الأربعاء، 24 فبراير 2010

النساء في الحروب


بقلم هدي أو مخ :
قبل عدة اعوام وفي اطار احد ابحاثي الجامعية حول موقع المراة في حرب طروادة, كان علي الاطلاع على الكثير من المواد حول المراة في ظل الحروب. من بين ما اطلعت عليه كان العديد من المجلات التي نقلت شهادات حية لنساء وفتيات بوسنيات حول ما تعرضن له من اغتصاب واذلال على يد الجنود الصرب. لم يتسن لي حينها التطرق الى تلك الحرب الرهيبة في بحثي, بل فقط بقراءة المواد عنها والاجتهاد للملمة شظايا الذات المشدوهة, كي انهي بحثي حول النساء في حرب طروادة. تلك الشهادات كانت احدى الحالات النادرة التي لم استطع فيها السير الى الامام بدون النظر الى الخلف, ومن حولي. كان للقراءة بعد نفسي عميق قد تستطيع فقط انثى ان تفهمه. مقالي هذا هو محاولة للتعامل مع هذا الهاجس بصورة علمية. لذا ففي خلفية هذا المقال ستتردد دوما اصداء حرب البوسنة, فانا لا اؤمن بتطبيق قوانين التقادم على حروب كهذه, واستنكر وبشدة الادعاء بوجوب التركيز على مستجدات الساعة السريعة, لا سيما ان تحدثنا عن حرب تقرر في اعقابها اعتبار حوادث الاغتصاب ضد النساء وقت الحروب كجزء من جرائم ابادة الشعوب وبالتالي اعتبار الامر كجريمة حرب, وفقا لمحكمة العدل الدولية. 

مدخل نظري:
في التوجه النسوي تبرز وجهتان مختلفتان فيما يتعلق بالحرب: 
الاولى تقول ان الحرب هي منتوج ذكوري بحت. نظام ذكوري يبعث بالرجال لمحاربة رجال اخرين. فيما نحن, النساء, موجودات خارج اللعبة الذكورية للحرب.
الثانية ترى ان على النساء اخذ دور فعال في كل مجال جنبا الى جنب مع الرجال, ما يلزمهن بالاشتراك ايضا في الحرب. هذا التوجه يظهر الى اهمية الخدمة العسكرية في تقدم الرجال في سوق العمل وفي المجتمع, وفي المقابل تمييز واضطهاد النساء نتيجة لعدم اشتراكهن في القتال والخطر.

لكن, لماذا ارتبطت الحرب دائما بالرجال؟ 
هنالك عدة اجابات ابرزها:
1. الناحية الاجتماعية- ثقافية: مؤكد بان التربية والمعايير الاجتماعية تؤثر على اسلوب تفكير الفرد وتصمم حياته. والفرد يحصل على هوية الجندر الخاصة به من خلال المجتمع الذي يفرض عليه اساليب سلوكية وتفكيرية محددة. والمجتمعات الانسانية في مرحلة معينة كانت محكومة بقوانين الغاب حيث القوي يفترس الاضعف وحيث معارك البقاء (حيا) كانت تجارب يومية يحياها الافراد. الرجل ونظرا لقوته الجسدية التي تفوق المراة كان يخرج للاحتلال, احضار العبيد, وفي المقابل تخصصت المراة في تربية الاولاد والبحث عن الطعام قريبا من البيت. هذا الامر تحول مع الوقت الى عادة اجتماعية واصبح خروج الرجال للاحتلال واحضار العبيد وتحولهم –اي الرجال- الى اسياد, امرا طبيعيا ومفهوما من الناحية الاجتماعية ( لمراجعة اكثر توسعا: سيمون ده بوفوار, الجنس الاخر). لذا ف"ثقافة الحروب" نمت بصورة واضحة بين الرجال وبانعدام الحضور النسائي (يجب الانتباه هنا الى الفصل بين الاشتراك الفعلي في الحرب, وبين ذاك المعنوي, فالنساء لم تعارض خروج الرجال الى الحروب في البداية, بل كان خروج الرجل امرا ضروريا من اجل بقاء النساء والرجال احياء. لذا, يهمني التنويه الى انني لا ارمي الى اظهار المراة بصورة الملاك فيما الرجل شيطان, بل بان الحرب كفعل وممارسة ابتدات بين الرجال, واستمرت كذلك كجزء من مجتمعات تحكمها المعايير الذكوريه).
الحرب كنتاج بيولوجي:
لا يوجد شك حول وجود اختلافات بيولوجية بين الرجال والنساء, والتي تدعم وبشدة الادعاء حول العلاقة بين الرجال والحروب (بالامكان مطالعة:,109-110, 117, 127,136-137,180
sex differences in human(performance :Mary Anne Baker. احد الاختلافات بين النساء والرجال هو القوة الجسدية: الرجال اقوى جسديا من النساء في المعدل. وفي اعقاب كون الحرب هي امتحانات قوة كان لهذا الفارق وزن حاسم. الرجال من حيث العضلات والهيكل اقوى من النساء. هذا الفارق تحول الى عامل اضطهاد وقمع للمراة, ومن جانب اخر الى عامل يثير الاحترام والتقدير تجاه الرجل في مجتمعات الحروب.

المراة في الحروب قد تكون زوجة –للمحارب او لاي ضحية حرب, وقد تكون اما, لمحارب او ضحية. كما انها تقتل وتجوع وتشرد. لكنها تختلف عن الرجل بانها تغتصب, حين تؤخذ لكي تشبع غرائز الرجال. من منطلق النظرة الاجتماعية الى المراة على انها ملك للرجل, فان اغتصابها يعتبر اعتداء على "املاك" الشعب الاخر- مع ان القانون الدولي الذي ساتي على ذكره لاحقا منحها احتراما انسانيا يتعدى غريزة التملك الذكورية ويلامس عمق ماساتها الشخصية. هذا الامر تحول الى "افضلية" للنساء عن الرجال لان احتمالات بقائها على قيد الحياة كانت اقوى من الرجل, طالما استسلمت و"تعاونت" مع المغتصب.
الاغتصاب وقت الحرب وجرائم الحرب:
ينبع السبب في اعتبار جرائم الاغتصاب وقت الحرب جرائم حرب (وليست جرائم اغتصاب عادية تستدعي حكما جنائيا محليا), من تحويل نساء كثيرات, من الشعب الاخر, لامر "مشاع" للجنود, لمتاع حرب, يستطيعون التحكم به وفقا لارادتهم. الجسد الانثوي يعامل في هذه الحالة كانه جزء من ارض المعركة ومن انجازاته. المراة تفقد وبصورة مطلقة انسانيتها وتتحول لاداة جنسية. اسلوب التعامل هذا مع النساء يمارس ضدهن لعدة اسباب تجتمع معا لتصنع صورة واضحه:
النساء يغتصبن لكونهن جزءا من الشعب العدو الذي يجب ابادته. هذه الابادة تتم من خلال اقامة علاقات جنسية بالقوة هدفها الاساسي اخصاب نساء الطرف الاخر (البوسنيات على سبيل المثال) بابناء من نسل المغتصب (الصرب), وبالتالي الغاء الدم المسلم الصافي للاجيال البوسنية القادمة, اي ايجاد اطفال يحملون الدم الصربي لدى البوسنيون, ما يلغي بوسنيتهم.
هدف اخر من وراء عمليات الاغتصاب وقت الحروب يتعلق بالتعامل الذكوري مع المراة من الشعب الاخر كجسد يوفر للجندي رغباته. هذا التعامل يفرض عمليا موقعا وظائفيا للمراة وقت الحروب وهو البغاء, من خلال جعل جسدها مشاعا للذكور.اذلال المراة من خلال وصمها بالبغاء هو ايضا تحقير للشعب الاخر. المراة التي تعرضت للاغتصاب وقت الحروب دوما شعرت بالخزي والعار, واجتهدت لان تخفي الامر. الامر برز ايضا لدى النساء اليهوديات اللواتي تعرضن لاعمال الاغتصاب على يد النازيون. قليلات اللواتي تجران على الاعتراف بالامر.
اهمية الامر تنبع هنا تحول الاغتصاب الى عمل مشروع بيد صاحب القوة, فيستغله كجزء من قوته. الاغتصاب الجماعي الذي مارسه الصربيون ضد البوسنيات كان وسيلة جيدة لابادة الشعب البوسني, لذا الاغتصاب مرتبط بالتطهير العرقي: الاغتصاب وقت الحرب يستعمل في ان واحد لاذلال الشعب المحتل ولابادته.
في الاسطر القادمة ساستعرض شهادتان لفتاتان بوسنيتان. المشترك بينهن هو حوادث الاغتصاب التي مررن بها, اضافة الى كونها شهادات مروية على يد نساء وتبرز تجارب نسوية لم تعامل لفترة طويلة بالجدية المطلوبة. المكان الذي تتكلم منه المراة عن الحرب مختلف عن المكان الذي يتكلم منه الرجل, حيث معايير القوة مرتبطة بالجنس. هذه الشهادات ستكون تمثيلا جيدا لما تحدثت عنه اعلاه. 

شهادات حية من تجارب النساء في الحروب:
(الشهادات مترجمة ومنقولة بتصرف عن مجلة نوجا النسوية العبرية)
الشهادة الاولى: ميرسده وعمرها 17 عاما:
تجربتها مع الصرب ابتدات في صباح يوم 3 اذار. تبدا شهادتها بالوصف, تصف الجنود الصرب وملابسهم. كل الوصف الذي تعطيه يقود الى قصة الاغتصاب الجماعي الذي قام به الجنود الصرب ضدها وضد نساء شابات. الصورة الموصوفة قاتمة, لكن يعلو منها شعاع نور وذلك حين تروي عن رفض جارها الصربي قتل المسمين الكروات. وقد دفع الثمن غاليا نتيجة رفضه هذا: اخته زلنكا, 12 عاما, اقتيدت الى مخيم الجيش. الامر لم يقتصر على الاغتصاب الجنسي بل تعداه الى الطهي للجنود الصرب وخدمتهم فيما هن عاريات. وقد روت حادثة قام الجنود الصرب خلالها ببتر اعضاء جنسية لنساء رفضن نزع ملابسهن. مقابل هذا الوصف المثير للقشعريرة, ميرسدة غير قادرة على وصف ما فعله بها اكثر من 20 جنديا: "هم مارسوا ضدنا كل الامور. انا لا اريد ان اتذكر". قدرتها على وصف الممارسات ضد غيرها, وعدم قدرتها على وصف تجربتها الذاتية يبرز مسالة الانتقال من القضية الجماعية حيث الاغتصاب الجماعي جزءا مركزيا فيها الى الرواية الشخصية, حيث الانا ينفرد بالتجربة. هذا يبرز ايضا في احد المقاطع الصعبة:
"احيانا اظن انني ساجن. كل ليلة في احلامي, ارى وجه سطوجان, حارس المعسكر. كان الاقسى فيهم. هو حتى اغتصب طفلات في العاشرة من عمرهن. كن "حلوى" من اجله. معظم هؤلاء الطفلات توفين. هم قتلوا الكثير من الطفلات, ذبحوهن كالشاه".
الحلم الذي تصفه هو التعبير عن اللاوعي. هو يمثل الذكريات الصعبة, والتي تبرر نهاية الشهادة حين تقول:
"اود ان انسى كل شئ. لا استطيع العيش مع هذه الذكريات".
الشهادة الثانية- انيسا 16 عاما:
تبدا روايتها من اللحظة التي امرها احد الصرب للذهاب معه "وكان علي الذهاب".
في هذه الشهادة يوجد وصف عميق لمشاعر امراة تعرضت للاغتصاب, اكثر من الشهادة السابقة. السبب متعلق والى حد كبير بكون حادث الاغتصاب فردي, ما يجعلها تتركز في نفسها, وبالتالي تصوير الحادث بصورة تمس نفسها فقط. الالم والمعاناة تتحول هنا الى امر شخصي, الى تجربة نسوية فردية. تقول انيسا "لقد شعرت انني انهار. الشعور كان اسفل جلدي, لقد مت, لقد قتلت باكملي".
هي اغتصبت مرتين: مرة على يد الصربي الذي امرها بالذهاب معها, ومرة على يد صديقيه الصربيين.
امها وجدتها عارية, وكلتاهما بكتا "هي (تقصد الام) البستني. ايضا انا اردت ان اكون يوما ما اما, ولكن كيف استطيع؟ في عالمي, الرجال يمثلون العنف والالم".
الضحية موجودة في عالم حيث القيم والمعايير السائدة فيه ذكورية, وحيث بقاء المراة حية مرتبط بموافقتها –قسرا او اختيارا- على التحول الى اداة جنسية للرجل. العالم النسوي حيث معاييره وقوانينه عادلة تجاه النساء ايضا هو بمثابة عالم ضائع. عالم تبرز هذه الشهادات الحاجة الى انعاشه واعادته الى الحياة والوجود كعالم بديل لهذا القائم الان.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا