الأربعاء، 9 مايو 2012

المسكوت عنه في حرب المصالح التى إشتعلت بين الصحابة وقتلت عثمان بن عفان


المسكوت عنه في حرب المصالح التى إشتعلت بين الصحابة وقتلت عثمان بن عفان

يقدّم الوعى الإسلامي اليوم فترة الخلافة الرّاشدة في صورة مقدّسة متغافيلين عمدا عن جملة الصّراعات السّياسيّة و التي هزت كيان الأمّة الإسلاميّة. صراعات وصلت إلى حدّ سفك المسلمين لدماء بعضهم البعض لا في سبيل نشر الدّين بل في سبيل السّياسية.
نسمع و نقرأ كثيرا عن مقولة "السّلف الصّالح" فقد دأب شيوخ السّلفية على تصوير الصّحابة تصويرا تحيط به هالة من القداسة. فيصار إلى عدم تناول كلّ ما من شأنه ان يشوه هذه القداسة. و قد نجحوا في ذلك إلى حدّ كبير من خلال حضورهم الإعلامي الكبير سواء أكان ذلك على القنوات الفضائية أو على شبكة النت. حضور يبرزه عدد المقالات التي تحاول ستر الحقيقة التاريخية بفيض من المقالات التي تشتت القارئ غير المتبصّر بحقيقة ما وقع.


فقد شهده عصر عمر بن الخطّاب مثلا إيثارا للقرشيين بالمناصب السّياسيّة مقابل إقصاء الأنصار رغم مؤهلاتهم الدّينية و السّياسيّة المشهود بها في شبه إنكار للدّور الأساسي الذي لعبوه في دعم الدّين الجديد من جهة، و رجوع بني عبد مناف للسيطرة على مقاليد الدّولة بعد أن تمّ إقصاؤهم عن الواجهة السّياسيّة إبّان فتح مكّة فيما يشبه إعترافا بالمكانة الإقتصاديّة التي كانوا يتمتّعون بها منذ الجاهليّة.  و لم يتأخر هذا الوضع عن التّفجر و قد كان له ذلك في خلافة عثمان التي انقسمت إلى قسمين وفترتين، أولهما دامت ست سنوات وتميزت بالهدوء والسكون، والثانية مضطربة ومتوترة، لقد كان عصر عثمان مهيئا بوجه خاص لتكديس الثروات، فهو عصر راحة كانت الأموال متداولة فيه بكثافة وكان المال المكدس يجري إنفاقه أو تخزينه، و قد كان عثمان في وقت مبكر من خلافته يأخذ من بيت المال لأجل حاجاته و قد كان لا يرى حرجا في محاباة أفراد عائلته المقرّبين بالمناصب السّياسية و العطاءات الماليّة التي كان يقتطعها مباشرة من بيت مال المسلمين اقتطاع قد يكون على سبيل الاستقراض. هذه السلوكيات أدت إلى ترسيخ بنية مزدوجة ومتناقضة، من جهة مكابرة الخليفة في محاباته لعائلته وإفراطه في إباحاته وتسليفاته للأمويين. وباختصار انتهاجه سياسة ملكية وعائلية غالبا ما تتعارض مع السّنة التي رسّخها النبي والخليفتان الأولان. وبوجه عام يمكن إرجاع القضية إلى صراع بين تجديد لنشاط و روابط الدم، وعودة إلى أعراف الجاهلية وتقاليدها.

إن ما كان يفعله عثمان في نظر بعض المسلمين أمر لا يمكن التسامح فيه، ولكن في الوقت نفسه كانت الأكثرية قد بقيت صامتة، وحتى أنها قد كانت عاتبة لأنه ما من شيء كان يسوغ انقطاع وحدة الأمة، ولأن الإمام الخليفة أمير المؤمنين كان يفترض فيه أن يكون غير قابل للمس، لكن الأمور لن تستمر هكذا، بل بدأ يظهر النقد لعثمان في وسط الصحابة إزاء تجاوزاته التي أصبحت كثيرة في نظرهم. و من  أخطاء جسيمة ارتكبها الخليفة عثمانمن وجهة نظر الصّحابة  تعيين شقيقه من أمه، الوليد بن عقبة، عاملاً في الكوفة، بدلاً من سعد بن أبي وقاص، وتعيين عبدالله بن عامر، عاملاً على البصرة، بدلاً من الصحابي المشهور أبو موسى الأشعري. أفرط الخليفة عثمان في محاباته لعائلته وتسهيلاته للأمويين. وكان أبرز المعارضين له هم الثلاثي: أبو ذر الغفاري  وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر، مما أدى إلى بروز آراء أخرى أكثر تطرفا وهياجا ضد عثمان بدأت تتجرأ على شخصه وتهدده في سلامته الجسدية.


و قد كان لما يسمى "القراء" دور كبير في تجييش الناس ضد عثمان، مسلحين بنوع من المصداقية التي يتحلون بها لأنهم قارئوا القرآن ومرتلوه، ونتيجة لهذا التجييش ضد عثمان وقعت عدة حوادث في الكوفة لتتعاظم المطاعن الموجهة ضد عثمان. وقع مقتل عثمان بعد مرور أكثر من سنة على حوادث الكوفة، فكانت هذه الأحداث الثغرة للتشنيع على عثمان ليزحف من بعد المصريون. كانت عملية الزحف على المدينة وقتل عثمان أبعد من انفجار فوضوي جماهيري مضطرب، بل كان مسيرة منظمة شبه احتجاجية ومسلحة إذ كان الأمر يتعلق بمحاربين، وسيعملون بحذر على مراحل. ومن المؤكد تقريبا أن هدفهم لم يكن قتل عثمان ولا حتى خلعه، بل تقديم مطالبهم وعرض مطاعنهم والطلب إليه بحزم أن يعترف بها وأن يتقبلها وأن يغير سياسته انطلاقا من ذلك، إذن فأكثرية المعترضين على عثمان كانت تتحرك سعيا وراء العدالة.
.والجدير بالملاحظة أن نرى أحد المهاجرين الأكثر شهرة يقوم بمساعدة التمرد الذي تمثل في محاصرة منزل عثمان شهرا كاملا و ذلك بالمشاركة في الحصار أو يدفع أفراد عشيرته، المقصود هو طلحة وكذلك الزبير بن العوام الطامعين علنا في الخلافة. دون أن ندخل في جدل حول دور أم المؤمنين عائشة في السّكوت على ما يحدث أو التحريض على قتل عثمان.


يعدّ مقتل عثمان حدثا كبيرا وخطيرا في تاريخ الإسلام الأولي، له عواقب لا تعد ولا تحصى، الحدث المؤسس لانشقاق الأمة وانقسامها النهائي. لم يدم الهدوء بعد المقتل سوى مدة قليلة، "بعد مقتل عثمان انتشر عنف واسع قارب حد الانهدام والتحطيم الذاتي كان ذلك عبارة عن حرب أهلية سيبقى الإسلام قرابة ألف وخمسمائة سنة، مبهورا مأخوذا بسحر مثالية السلطة الكاملة التي سيحددها الفقهاء المتأخرون بوصفها الخلافة الحق مقابل الملوكية أو السلطانية اللاحقة.

تسبب مقتل عثمان بن عفّان في سيل من الأفعال والأعمال المأساوية جدا في حد ذاتها في زمنيتها الخاصة، الفتنة، الانشقاق، الحروب الأهلية، العنف الفتاك داخل الأمة، لقد أثار فيما يتعداه وبرد فعل تسلسلي الانقسامات السياسية والمذهبية الكبرى التي ستنبثق من تلك الصراعات الأولى [...] بعد اغتيال علي في رمضان سنة 40 للهجرة خلت الساحة لمعاوية وسيطر على الحكم، فعلي هو ثالث خليفة في الإسلام يموت قتلا، والحال أن هذا العصر سيطرحه الوعي الإسلامي بوصفه عصرا شبه مقدس، عصر الخلفاء الأربعة الراشدين عند أهل السنة، وعصر الشيخين بالإضافة إلى السنوات الست الأولى من عهد عثمان، ومرحلة علي التي امتدت حتى التحكيم في نظر الخوارج، عصر الخليفة علي وحده في نظر الشيعة الإثنى عشرية، ينكر شيوخ السّلفية ما حصل في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الدّولة الإسلاميّة و يحاولون القفز عليها أو تشويهها بما يتماشى و رؤيتهم السّياسيّة التي تصوّر السّلف على صورة لم يكونوا عليها أصلا. السّلف من الصّحابة و التابعين لم يكونوا رجالا و نساء أوقفوا حياتهم على التقوى و الورع و التّعبّد و التّزهد في الحياة الدّنيا بل كانوا مثلنا يسعون وراء الدّنيا مجسّدة في السّياسة. لقد كان الصّراع السّياسي زمن الفتنة الكبرى صراعا دنيويا سياسيًّا قبل أن يكون صراعًا دينيًّا.

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا