الصحف القومية والغناء تحت الدش
لن أذكر إسمه لأننى مصرا على تركه مجهولا
عندما يكتب الصحفي أو الكاتب مقالا تنشره صحيفة لا يقرأها أحد فإن الأمر يشبه الغناء في الحمام ...أنت تغنى لنفسك أولا وأخيرا لا جمهور ولا كاميرات ولا تسجيلات ...فقط أنت تغنى لنفسك وقد لا تسمع أنت أيضا صوتك تحت تأثير الماء المنهمر من الدش ويتحول غنائك إلى حالة من العبثية تمارسها بدافع التسلية أو بدافع مركب نقص دفين كون صوتك قبيحا لا يهوي الناس سماعه فتفرغ كبتك المرضي بوصلة غناء مصحوبة بحلم يقظة أن البانيو قد تحول إلى مسرح ملئ بالجمهور إلى أن تفيق من غفوتك ويعود لك رشدك فتغلق الماء وتجفف جسدك العاري وتخرج من المكان الوحيد الذي مارست فيه غنائك إلى عالم الواقع
تحديدا هذا هو ما يحدث مع العديد من كتاب الصحف القومية التى أصبحت بفضل ثورة الإنترنت والفضائيات مجرد مطبوعات تعتمد في تمويلها على دعم الدولة وعلى حصيلة بيع (الدشت) أو المرتجع من جرائدها بعد أن تلتهم الشمس صفحاتها دون أن يفكر أحدا في شرائها ولو من أجل وضعها فوق الرأس إتقاء لشمس يوم حار
تخيل أنك تكتب في مطبوعة هذا حالها بالكاد توزع على طريقة التوزيع بالإكراه وهو توزيع يتم عبر إشتراكات الجهات والشركات والهيئات الحكومية التى تشترك في هذه الصحف التى تصل إليها تحت مبدأ (زيت الحكومة في دقيقها) وتخرج من سيارة التوزيع إلى هذه الهيئة أو تلك لتجد طريقها سريعا إلى صناديق الزبالة
بكل تأكيد لن تكون سعيدا عندما يكون هذا هو مصير بنات أفكارك التى قضيت الليل تحاول إنجابها مستعينا بالفياجرا الفكرية وأكواب الشاي وفناجين القهوة لتخرج مقالتك محكوم عليها بالموت والوأد حية على طريقة أهل قريش
إن كنت تدري أن هذا مصير مقالتك فهذا شأنك الذي قد تكون تمارسه لسبب آخر مثل الحصول على راتبك الشهري أو المحافظة على وظيفتك لكن أن تكون مقتنعا بأنك تستطيع التأثير في شريحة من الناس عبر مقالات تأخذ خط سير لا يتغير من المطبعة الى التوزيع الى سلة القمامة فلا شك أنك بحاجة لعرض نفسك وبنات أفكارك وكل من ينتسب إلى هذه الحالة التوحدية على طبيب نفسي واسع الصدر يستطيع سماع قصتك الممجوجة
الحل الآخر أن تستمر في الغناء تحت الدش ثم تغلق الماء وتنطلق إلى الشارع متصورا أن هناك من سمعك وأن هناك من تذكر أغانيك وتنتظر منهم نظرات الإعجاب بإلحاح والنتيجة الحتمية أنك ستصاب بهلاوس سمعية وبصرية حادة تهئ لك أن الجميع يعرفك ويعرف إسمك وصورتك وهنا أيضا هذا شأنك
هذا هو حال كثير من الصحف القومية التى خرج منها من يحاول بكل طريقة أن يثبت ولاءا لا يحتاج إلى إثباته لأرباب العمل وأصحاب لقمة عيشه فيهاجم موقفا شعبيا بشراسة أو ينظر بحدة إلى أين تتجه الحكومة وماذا تريد ثم يوجه قلمه وقد يصادف أن يقرأ أحدا ما نشر من هجوم او إفتراء ممجوج فياهجمون مقالته ويهاجمونه وقد يلتزمون بعدم الإشارة إليه بإعتباره كاتب لا قارئ له سوى عامل صف الحروف في المطبعة والمراجع اللغوى للجريدة ويتجاهلون كل ما كتب وهو على أي حال أفضل تعامل مع أمثال مدمن الغناء تحت الدش حتى لا يمنح فرصة لترديد إسمه بعيدا عن مكتبه
أشعر أنكم تعرفون جيدا عن من اتحدث ولماذا لكن عملا بالنصيحة التى أسديتها لكم لن أذكر إسمه أو جريدته فمازلت مصرا على أن أتركه يغنى تحت الدش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق