عندما تصبح صفحة خالد سعيد أكثر انتشارا من كل الصحف القومية فلابد أن نسأل لماذا؟
الصحف التى لا تستطيع الحياة بعيدا عن درجات الرأفة الحكومية
كل كلمة تنشر في هذه الصفحة تقرأ في خلال ساعة واحدة أكثر من نصف مليون مرة
لم يصبحوا (شوية العيال بتوع الفيسبوك) فبعد أن قرروا الخروج من عالمهم الإفتراضي إلى أرض الواقع وبعد أن كانوا يصلون إليك عبر أسلاك الهاتف وكابلات الإنترنت والرسائل الخاصة أصبحنا نراهم في وقفاتهم واحتجاجاتهم كل لحظة وأصبحت الجمعة المتشحة بالسواد عرضا متواصلا لا نسمع فيه هتافات لكننا نري مصر قد ارتدت الحداد واخرجت قرآنها وانجيلها واقفة على أي كورنيش معلنة الحداد على الشهيد خالد سعيد
في البداية تجاهلتهم الأجهزة الرسمية ثم أطلقت عليهم جحافل الأمن المركزي وفي النهاية تطوع حملة أقلام الصحف القومية للنيل منهم ومن أهدافهم فحاصروا الجريدة وفضحوا كذبها بالصور والفيديو وكشفوا ضعف هذه الصحف التى لا تستطيع الحياة بعيدا عن درجات الرأفة الحكومية التى تضاف كل صباح إلى دفاتر إيرادتها وتوزيعها
هم لا يملكون شبكة توزيع جبارة عبر البلاد ولا جيوش من الصحفيين والعاملين بحجم دولة صغيرة ومع ذلك فالمفاجأة المدوية أن صوتهم أعلى من كل هؤلاء وبلغة الصحافة فإن صفحة (كلنا خالد سعيد) أكثر قراءة وزيارة من كل الجرائد القومية في هذا البلد وكل كلمة تنشر في هذه الصفحة تقرأ في خلال ساعة واحدة أكثر من نصف مليون مرة وهو ما يعنى نصف مليون قارئ وهو عدد لا تحصل عليه كل الجرائد القومية التى يعود لها مرتجعا أكثر مما توزع
هؤلاء ظاهرة نعم لكن تدنى حالة الصحف القومية أيضا ظاهرة وتحول صحف الحكومة إلى نسخ متشابهة تشبه النشرات الدعائية أيضا ظاهرة
هؤلاء ظاهرة نعم لكنهم حافظوا على ميثاق شرف فيما ينشرون بينما للأسف لم تنجح صحف حكومية كثيرة في المحافظة على ورقة التوت التى تستر عورتها فأخطأت في عد المتظاهرين وخفضت عددهم إلى العشر وافترت كذبا على إعلامية مثل بثينة كامل وحضورها المظاهرات بينما كان لديها ما يثبت أنها كانت في برنامجها المذاع على الهواء في القاهرة وحاولت الدس للجميع عبر الإدعاء بأن النساء حاولوا منع المتظاهرين من أداء صلاة الجمعة رغم البث الحي للمظاهرات عبر موبايلات الناشطين
الجرائد الحكومية التى مارست سقوطا مذلا هي وبعض الجرائد الخاصة وشبه المستقلة ثبت أنها غير قادرة على الحياة في عصر الإعلام الجديد وعصر المعلومة المتاحة فعندما أصبح في مقدورك الحصول على المعلومة من اكثر من مصدر بينما الرقيب الذي يعشش داخل نفس كل رئيس تحرير يمنعه من نشر الكثير يصبح هذا الرقيب هو أداة اعدام للصحيفة لأن الحقيقة والخبر سيصل للناس ولكن حتما ليس من خلال صحيفة تمارس الكذب
في عصر المعلومات وعبر الشبكات الإجتماعية يصبح جوبلز مجرد تلميذ فاشل وتصبح إدارات الإعلام ووزاراته كديناصورات منقرضة وتصبح الرقابة مثل النعامة التى ترفض بمفردها أن تري الخطر
وعندما تتراجع كل هذه الصحف بسرعة الضوء يصبح الحديث عن الدعم الذي تتلقاه من باب الحديث عن اهدار المال العام ما لم يكن الغرض منه هو توفير فرص عمل للعاطلين أصحاب المهارات العملية الضعيفة ويصبح العمل في هذه الصحف يشبه الخروج على المعاش
الإعلام له لغة أخرى غير ما نمارس عندنا ، تقريبا نحن نمارس شيئا شديد الشبه بالإعلام لكنه بالقطع ليس إعلاما فعندما خرجت قناة الجزيرة من قطر كانت النتيجة سحب البساط من تحت نشرة أخبار التاسعة التى لا تهتم إلا بأخبار لا تهم أحدا فيما عدا رئيس تحرير النشرة وأشك شخصيا أنها تهمه هو أيضا وكانت النتيجة أن قنواتنا الأرضية أصبحت مثل السوبر ماركت المهجور وأعرف كثيرون لم يشاهدوا القنوات المصرية منذ سنوات
وعندما أصبح هناك بعض الصحف المستقلة تراجع على الفور دور صحف الدولة وهو ما برروه وقتها بأن الإعلام الاصفر أكثر توزيعا لكنه حتما سيتراجع بعد بعض الوقت لكن الذي حدث أن الصحف المستقلة وصحف الدولة مارسا تراجعا متزامنا في اللحظة التى حصلت فيها الصحف المستقلة على كوتا الإعلانات التى ضمنت لها دخلا لا تريد النزول عنه فأصبحت قومية في الواقع وإن ارتدت قناع المستقلين
المعركة الأخيرة كشفت كل شئ وسقط الإعلام الرسمي بكل أطيافه أمام الإعلام البديل وأمام الصفحات التى يحررها الناس بأنفسهم والتى تتابع خبريا الأخبار التى تهم الناس بالفعل وليس الاخبار التى تضمن بقاء رئيس التحرير على مقعده بعد تجاوز الستين
عندما تنظر هذه المرة إلى الجرائد الموجودة على الرصيف لدي الموزعين وينتابك الشك في صدق المقال يمكنك أن تقترب من بائع الجرائ وتسأله وتحصل على إجابة من الواقع دون أن تكون مرغما على تصديق شيئا لم تراه بعينك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق