الجمعة، 30 أبريل 2010

مناقصة إحتلال مصر


مناقصة إحتلال مصر
مرشحي الرئاسة المصرية ومسرحيتهم العبثية


المتابع لما يجري على الساحة السياسية المصرية في هذه الفترة يمكنه أن يفهم قليلا عن ما يدور لكن من يصل إلى مصر بعد غيبة لابد أن يصاب بالذهول وعدم التصديق من عبثية المشهد الدائر على أرضها وعلى صفحات جرائدها وفضائياتها
الجميع هنا اختار لنفسه مرشحا للرئاسة ونقصد بالجميع ليس جموع الشعب الصامت والمبتلى بأفات لم نتخلص منها منذ فجر التاريخ الفقر..الجهل..المرض
من ناحية الفقر فحدث ولا حرج فالدولة التى تحملت أعباء قضية لا تخصها لسنوات ودفعت من مالها ودم أبنائها ثمن الأمن والطمأنينة للعرب حصدت الكثير والكثير من إنكار الجميل واستكثار الدور القيادي لها في المنطقة وكان أبرز المناهضين لدورها كيانات عربية صغيرة أقرب للقبيلة سواء البربرية أو البدوية لكنها في النهاية كيانات قبلية تأخذ شكل الدولة بعد أن عرفت عن طريق الإستعمار أن هناك شئ يسمى دول وأنها الشكل الحديث لإنتظام التجمعات البشرية

وعلى صعيد الجهل فأيضا حدث ولا حرج فمصر التى كانت ترسل ببعثاتها التعليمية حاملة معها الكتب والأقلام وحتى (السبورة والطباشير) الى بلاد غارقة في جهل الصحراء ، مصر هذه وتحت وطأة الظروف والتحديات والحروب التى انغمست فيها وأدت لتدهور أحوالها الإقتصادية حصدت جهلا طال شريحة عريضة من شعبها ، وإذا كانت نسبة الأمية في مصر مخجلة فإن أمية المثقفين وخريجي الجامعات هي الأخري أكثر إثارة للخجل
ونعلم تماما أن كثيرا من رياح التخلف التى دفعت بالمجتمع المصري نحو البحث عن الأمل في العهود الغابرة كتصرف معروف من الشعوب التى تواجه تحديات محبطة فهي تعود الى أزمنة سحيقة وتحمل فشلها على شماعات واسباب غيبية مثل: غضب الله وقلة البركة وغيرها من المسميات التى غذاها وثمنها العائدين من الأراضي الوهابية محملين بفكر يعود للعصور الوسطى فأصابوا مقتلا من الشعب المصري ودفعوا بكثير منه الى دائرة الفكر الدينى المنغلق فزاد الشعب جهلا على جهل
أما المرض فهو متلازمة طبيعية تصيب الشعوب التى تتنازل عن حقها في المعرفة في اللحظة التى تنضب فيها خزائنها ، ولعل من المفارقات أن شريان الحياة لمصر وهو مياه النيل أصبحت هي الأخرى أحد مسببات أكثر ما يعانية المصريين من أمراض يندرج تحت ذلك الفشل الكلوى والأمراض المعدية وغيرها
نحن اذن أمام شعب أرهقه الجوع وهذا ليس سرا ويحصل على أقل من الحد العالمي المحدد للسعرات الحرارية والبروتين وغيره
ونحن اذن امام شعب تملك الجهل من مثقفيه قبل المندرجين تحت فئة (الأميين ) فيه
ونحن اذن أمام شعب تقول الإحصائيات أنه شعب مريض بكل الأمراض من الأمراض الجسدية وانتهاء بالأمراض النفسية التى طفت على السطح فالمصريين يعاني نسبة كبيرة منهم من حالات اكتئاب تتفاوت في شدتها وشكلها إضافة لما يعانون من حالات عنف نفسي ناتج عن احباطات مفهومة ، أضف الى ذلك قدرا غير قليل من الهوس الجنسي ناتج عن كبت جنسي مارسه المجتمع بقوة واصرار عبر منظومة دينية تستورد أفكارها من افكار بن تيمية ومفكري الوهابية مؤيدين بمزاج شعبي عام ذكوري يضع المرأة في مكانة مساوي لمكانة الشيطان
إختصارا نحن أمام شعب يعاني المرض ويكابد ألامه والشعوب التى تعاني المرض وتكابد ألامه مثلها مثل البشر الأفراد تتعلق في كلمة أو خطاب أو بصيص من أمل وهذا تحديدا ما قدمه لها على مدار السنوات الماضية تنظيم الإخوان المسلمين بكل تنظيماته الفرعية التى تندرج تحته والتى ينكر قادة الجماعة أن لهم علاقة بها
المعادلة هذه أدركها مؤخرا دكتور البرادعي الذي قدم للمصريين مجموعة من الكلمات والنظريات المتعددة غير المحددة التى يمكن أن يفسرها أي فرد من الشعب على هواه تماما مثلما يفعل قارئي الفنجان عندما يتحدثون حديثا عاما يمكن أن يفسره من يجلس أمامه وفق أمانيه
وبشكل او اخر لابد أن نعترف ان البرادعي على هذا الصعيد حقق نجاحا غير منكور خاصة مع انخراط مجموعة من دعاة التغيير من أجل التغيير من الشباب الذي يفرغ طاقة الكبت بداخله في تظاهرات لا يدركون كثيرا أهدافها كما أنه حقق كثيرا من النجاح عبر انخراط مجموعة من الشخصيات السياسية التى خرجت من الساحة دون مكاسب من وجهة نظرها وتحول فشلها في تحقيق استمرار على الساحة في دائرة الضوء الى غضب على النظام ككل بإعتباره كان سببا في خروجها من دائرة الضوء
توافق ذلك تماما مع وجود مجموعة من الاحزاب لا تمثل سوى العاملين بجرائدها وداخل مقراتها على أحسن تقدير وأحيانا لا يعلم كثيرون من الشعب لا اسم الحزب ولا أهدافه ناهيك عن انخراط الشعب تحت هذه الأحزاب ، وهذه الأحزاب التى فشلت تماما في انشاء قاعدة جماهيرية تحتضنها لسبب بسيط ومنطقي أن هذه الأحزاب ليست افرازا لحركة تاريخية أو شعبية بقدر ما هي استرجاع لماضي حزب كما في حالة الوفد أو جريا وراء تسهيلات ومصالح تدر كثيرا من الوجاهة الاجتماعية والمكاسب المالية كما هو حال العديد من هذه الاحزاب التى لو أوقفت الدولة عنها حصة الورق المسموح بها لما استطاعت أن تخرج صحفها في اليوم التالي للعلن ، هذه الصحف التى كان احد الأحزاب يحترف تأجيرها على طريقة (تأجير مفروش ) لكل جماعة لا تستطيع استصدار ترخيص لجريدة خاصة بها
لكن الحادث أن الكعكة المصرية يبدو أنها لم تسيل لعاب البرادعي بمفرده خاصة أن الشكل العام ينبئ عن أن سقوط هذه الكعكة أصبح سهلا فالعام الإنتخابي شهد كثير من الأحداث لا يمكن أن تدفع بالناخب والمواطن إلا بعيدا بعيدا عن الحزب الحاكم فغلاء الأسعار الذي تجسد جليا في أسعار اللحوم اضافة لظهور كثير من حالات الفساد بين المسؤولين مرورا بحالة ترهل أصابت الحزب الحاكم مع اصراره على ضم المستقلين لتحقيق الأغلبية داخل البرلمان ،كل ذلك أصبح يعرض صورة من صور العجز خاصة مع تصاعد دور الفضائيات التى اضطلعت احداها بالنيابة عن الدولة في القيام بدور الدولة لنجدة منكوبي السيول في أسوان

بطبيعة الحال أصبح المشهد يتحدث تلقائيا وبطبيعة الحال كان هناك من فهم أن دوره قد أتي ليقطف الثمرة الساقطة لا محالة فأعلن حمدين الصباحي ترشحه للإنتخابات الرئاسية بإعتباره ممثلا لفترة اشتراكية لم يعاني الناس فيها من صعوبة الحصول على الطعام كما هو حادث اليوم مع وعد بأن الحريات السياسية ستكون مكفولة على عكس الحادث في العصر الذي ينتمي له الصباحي فكريا ومذهبيا
والصباحي لم ينس أن يجمل وجهه بإختيار مسيحيين ضمن فريقه ثم قدم أيضا رسالة للناخبين عبر تخليه عن رئاسة الحزب الذي لم يؤسس بعد بإعتبار ان المصريين سيفهمون أن الرجل بحق يمكن أن يتخلي عن السلطة ديمقراطيا بعد وصوله إليها

أيمن نور المثير للجدل هو الأخر لم يتواني عن التحرك فالرجل له خصومة منع النظام ، والرجل له طموح معلن في الوصول للرئاسة رغم كل الشبهات والإدانات التى حكمت ماضيه بداية من قضايا التزوير وليس انتهاء بعجزه عن تبرير مصادر ثروته اضافة الى حديث لا يهدأ عن علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يجد أيمن نور فيه نقطة قوة وليس نقطة ضعف يمكن أن يغازل بها أحلام المصريين في أن الأمريكان لأجل عيون أيمن نور سيتولون بأنفسهم شأن الإقتصاد المصري المريض مرضا مزمنا لا نعرف له علاجا
وأيمن نور لم يخرج على عادة البرادعي والصباحي في التحالف مع  الاخوان فالجميع يخطب في هذه المرحلة ود هذه الجماعة اليمينية المتطرفة لا لشئ إلا لأنها الجماعة الوحيدة التى تسيطر حقيقة على أفراد على أرض الواقع يمكن أن يخرجوا للشارع في اي لحظة
الطريف أن رئيس حزب الغد الذي لا أذكر اسمه قام هو الأخر بالترشح للإنتخابات بإعتباره رئيسا شرعيا لحزب الغد المتنازع على شرعيته ورئاسته شأنه شأن باقي الأحزاب ، والرجل الذي لا يعرف المصريين عنه شيئا يجد أنه خصما قويا لكل المرشحين كما يعلن وإن كنت أظن ان الأمر لا يخرج عن كونه محاولة للوصول الى الفضائيات والكاميرات التى لا تنظر إليه مطلقا
أما ما يعلن للجميع أنها ملهاة عبثية أن كل هؤلاء المرشحين لا أحد منهم بحكم القانون مؤهل للترشح فحمدين صباحي عضو في حزب غير شرعي أو على أقل تقدير هو حزب تحت التأسيس حتى لو أصدر مطبوعة الكرامة بسماح من الدولة
وأيمن نور رجل أدانه القضاء في ذمته الشخصية وليس عضوا في الهيئة العليا لأي حزب سوى الحزب المتنازع عليه وهو حزب الغد الذي قام( رئيسه الشرعي ) بإعلان ترشحه
والبرادعي أيضا ليس أمامه سوى أيام لينضم لحزب يضمن له الترشح وإلا فليس أمامه سوى محاربة طواحين الهواء
الجميع يحلم بحكم مصر وكل له أجندته الخاصة وكل يحاول أن يقدم لمن يطلب دعمهم القليل على طريقة المناقصات فلا يلقون بكروتهم كلها دفعة واحدة رغم أن كلهم خطبوا ود الإخوان وجميعهم وضعوا مسيحيين ضمن مؤيديهم ذرا للرماد في العيون وجميعهم وعدوا بالديمقراطية لكنها تبقى وعود مطاطة فلم يقدم أي منهم برنامجا مفهوما حتى اللحظة حتى لا يضطرون للكشف عن كل أوراق المناقصة التى يقومون بها للوصول لإحتلال مصر بأقل التكاليف مكتفين بالنزول الى الشارع أثناء المظاهرات سواء كانت مظاهرات زفة البرادعي أو مظاهرات 6 ابريل أو غيرها لكنهم في النهاية لا يجمعهم سوى حلم واحد أظنكم تدركونه جيدا




ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا