السبت، 15 مايو 2010

مصريون و لسنا عربا


مصر والبحث عن الهوية المفقودة
ناصر حذف اسم مصر إرضاءا للعروبيين
ارتباطنا الحقيقي افريقي وبحر أوسطي وليس عروبي


بقدر ما ننظر الى إيران بشئ من النفور بل وبتعجب من حالة الغباء السياسي التى يمارسها نظامها الثيوقراطي هناك بقدر ما تثير إيران الإعجاب في النهاية فهذه الدولة بقت (فارس) حتى بعد أن دخل العرب أراضيها ، اللغة لم تتغير والنقاء العرقي لم يشوبه الكثير من الخلط العرقي مع الجنس العربي وكذلك ظلت إيران حتى بعد أن اعتنقت الإسلام فارسية اللسان والطابع محافظة على مسافة مع فكرة العروبة
ربما يثير إعجابي أيضا أمازيغ شمال أفريقيا فهم لم ينسوا هويتهم رغم كل ما مر بهم بل ويحافظون حتى على لغتهم وينطقونها فيما بينهم –فيما عدا بالطبع الجمهورية الصحراوية التى نتجت عن تدخلات عروبية كثيرة- وهم بهذا الطرح يعلمون أنهم (مؤقتون) في المنظومة العربية
 
مجرد وعيهم بأنهم في النهاية ليسوا عربا كاف جدا لبث الأمل في النفوس هناك بأن حالة العروبية المفروضة على الأذهان والمكان هي الى زوال في النهاية
الكارثة الحقيقة هي هنا في مصر التى نجح العرب بمساعدة بعض أهلها في ربط فكرة الدين بالعروبة ونجحوا أيضا في وضع مصر على مسافة من تاريخها الحقيقي إضافة لنجاحهم في حذف اللغة الأصلية للمصريين من الأذهان
لم يكن نجاحهم لفضل منهم ولا لحسن تدبير ففيما يخص اللغة كانت مصر عند دخول العرب إليها لا تتحدث لغة واحدة بل عدة لغات وألسنة بعضها يعود للهيروغليفية التى تحولت الى الديموطيقية بعد إضافة بعد الحروف إليها كما أن مناطق مصر المختلفة لم تكن تتحدث بلسان واحد وجزء كبير من هذا يرجع الى فرض الكهنة في مصر سياجا حول معرفة الكتابة والقراءة يضمن لهم الإحتفاظ وحدهم بالقدرة على قراءة نصوص أديان مصر المختلفة يشبهون في ذلك تماما ما قام به رجال الدين المسيحي في العصورالوسطي وإصرارهم على عدم ترجمة الإنجيل للغات الدارجة بدلا من اللاتينية التى كانت تستعصي على القراءة في تلك الفترة
ونحن لن نقف عند التاريخ المغرق في القدم لكننا قدمنا له في إطلالة سريعة لنصل الى مبتغانا وهو ماذا فعلت العروبة بالمصريين ومصر
حتى قيام ثورة ناصر في مصر كانت أخبار العرب والحجاز وغيرها تنشر في الصفحة الشرقية بالجرائد المصرية كما أن مصر كانت تعرف سوريا ولبنان بإعتبارها (الشام) وبلاد المغرب بإعتبارها بلاد المغرب لكن الأمر تغير تماما بعد ثورة ناصر
ناصر جريا وراء مجد لا يقف عند حدود دولته الإقليمية قبل بفكرة هلامية حول ربط مصر بالمغرب والخليج في منظومة تتحدث عن فكرة العروبة الهلامية ووجد أن وضعه الجغرافي وسط هذه المنظومة كفيلا بجعله مركز السيطرة والجذب والنفوذ في هذا المكان من العالم وفي سبيل ذلك قبل الدخول في تحالفات غير مفهومة وعلى غير أساس لذلك سقطت هذه التحالفات بأسرع مما قامت فنجده يتحالف مع ويتوحد مع سوريا ويغير أسم مصر الى الجمهورية العربية المتحدة ، ولا نعرف متحدة على أي أساس فبين سوريا ومصر مساحة جغرافية مشغولة بالدول المختلفة وبين مصر وسوريا خلافات حقيقية في طباع الشعوب وتاريخها فسوريا مهما تحدثت عن عروبتها هي في النهاية فينيقية ومصر مهما مر بها تبقى في أذهان الجميع فرعونية
طبعا كان من الطريف أن مصر التى لا تحتاج الى تعريف غيرت اسمها مرات عديدة من المملكة المصرية الى الجمهورية الى الجمهورية العربية المتحدة انتهاء بلصق صفة العربية بها لتصبح جمهورية مصر العربية وهي ما ظل لصيقا بها حتى اللحظة
ومصر لم تجني من العروبة غير التورط في كل مشاكلها دون أن تحصل منها شئ في الواقع فمصر تورطت مرارا في فلسطين دفاعا عن (الأشقاء العرب الفلسطينيين) وهؤلاء تحديدا كان الفراعنة يسيرون لهم جيشا كل فترة لتأديبهم خوفا منهم على الأراضي المصرية لما عرف عنهم من إثارة البلبلة
ومصر تحت اسم العروبة خسرت رصيدا هائلا في السودان عمقها الإستراتيجي لتثبت للقومين العرب أن مصر لا تفرض الوحدة بالقوة
ومصر تحت اسم العروبة تورطت في دعم ثورة الجزائر ليس حبا في الجزائر ولا في الثورة بقدر ما كان حبا في ممارسة دور يمكن أن تقسم من خلاله على عروبتها كما يمكن أن تجعل اسم ناصر يجد له مكانا اخر ينطق به فيه غير مصر
ومصر تحت اسم العروبة احتضنت وبقوة ابتكارا بريطانيا في الاساس هو الجامعة العربية وحاربت من اجل بقاءها على ارضها لتثبت للجميع عروبتها
ومصر تحت اسم العروبة اضطرت كي تخرس الالسنة العربية الى التحرك ضد اسرائيل بعد حرب 1956 لتتورط في حرب طاحنة خرجت منها باللاءات الثلاث الشهيرة لناصر التى لم تفد مصر في شئ
ومصر تحت اسم العروبة تعرضت للكثير من المؤامرات من ملوك السعودية خاصة بعد أن تدخلت لدعم (الأخوة العرب في اليمن) فواجهت كل ما لم يخطر ببالها هناك وكان على مصر أن تستقبل كل ما وجهت بمزيد من الصبر حفاظا على (عروبتها)
ومصر في اطار العروبة التى تخلط بين الدين واللغة والدولة كان طبيعيا أن تتعرض لمتاعب لا تنتهى من الحركات الرجعية الإسلامية التى تحاول أن تكون عربية بأكثر من العرب
حتى اللحظة مازالت مصر تمارس سياسة هادئة في مواجهة منغصات واستفزازات لا تنتهى من دول بحجم قطر أو بهمجية النظام الحاكم في الجزائر أو حتى مثيرة للريبة والدهشة كما هو الحال في السودان ويصبح على مصر أن تمارس نوعا من ضبط النفس بإعتبارها أم الجميع والشقيقة الكبري وغير ذلك من المسميات التى ابتدعها كتاب ناصر ومنظري ثورته بصرف النظر عن المصالح المصرية الحقيقية التى ترتبط استرتيجيا بالعمق الأفريقي حيث شريان الحياة وبحوض المتوسط وهو المجال الحيوي الحقيقي لممارسة الدور وحتى هو الأقرب لشكل الثقافة المصرية
مصر تحتاج الى وقفة مع نفسها تصارح نفسها فيها بأنها (مصر) وليست جمهورية مصر العربية ولا الجمهورية العربية المتحدة ولا احدي مناطق نفوذ العروبيين وتدرك أنها و كانت لا يمكن أن تعود مصر الفرعونية فإنها تحتاج الى عملية تمصير منظمة تعيد لها هويتها المفقودة والمستبدلة بهوية مختلقة لا تخلق لها تميزا عن سواها من الدول التى فقدت هويتها الوطنية تحت ضغط الزحف العروبي

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا