بلد للبيع الوسطاء يمتنعون
بدأت بالفعل في البحث عن بلد آخر للبيع لكن الكارثة أن جنيهاتي المصرية لا تجد من يعترف بها والكارثة الأكبر ان البلد الوحيدة التى وجدتها معروضة للبيع كانت نفس البلد التى أحاول أن أهرب منها
هل يمكن أن يتحول الوطن إلى قوة طرد ؟
هل يمكن أن يصبح الوطن إلى تذكرة ذهاب دون عودة ؟
كنت أظن ذلك خارج حدود المستطاع لكن يبدو أن ذلك هو واقع الحال وهو ما باحت به شهرزاد قبل أن تسكت عن الكلام المباح
ولكن إذا كان كل ما نراه في إطار الكلام المباح فما هو ذلك الكلام غير المباح والممنوع من الصرف والنشر والموضوع في جدول الممنوعات؟
نحن اكثر شعوب الأرض إنتقادا لأمريكا وأكثر شعوب الأرض طلبا للهجرة إليها ، ونحن لا نمارس الهجرة والسفر لأننا شعب تحت الطلب ، ولا نقف أمام أبواب سفارات الدول ومكاتب التسفير لأننا نعشق الطوابير
كل ما هنالك أننا شعرنا أننا غير مرحب بنا على هذه الأرض وطالت حيرتنا حول السبب ثم رضينا بخيار من إثنين لا ثالث لهما: إما أن تتركها وإما أن تتواري عن الأنظار داخلها
ورضي فريق منا بتركها كما رضي الباقي بالخيار الثاني لكن لم يتركونا ، بإعتبارنا دخلاء على أرضنا ونشغل حيز من الفراغ كان لابد أن نختفي
ونختفي هذه كلمة لا تعنى شيئا فنحن في الواقع مختفين لكن يبدو أننا لسنا ضالعين بممارسة الخفاء على أكمل وجه فيمكن أن تلمحنا تشريفة أو نسقط في طريق عظيم لذلك كان لابد أن نختفي أكثر بعض الشئ
لكن حتى عندما فعلنا هذا ارتكبنا خطأ فنحن مسموح لنا بالإختفاء كل أيام السنة إلا أيام تحصيل فواتير الماء والكهرباء والضرائب هنا لابد أن نظهر نحن ونقودنا ثم نعود إلى حالة البيات الشتوى المفروضة علينا والمستكينين إليها وكفي
الإختفاء بطبيعته ممل لذلك لم يبخل علينا أولى الأمر فمدونا بشبكات النت وفضائيات الرقص والغناء ولمن يريد شكلا آخر من أشكال التسلية تركوا لنا فرجة من برامج تناقش وتجادل ثم تخرج إلى فاصل يتيح لك النعاس
كل ذلك لم يكن كافيا لنا لأننا غير أسوياء ..سخفاء ...ناكري جميل ، نظهر بين آن وآخر ودائما ما يكون ظهورنا في المكان الخطأ والزمن الخطأ
لكن من يمسك العصا يستطيع استخدامها ضد كل من عصا ومن يملك القوى يملك الحق فكل قوانين العالم هي صياغة لمبادئ العنف المنتصر يستوى في ذلك قوانين حمورابي وتشريعات شيشرون وكان علينا أن نفهم الرسالة لكننا كالعادة لم نفهم شيئا
سبعة ألاف عام لم نفهم شيئا ربما لأننا لا عقول لدينا ، ربما لأننا نعشق الخديعة أكلا وشربا وكلاما
نحن خارج العصر نعم بل يمكنك أن تزيد أننا خارج هذا العالم ، نعيشه إفتراضيا ونلمس أرض واقعه عندما يؤذن لنا ثم نجمع كل ما سقط من جيوبنا ونعود إلى الخفاء قانعين بأننا استطعنا أن نلتقط لفافة السجائر وقلم الرصاص المكسور قبل أن تدهسها قدم ثقيلة ونقضي المساء في غناء لا يفهمه سوانا متعللين بأن الفن توريه والتلميح لا التصريح هو الغرض الفني الأمثل فنأكل الخديعة متبرعين لأننا لا نريد الإعتراف أننا أجبن من أن نتحدث وأضعف من أن نصرخ وأتفه من أن نبكي
مازال هناك في جيبي بضع جنيه قادر على شراء رغيف خبز مدعوم ومازال لدي بضعة أمتار مسموح لي بأن أشغلها طيلة الصباح ومترين أهجع إليهما عندما أنام وأنا مصر على الحفاظ على هذه الملكية الضخمة إلى أبد الآبدين وربما أطمع في توريثها لأطفالي راضيا بأن هنا في هذا المكان هذا هو كل المتاح وهو ما يجعل للمتاح قيمة لا تدركها العقول التى أدمنت البراح
نستمر في الفلسفة واللف حول الأفكار فنتكلم كثيرا ولا نقول شيئا كما فعلت معك منذ بداية هذا المقال وعليك أن تقرأ ما بين السطور إذا كانت هناك سطور متبقية ثم تقنع من الغنيمة بالإياب ويكفينا أننا سنعود إلى الخفاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق