أكثر ما يلفت النظر في الحفاظ على الهوية الوطنية في مواجهة الزحف العروبي منذ بداية دولة العرب وحتى الآن تجربتان الاولى هي التجربة الفارسية والثانية هي التجربة الأمازيغية
أما التجربة الفارسية فكان لها من المقومات ما سهل لها الحفاظ على الهوية المستهدفة فهي في النهاية هوية وطنية تستند الى كيان دولة وقعت تحت الاحتلال العربي هذه حقيقة لكنها تملك جغرافيتها ولغتها الخاصة وحتى عندما قبلت بالاسلام فقد اختارت وابتكرت اسلامها الخاص اللذي اجهد اصحاب الاسلام الاصليين في التعامل معه ، ويمكن القول بشئ من الثقة أن الاسلام الإيراني يخدم المصلحة الوطنية الإيرانية بأكثر مما يخدم الوازع الدينى فقد احتفظت فارس قديما او إيران او سمها ما شئت بلغتها دونما تغيير يذكر بل وادخلوا على العربية الكثير من المفردات وظلوا حافظين لمصالحهم وهويتهم وعداواتهم القديمة التى آن لها أن تظهر من جديد وتثير الرجفة في قلوب العرب على امتداد اراضيهم
لكن التجربة الأمازيغية كانت شيئا مختلفا فهي لم تحظ بحاكمية الجغرافية التى ساعدت الإيرانيين على الحفاظ على هويتهم كما أنهم لم يملكوا قرارهم في العديد من الدول التى حلوا عليها سواء طوعا او كرها ، إضافة إلى أنهم في النهاية تعرضوا إما للتهميش وإما للمقاومة والتنكيل وإما للإستخدام كوقود لحروب الآخرين
نموذج للفن الأمازيغي
وإذا أردنا الحديث عن التجربة الأمازيغية فلابد من التعريف بهذا الشعب اللذي استطاع على مدى قرون أن يتقن العربية ولكن بلهجته الخاصة
و يختار ضمن ما اختار الحفاظ على هويته التى يعليها فوق مفاهيم الدين والدولة
كلمة أمازيغ ومفردها مازيغ تعنى في لغتهم الرجل الحر النبيل لكن للتعريف السليم بهم يقال لهم أمازيغ بينما يطلق عليهم العرب لفظ (بربر) أو (برابرة) كمحاولة لنعتهم بالبربرية
و مواطن حركتهم وسكناهم تمتد من غرب مصر وواحة سيوة حتى جزر الكناري في اقصي غرب القارة الأفريقية متعمقين فيها نحو النيجر ومالي وهم تحديدا سكان الشمال الأفريقي اللذي اصطلح على تسميته بعد ذلك بالمغرب العربي
ومع دخول العرب عهد قوتهم سيروا الإغارات على شعوب الشمال الأفريقي واخضعوه بكل السبل فاختارت فئة من الأمازيغ التحالف مع العرب وهي كما هي العادة فئة الصفوة الحريصة على مصالحها الاقتصادية او السياسية او النخبوية واصبح هؤلاء منادين بالعروبة بعد ذلك
وعلى الرغم من الاحتلال العربي للمناطق الأمازيغية فقد بقى الأمازيغ يتحدثون لغتهم الاصلية بلهجاتها وتنويعاتها المختلفة في البلدان التى يسكنونها فحوالي 60 بالمائة من سكان المغرب لغتهم الام هي الامازيغية بينما تنخفض النسبة في الجزائر الى حوالي الثلاثين بالمائة وليبا الى حوالي العشرين بالمائة ولكن دون اعتراف من هذه الدولة بتلك البيانات
وقومية الامازيغ توجد موزعة على دول اخري بشكل اقل شهرة فهم موجودون في تونس، موريتانيا، مالي، النيجر و بوركينافاسو ومصر
ولعل من الضروري أن نقول ان الامازيغ جمعتهم صلات جيدة بالحكم الروماني فاتخذ منهم الروم جنودا ويذكر ان عددا من قياصرة الروم يرجع اصلهم الى الامازيغ هم سبتيموس ،سيفاريوس، كركلا ، ماكرينوس
وعندما اخضع العرب الشمال الافريقي استخدموا الأمازيغ ايضا ولعل اوضح مثال لدولة الأمازيغ التى يتجاهلها الجميع هي دولة الأندلس ففاتح الأندلس هو طارق بن زياد وهو رجل أمازيغي قلبا وقالبا وليس من اصل امازيغي و اثنان من دول العرب في الاندلس كانتا دول امازيغية صريحة هي دولة المرابطين ودولة الموحدين ولعل ذلك كان السبب في كون الاندلس كان راعيا للفنون والموسيقي وكان اهله ميالين لسماع الطرب و تجميل المدن ويتميزون بقبول الاخر غير متشددين في الدين وهي كلها كما ترى ليست عادات عربية او عرفت عن العرب
نموذج للكتابة الأمازيغية
أما عن وجود الأمازيغ في مصر فهو قديم بأكثر مما يتصور احد و يرجع الوجود الأمازيغي في مصر إلى عهد الملك رمسيس الثالث الذي اعتاد أن يأتي بمرتزقة من ليبيا ليدعم بهم الجيش المصري وقد وصل بعض العناصر منهم إلى مناصب هامة في البلاط الملكى وإلى مراكز القيادة في الجيش لعل أبرزهم هو شيشنق اللذي حكم مصر باسم الملك "شيشنق الأول". واستمر حكم الأمازيع لمصر لمدة 200 عام، شكلوا خلالها الأسر 22 و23 و24 حتي سقط حكمهم علي يد النوبيين بزعامة الملك "بعنخي" وقد حكموا مصر لمدة 15 عاماً وشكلوا الأسرة رقم 25، وبعد سقوط حكم الأمازيغ ظلوا موجودين في صحراء مصر الغربية وانحصروا في منطقة "سيوه".
وفي العصر الفاطمي، جاءت موجة الهجرة الثانية للأمازيغ بإتجاه مصر مع جيش المعز لدين الله الفاطمي رابع خلفاء الدولة العبيدية في المغرب الذي قرر فتح مصربجيشاً قوامه 100 ألف جندي مع جوهر الصقلي كان غالبية جنوده من الأمازيغ ممن يتبعون المذهب الشيعي الإسماعيلي ولم يكن غزو مصر دمويا بسبب أن المصريين كانوا يكرهون الدولة الأخشيدية فرحبوا بالغازي الجديد بل وأخذوا عنه ما يقول عنه العرب (بدع) مثل فانوس رمضان واحتفالياته الدينية والكثير من مظاهر ملابسه وتأثروا كثيرا بالغيبيات التى كان يؤمن بها وتأسس الأزهر بمصر كجامع شيعي في البداية ومازال المصريون ينظرون لكثير من رموز الشيعة حتى اليوم بكثير من الاكبار
وحتى الآن مازالت بعض بوابات القاهرة القديمة تتسمى على اسامي القبائل التى استوطنت قربها مثل أبواب الشعرية و زويلة وجدير بالذكر ان منطقة درب سعادة بالقاهرة تعود تسميتها لجندي امازيغي يدعي سعادة أما كلمة درب فهي مرادف منطقة او حارة
أما في الوقت الحاضر فيمثل القول بالقومية الأمازيغية صداعا في رأس دول الشمال الأفريقي لكنه يمثل في نفس الوقت صداعا أكبر لدي دعاة القومية العربية فعلو النغمة الأمازيغية في الخطاب يهدد العروبيين بفقدان أراض اكتسبوها عبر الغزو والإغتصاب لذلك لا تدخر دول الخليج العربي جهدا لدعم نخب الشمال الافريقي لوأد الطرح الأمازيغي بشتى الوسائل
نموذج للفن الامازيغي
وهنا لابد ان نقر بأن هناك حساسية تحكم علاقتنا كمصريين بكثير أو بالأحرى بكل شعوب الشمال الأفريقي ويدهشنى أن يتسائل مثقفون وإعلاميون عن السبب وراء ذلك رغم انه جلي وواضح فعبائة العروبة كانت قد سقطت إلا قليلا عن هذه المنطقة من العالم وجل ما كان ينقصها هو زوال الاستعمار الفرنسي او البرتغالي او غيره لتبرز شعوبها على هويتها الأصلية بعيدة كل البعد عن المحيط العربي منتمية لمحيطها الأفريقي الطبيعي ولحوض البحر المتوسط كبديهية جغرافية لكن المد الناصري اللذي امتطى العروبة مطية لتحقيق شعبية وهمية أدى الى أن يدخل هذه الشعوب قسرا مرة اخرى داخل حلقة العروبة عبر دعمه لعروبيين لسخرية القدر كان بعضهم لا يجيد العربية وعبر تمويله ودعمه لقيادات وافقت على الجهر بعروبيتها فخرجت هذه الدول من نير الاستعمار الجلي المعلوم لتسقط فيما هو أسوء وهو استعمار الافكار بإسم العروبة والقومية
وبطبعية الحال اصبحت لفظ بربر التى اطلقها العرب على الامازيغ سبة ووصفا مشينا تماما كما حولوا في مصر كلمة الفرعون من لفظ له وجاهته الى سبة ونعتا بالكفر عبر مشايخهم ومتأسلميهم
أرجو ان اكون قد وضحت فكرة حية عن الأمازيغ وقد ارفقت صورا لكتابات الأمازيغ وبعض الفيديوهات المصورة لفنونهم ويمكننا أن نري من خلال الفنون الأمازيغية وطريقة الكتابة ان شعوب الشمال الافريقي تختلف طبيعة ولحنا موسيقيا تماما عن عرب الجزيرة التى اقحموا على ان يكونو معها في سلة واحدة أمام العالم كله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق