الجمعة، 14 مايو 2010

هيلا هوبا وهيلا هوبا اصحوا ياللي تحت القبة


هيلا هوبا وهيلا هوبا اصحوا ياللي تحت القبة
المعتصمة على رصيف مجلس الشعب أم المنقبة التى تبحث عن طول النقاب
عندما تتجه الدفة الى اليسار يتحول الاخوان من رقم صعب الى رقم صفر
الإخوان بحكم نشأتهم البريطانية لا يمكن أن يتفاعلوا مع المعتصمين


النداء هو نداء فتاة من عمال امنيستو حملها المعتصمي علي رصيف مجلس الشوري على الأكتاف حاملة ميكروفونها وهو سلاحها الوحيد في الدفاع عن حقها
شعرت بكثير من التقدير لفتاة في عمر الزهور اختارت الإعتصام للمطالبة بحق مسلوب بدلا من التسكع على الكورنيش ممسكة بيد شاب يتبادلان عبارات الغزل
الفتاة ليست أكبر الموجودين في إعتصام أمنيستو سنا لكنها كانت الأقدر على تحمل ظروف الحر الشديد والظروف المعيشية الصعبة التى يعيشونها والتى تكرمت الحكومة الرشيدة بإعطائهم أجازة منها لبعض الوقت بعد أن أوهمتهم أن مشكلتهم تم حلها أو جاري حلها وكانت الحكومة تأمل أن فض الإعتصام في شكله الأول يضمن تفرق العمال لكن العمال عادوا من جديد الى مكانهم المفضل على رصيف مجلس الشوري خاصة بعد أن ضاق رصيف مجلس الشعب بضيوف جدد يأتون كل لحظة من محافظات مصر المختلفة
أحد المعتصمين قال أنه لم يكن يعرف لا المكان ولا شارع مجلس الشعب أو مجلس الشوري لكنها في النهاية (كلها حكومة)



والحكومة في ضمير الشعب المصري تعني الكثير فهي التى تعرف كل شئ عن أي شئ ، وهي التى يمكنها فعل أي شئ بداية من تغيير حياتك الى الأفضل وحتى إنهاء حياتك كما كان يحدث في عصور لا أعادها الله
والحكومة في ضمير الشعب المصري يمكنه أن يكرهها وينقدها ويطلق النكات المؤلمة عليها لكنه في النهاية يحتفظ بموروث تاريخي يجعله أول المدافعين عن هذه الحكومة ضد أي شخص يتناولها بالسوء من خارج مصر
دائما كانت الحكومة في نظر الشعب المصري تحتل مكانا مشمولا بقدسية وهالة لا يقربها شئ وفي بعض الأزمنة أصبحت الحكومة في العرف المصري تعني فقط ضابط الشرطة الذي لم يكن المصريون يرون سواه كممثلا لسلطة وهيبة الدولة وهو دور قامت به الشرطة المصرية منذ قيام الثورة التى غيرت وجه مصر سواء للأسوء كما أظن أو للأفضل كما يري أخرين لكن في النهاية يبدو أن شيئا من ذلك قد تغير فالشرطة التى تخيف الشعب وتضرب المتظاهرين وتمارس سلطتها بصلف وقسوة كانت تسعي للمعتصمين بزجاجات المياه وهو ما قوبل من المعتصمين بكثير من التقدير تستطيع أن تلمسه في أشياء بسيطة
أحد المعتصمين يطلب من رجل الشرطة الذي يقف أمامه كوب من الماء لإبنه بينما آخر يتجاذب حديثا عاديا حول صعوبات المعيشة التى يواجهها وسجائر متبادلة بل ويمكنك القول أن هناك حالة من الألفة بين المعتصمين ورجال الشرطة المحيطين بهم جعلت البعض من هؤلاء ومن هؤلاء يعرفون أسماء بعضهم البعض جيدا ويسألون عن أحدهم اذا تغيب أو كلف بخدمة في مكان آخر
الغريب في الأمر هو أن تري اعتصاما آخر للمحامين ممن لم يستطيعوا أن يحصلوا على حقهم من وزارة العدل بالقانون الذي تمثله والغريب في الأمر هو أن يلجأ رجال القانون الى التحرك خارج الهيئات القانونية للحصول على حق يرونه لهم ولا يعنى ذلك شيئا سوى أن هناك كثير من القانون والأحكام غير المفعلة جعلت حتى ألصق الناس صلة بالمنظومة القانونية يحتكمون الى عدالة الشارع ومحكمة رصيف مجلس الشعب والشوري
بطبيعة الحال يقفز البعض فوق المطالب العادلة والمشروعة وينتهز فرصة أي ظهور ليعلن عن نفسه مثلما فعل أحد رجال الحزب الوطنى الذي يصرخ بأن اتفاقه مع أحمد عز على مجموعة من المصالح المتفق عليها جري تجاهله ، الرجل أحد أعضاء الحزب الوطنى في احدى المحافظات ويقول أنه كان بينه وبين أحمد عز اتفاقا في مقابل مساعدة أحمد عز على النجاح في الإنتخابات وأن أحمد عز أدار ظهره للرجل بعد نجاحه في الإنتخابات ، وهنا بطبيعة الحال يمكنك أن ترى أحد المنتفعين يبحث مصالحه الشخصية مرتديا ثوبا ليس ثوبه لكن طالما أن الفضائيات تصور والناس تشاهد فربما يخاف أحمد عز من لافتات رجل الحزب الوطنى الثائر ويقابله وربما تحت ضغط الحاجة الى صرف البعض من أمام مجلس الشعب ينفذ له أحمد عز بعض مطالبه التى نعرف جميعا أنها لا تخرج عن ترسية مناقصة أو مساعدة في عطاء تجاري
أما المثير للعجب حقيقة هو موقف المسؤلين ممن اضطروا للخضوع لصوت الجماهير المعتصمة أمام مجلس الشعب والشوري فعندما طالب بعض أصحاب الإحتياجات الخاصة بحقهم الذي كفله لهم القانون في شقة من شقق المحافظة واضطرت المحافظة لتلبية الطلب سلموهم شقق غير آدمية ورفضوا تسليمهم عقود التمليك وفرضوا عليهم عقود اذان لأنهم ببساطة : تخيلوا أن الحكومة لها يد يمكن أن تؤلمها
وجهة نظر المحافظة أن هؤلاء حصلوا على حقهم (بالعافية) وبالتالي فيبدو أن المحافظة ستمارس بدورها سياسة النفس الطويل وتخرجهم من شققهم (بالعافية) أيضا ولكن هذه المرة ليس بقرارات الإزالة ولا الإخلاء ولكن بسياسة التطفيش الحكومية التى يجيد ممارستها صغار الموظفين خاصة أن صغار الموظفين هؤلاء لهم امبراطوريتهم الخاصة والتى يهدد مكاسبها ورشاويها الظاهرة والخفية فكرة المطالبة العلنية بالحق الضائع

نعود للمعتصمين على رصيفي الشعب والشوري وتحديدا الى الفتاة التى للأسف لا أملك صورة لها وهي تهتف :
هيلا هوبا وهيلا هوبا ...اصحوا ياللي تحت القبة
هذه فعلا هي الفتاة المصرية التى تحتاجها مصر ، ليست الفتاة المنقبة التى تنشغل بالطول الشرعي للنقاب ولا ماذا يمكن كشفه من مفاتن المرأة وما يجب حجبه ، وهي أيضا ليست الفتاة التى تبحث عن عريس بأي وسيلة شرط أن يكون لديه شقة أيا كانت..نعم تواضعت أحلام المصريين من شقة وسيارة وبعض الأشياء الأخري الى مجرد شقة (أيا كانت)
هي أيضا ليست الفتاة التى تكتفي بمشاهدة مصر عبر شاشة التليفزيون أو على الفيس بوك أو حتى عبر عناوين الجرائد التى مهما كتبت فهي تحجب أكثر مما تنشر
هذه الفتاة هي المثال الإيجابي للفتاة المصرية التى ربما لم تتجاوز العشرون من عمرها لكنها قررت أن تنزل الى الشارع ، وهي في نزولها هذا ليست مدفوعة بدولارات مظاهرات التغيير من أجل التغيير ولا هي واقعة في غرام أيمن نور ولا هي مصدقة للخطابات الإنشائية للصباحي
هي حتى ليست مقتنعة بأن كل هؤلاء يمكن أن يحركوا ساكنا فهم قد ارتاحوا أخيرا الى تكييف مجلس الشعب وحصانته وخروجهم للشارع حاليا جاء متأخرا جدا ومفهوما في نفس الوقت مع اقتراب الإنتخابات التى أدمنوها
هذه الفتاة أيضا لم تعول كثيرا على كتابات مصطفي بكري اللاذعة والحادة والعصبية الى حد بعيد فهي لا ترى كل هؤلاء وجل ما تراه هو أن الحكومة هنا ..على الناصية ..مقيمة في شارعين يفصلهما أمتار قليلة
وإذا كانت الحكومة هنا ونحن نعرف أين تقطن فربما لا تسمع الحكومة جيدا وربما لا تصلها شكوانا عبر شبكة الإتصالات الذكية ..قد يكون ذلك راجعا الى اننا لسنا جزءا من قرية نظيف الذكية ومجتمعه المعلوماتي وقد يكون ذلك راجعا الى ثقل سمع الحكومة
في كل الأحوال وقطعا للشك باليقين فقد انتقلت الفتاة مع زملائها الى أقرب مكان يمكن أن يقفوا فيه لتراهم الحكومة وتسمعهم لكنهم بعد شهور شعروا أن حالة ثقل السمع لا تجدي معها الهتافات الهادئة فاشتروا ميكروفونا وطبلة وهم مع هذه الفتاة يحاولون الآن أن يجعلوا الحكومة تسمع وهم مستمرون على ما يبدوا في محاولتهم الى فترة غير معلومة

هذه الفتاة لم تكن بمفردها فعلي الجانب الآخر وعلى رصيف مجلس الشعب كان الإعتصام يشبه معسكرا للغجر ، بطاطين علقت على سور مجلس الشعب لتأخذ شكل مظلات للوقاية من حر مايو الشرس ، أطفال منهكين يقفون بجانب أمهاتهم ، نساء ونساء فقط تقريبا وقفوا وجلسوا وافترشوا الأرض مطالبة بحقوقهم في شقق دمنهور منخفضة التكاليف أو الإسكان الشعبي
المرأة المصرية هي أول من زرع وحصد في هذا البلد وهي من حولت راعي الغنم المصري القديم لفلاح وربطته بأرضه فأثمر الحضارة والأهرامات التى نتغنى بها والتى مازالت تنفق علينا حتى الآن ، المرأة المصرية بخلاف كل نساء هذه المنطقة من العالم هي من صنعت الحضارة وكان جزائها في النهاية الإقصاء بدعوى أنها عورة ورجس من عمل الشيطان وكل تلك المسميات والأفكار التى تعشش في أذهان المتأسلمين
لكن المرأة المصرية أخيرا قررت أن تجابه كل شئ شبه منفردة تحمل إبنها علي كتفها كما حملته طوال سبعة ألاف عام وتقف به أمام مجلس الشعب والوزراء والشورى تماما كما فعلت على مدى تاريخها السحيق عندما طلبت حقها من حكام مصر الفرعونية وعندما طلبته من حكام العرب عند احتلالهم لمصر وعندما خرجت تطالب بكل حقوقها بعد دخول نابليون الى مصر وعندما خرجت في مظاهرات لا تهدأ في القرن التاسع عشر
مرة ثانية تخرج المرأة المصرية للشارع ليست مندرجة تحت شعار حزبي ولا ضمن تيار سياسي ولا مؤيدة لمرشح ولا معترضة على نظام حكم ...فقط قررت أن تطلب حقها بكل الطرق بعد أن قعد الرجال عن الأمر
الطريف والمبكي في نفس الوقت أن اعتصام نساء دمنهور سببه أشبه ما يكون بالكوميديا السوداء ونكت الكاريكاتير وقفشات الحشاشين فمحافظ البحيرة قرر أن شقق الإسكان التابعة له في دمنهور لها تكلفة معينة و أن على المتعاقدين مع المحافظة تسديد هذه التكاليف على بصرف النظر عن جودة الوحدة السكنية وموقعها وأن المحافظة تعاقدت على سعر محدد للوحدة هو 16000 ألف جنيه
لكن المحافظة لأنها حكومة يمكنها أن (ترجع في كلامها) ولأن المحافظة حكومة فآخر ما يمكن أن يصيبها من عدم تنفيذ الإتفاق هو الدعاء وكنس السيدة وبعض الشتائم في المجالس الخاصة لكن ( الشتيمة مبتلزقش)
إذن قرر المحافظ أن يدفع هؤلاء ...وهؤلاء يضمون ممرضة عجوز أرملة وموظفة مرتبها 300 جنيه وعامل متعطل ويعول أطفال لا يجدون ثمن سندوتش يضعونه في حقيبتهم وهو ذاهبون للمدرسة إذا ذهبوا إليها من الأصل مع الإعتذار لوزير التعليم
المحافظ قرر أن يدفع هؤلاء التكلفة الفعلية للوحدة ، ومع منظومة حكومية تبنى بأضعاف السعر الذي يبنى به المقاول العادي ارتفعت التكاليف جدا وأصبحت سعر هذه الوحدات من 60000 ألف جنيه الى 90000 .
إذا كان الأمر كذلك وكان هؤلاء قادرين على دفع هذه التكاليف فبديهي ومنطقي أنه لم يكونوا في حاجة للجوء للمحافظة فيمكن أن يسكنوا في أرقى مناطق دمنهور بهذا السعر لكن المحافظة ترد: هو كده واللي مش عاجبه يشرب من الترعة
نساء دمنهور لم يعجبهن الأمر ويأسوا من صلف المحافظة فسافروا الى القاهرة بأطفالهم وبطاطينهم واعتصموا أمام الحكومة فربما ترى ..ربما تسمع..ربما تتحرك
لكن لماذا النساء وليس الرجال من قاموا بذلك ، طبعا من ضمن المعتصمين بعض الرجال لكن الأغلب نساء وربما يعود ذلك الى أن الرجل في مصر أصبح يشعر بتراجع دوره بعد أن تعطل عن العمل وبعد أن أصبح يتقي نظرات زوجته التى تدينه في كل لحظة يصرخ فيها طفله جوعا أو يطلب منه إبنه طلبا هو دائما غير قادر على تلبيته
ولأن الفقر يجعلك ذليلا ، وقلة الحيلة تجعلك تخشى الظهور ، ولأن الرجل لا يمكن أن يبكي أو يشتكي أو يفعل أي شئ سوى التحرك الإيجابي وهو تحرك ليس له خريطة طريق فهو لن يبتدع عملا ولن (يضرب الأرض فتطلع بطيخ) كما أنه مهما تحرك هنا وهناك (فحال البلد واقف وربنا يسهل) وهكذا فقد آثر الرجال الصمت وعندما همت المرأة بالخروج أتصور أن زوجها قرر منعها لكنها عندما نظرت في عينيه كانت ترسل له رسالة تقول: إذا أردت أن تمنعنى فاحصل لي على حقي
لم يكن الرجل مستعدا بالطبع للحصول على (حقها) كما أنه لم يكن يملك أي رؤية حول كيفية الحصول على هذا الحق وهكذا فقد خرجت المرأة من البيت الى الشارع الى رصيف مجلس الشعب والشوري والوزراء مطالبة بحقها وحقه ومشتكية المحافظ والفقر والدنيا كلها
اللافت للنظر هو غياب الأخوان المسلمين وأصحاب الذقون الكثة عن الظهور المنظم لكن لو عرف السبب بطل العجب كما يقول المثل المصري والسبب أن الأخوان يدركون أنه لا مكان لهم في الإنتخابات القادمة سواء بإرادة حكومية أو بشعور شعبي بعد أن خرجت فضائحهم وفسادهم وخلافاتهم للعلن


وهم عندما أدركوا ذلك أدركوا أيضا أن الإعتصامات التى نراها أمام مجلسي الشعب والشورى رغما عن كونها اعتصامات حياتية تخص لقمة العيش أي أنها ليست سياسية إلا أنهم ادركوا أنهم لا يمكن أن يركبوا الموجة لسبب بسيط أن هذه الإعتصامات رغم كونها غير سياسية لكنها اشتراكية المظهر والطابع فمعظم من يقوم بها من العمال والفئات ليست المهمشة في العشوائيات التى يجيدون التحرك بين افرادها واصطياد مدمنيها وتحويله لإدمان اخر بديلا لإدمان الكلة والمخدرات ، لكن هؤلاء عمال فاعلون في الحياة المصرية يطالبون بمطالب حياتية بدأت تأخذ بعدا اشتراكيا خاصة بعد أن افترستهم عجلة الخصخصة والرأسمالية الجديدة ، والاخوان بحكم نشأتهم ذات التمويل البريطاني وبحكم تفكيرهم العقائدي محكومين بميل رأسمالي لا يمكن انكاره وهم يمكن أن يمارسوا تأثيرا من هذا المنطلق لكن عندما تتجه الدفة الى اليسار قليلا فإن الاخوان يتحولون من الرقم الصعب في المعادلة المصرية الى الرقم صفر بكل جدارة
لذلك كان من الطبيعي أن يختفي الأخوان من معادلة رصيف الحكومة ومجلس الشعب ويكتفون بالظهور على شاشات الفضائيات وزفات الإنتخابات وكفي الله المؤمنين شر حر رصيف مجلس الشعب

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا