاء من ملء الفراغ الذي تركه انهيار الدولة، بل بدأت حرب أهلية مدمرة وفرت فرصة لسفن الصيد الأجنبية لغزو شواطئ الصومال في وقت مبكر لنهب الخيرات الوفيرة في البحر. فساحل الصومال يعد الأطول أفريقيا حيث يقدر بـ ٣٣٠٠ كم ، ويتوفر على ثروة بحرية وفيرة ومتنوعة بما فيها طيور البحر والحيتان وأسماك القرش والعديد من أنواع السلاحف والدلافين..
وقد بح صوت سكان السواحل الصومالية في طلب مساعدتهم على وضع حد لممارسات سفن الصيد الأجنبية التي لا قبل لهم بها، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث

ونشأت لدى بعض الشباب رغبة للانتقام فحاولوا مطاردة هذه السفن باستخدام زوارق سريعة وبنادق مما


 يدافعون بها عن أنفسهم في فوضى الحرب الأهلية. وهنا لجأت الشركات المتسللة إلى تغيير أساليبها في مواجهة هذا التحدي فسعت إلى استصدار تراخيص تمنحهم حق صيد الأسماك على طول الساحل من أمراء الحرب الذين سهلوا المهمة في مقابل ملايين الدولارات التي تمنح لهم من طرف هذه الشركات. فقد كانت كل منطقة تخضع لأمير حرب ومليشياته القبلية، وكانت كل مجموعة تجوب المنطقة التي تخضع لها مدعية أنها تقوم بدور خفر السواحل. وهكذا تمكنت هذه السفن من ممارسة عملها دون خوف من الشباب المحليين.
وبعد أن أصيب الشباب بالإحباط بعدما تولت مليشيات أمراء الحرب حماية سفن الصيد، تحولوا إلى السفن التجارية بدل سفن الصيد، وأصبح الهدف بعد ذلك سهلا باستخدام زوارق سريعة مسلحة بمجموعة من الأسلحة. فبعد الاستيلاء على السفينة التجارية وطاقما يطلبون الفدية مقابل إطلاق سراحهم، وقد انضمت إليهم لاحقا مليشيات أمراء الحرب بعد أن رأى رجالها أن هذه الطريقة أسرع في الكسب من العمل لدى أمراء الحرب
كيف تتم العملية؟
يتم احتجاز كل السفن المختطفة في مناطق مثل "أيل" و"غرعدي" في "بونت لاند" أو منطقتي "حرطيري "و"هبيو" الخاضعتين لقبيلة الهوية. ويملك القراصنة عددا من "السفن الأم" حيث يخزنون الأسلحة والوقود والإمدادات الأخرى على متنها. وعندما يجدون صيدهم الثمين من السفن الكبيرة فإنهم ينطلقون إليها بقوارب سريعة مجهزة بأسلحة ورجال يحملون بنادق AK47ويتسلقون على متنها مستخدمين سلالم حبالية مفتولة حيث يصعدون بها إلى متن السفن الكبيرة. وتقول مصادر استخباراتية إن هناك ثلاث سفن صيد في خليج عدن يعتقد أنها تابعة للقراصنة
ويمكن استخدام ثلاثة زوارق سريعة في الهجوم الواحد، يحمل كل واحد منها ما بين ستة إلى عشرة رجال الهجومية وأحيانا قذائف صاروخية..
حياة القراصنة
يعيش القراصنة حياة تشبه حياة الملوك يسيل لها لعاب الكثير، وهي ناتجة عن مبالغ الفدية التي تدفع لهم فتنعكس على حياتهم ترفا وأبهة. فهم يسكنون الأحياء الراقية في مدينتي "جروي" و"غالكعيو" بولاية "بونت لاند"، و"حرطيري" و"أيل" وأصبحت حياتهم مثار إعجاب الفتيات مما جعل كل فتاة تحلم أن يطير بها قرصان ليتزوجها. فيلات مريحة وسيارات دفع رباعي ويمتلكون أغلى الجوالات وهواتف تعمل بواسطة القمر الصناعي وحواسيب محمولة. ويتزوجون أكثر من زوجة ويقيمون حفلات زواج فاخرة بشكل مذهل
تداعيات القرصنة على مصر
إن مصر من أهم الدول المطلة على البحر الأحمر والمتحكمة في منفذه الشمالي عبر قناة السويس، وهي الدولة الأكثر استفادة اقتصادياً منه في دعم اقتصادها من خلال تحصيل الرسوم من السفن المارة في قناة السويس والذي يفوق دخلها منها 4.6 مليار دولار سنوياً على دخلها من البترول، كما أن البحر الأحمر يعني الكثير لمصر في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول المطلة عليه سواء العربية أو الأفريقية.
ويحظى البحر الأحمر في إستراتيجيتها الأمنية بأهمية قصوى لتأمين حدودها الشرقية التي غالباً ما تكون بوابة المستعمر إليها، كما أن البحر الأحمر شكل بالنسبة لمصر نقطة هامة في نطاق تصادم الإستراتيجيات والمصالح.
ومع اشتداد أعمال القرصنة تدرجت النبرة المصرية إلى التقليل من أهمية تداعيات هذه الأعمال على اقتصادها وأمنها الخاص، ولكن بازدياد أساطيل الدول الكبرى والإقليمية، واحتمالات تدخلها في شئون المنطقة تحت دعاوى مطاردة أعمال القرصنة، والإشارات المنبعثة بأهمية تدويل البحر الأحمر لحماية الملاحة والتجارة البحرية، ازداد قلق مصر مع الوقت من أن هناك أيادٍ خفية تسعي لترتيب أوضاع دولية وإقليمية في البحر الأحمر وممراته على حساب مصالحها الحيوية والإستراتيجية، فتغيرت تصريحات المسئولين نحو الاعتراف بخطورة الأمر عليها اقتصادياً وأمنياً وإستراتيجياً ومحاولة تهميشها، فعمدت إلى التنسيق مع الدول العربية، والدول الصديقة تحت مظلة وشرعية الأمم المتحدة وفي إطار القانون الدولي، مما دعاها إلى المسارعة بعقد مؤتمر للدول العربية المطلة على البحر الأحمر في القاهرة نوفمبر/ تشرين ثان 2008 برعاية مصرية يمنية.
كما صرح مصدر مسئول مصري بأن مصر مستعدة للمشاركة مع أساطيل الدول المتواجدة لتوجيه ضربة عسكرية للقراصنة وحفظ الأمن في البحر الأحمر، مع أهمية معالجة الأسباب الحقيقة لظاهرة القرصنة والمتمثلة في غياب الدولة وسيادتها في الصومال.
ويتطابق الموقف المصري مع الموقف اليمني في تقدير خطورة الوضع على مصالح الدول العربية، وعلى الأمن الإستراتيجي العربي، كما تتفق وجهتي نظر البلدين في الأسباب وطرق العلاج، مع الفارق أن مصر تمتلك قوات عسكرية بحرية تفوق قدراتها كافة القوى البحرية لجميع الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، كما أن قواتها البحرية تتمتع بإمكانات مادية وبشرية وتاريخ عسكري بحري مشرف مما يجعلها سند قوي وفعال في أي تحرك عربي.





ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا