الأربعاء، 10 فبراير 2010

صابرين حاولت أن تجد صفية دون جدوى


الديكور الصامت والساكن والساكت والذي لعب دوره الوظيفي فقط
إسهاب ممل لمسرحية هواة أنتجت بحنكة وبممثلين موهوبين


تستمر سيمفونية اللاوعي في إدارة المسرح المصري ودون توقف، لا لشيء سوي فقدان القدرة علي الفعل الجيد والنبيل، الذي من شأنه إهدار كثير من القيم
يقودنا - إلى هذا المعنى القيمي- المنهج المغلوط من ربان سفينة المسرح، وانعدام الفهم الجيد لماهية الفرق المسرحية، بالإضافة إلى عدم القدرة علي الإنتاج الجديد الذي بدوره يقوم بإحياء دور هذا المسرح طوال الفترة الفائتة، خاصة إنتاج عرض مسرحي جديد لا يحتاج أكثر من "45" يومًا حال

 هولة الإجراءات المالية والإدارية.. والسؤال: أين العروض الجديدة؟ وأين النصوص الجديدة؟ وأين الكتاب الجدد؟ والإجابة هنا ننتظرها من الفنان فاروق حسني لأنه الوحيد المسئول عن اختيار قياداته في المواقع المختلفة.. يطرح هذه القضية عرض "خالتي صفية والدير" المعروض حالياً علي مسرح ميامي من إنتاج المسرح القومي. هذا بالإضافة لعدة إشكاليات أخرى نسوقها في سياق المقال
سألنا قبل ذلك: لماذا أعيد إنتاج عرض "أولاد الغضب والحب" والذي قدم منذ عشر سنوات خلت، وأكدنا أن العرض ليس من النصوص الراسخة وليس من العروض ذات البصمة، وهو هنا قد خلعت عنه ماهية فكرة الريبورتوار، وحتى عند عودته لم يقدم رؤية جديدة تلامس قضايا الواقع الآني والحاضر بكل تفاصيله السياسية والاجتماعية
واليوم يعاد تقديم عرض "خالتي صفية والدير وربما للعزف علي النغمة الباهتة والفجة لقضية الفتنة الطائفية والتوحيد بين المسلمين والمسيحيين والعزف على اللحن المشروخ في أن الدين لله والوطن للجميع. هذه واحدة. أما الإشكالية الأخطر وأرجو أن يستوعب الوزير ورجال المسرح والمهتمون بالحركة المسرحية الميتة أن هناك منابر لتقديم العروض، وأن هناك فرقاً مختلفة ولكل فرقة منهج. وعرض "صفية والدير" قدمه المخرج الشاب محمد مرسي - قبل فترة وجيزة وليست بعيدة - من إنتاج مركز الإبداع بالإسكندرية بمجموعة من الهواة وهو أيضا من الهواة والسؤال لماذا إعادة العرض؟ ولماذا بالمسرح القومي؟ ولماذا لم تكن إعادته من خلال صندوق التنمية الثقافية؟!!.. ليس معنى حصول العرض علي جائزة أن يقدم بالقومي وإذا كانت هناك "دواع خاصة" لإعادة عرضه من إنتاج المسرح المصري الاحترافي، فكان لابد من إنتاجه بإحدى الفرق الصغرى مثل الشباب أو الطليعة أو الغد وهذا لعدة أسباب.. الأول لأن العرض قصير جداً وثانياً لأن أحد عنصريه المهمين المخرج والمعد من الهواة والشباب، وثالثاً أن القضية المطروحة مستهلكة ومستهجنة وكتبت أو عولجت بسطحية شديدة وكأنها "خطاب دعوي" لقضية مطروحة يوميًّا بالصحف والقنوات الفضائية. كما طرحت من قبل -أيضا- من خلال المسرحية الأصلية المقدمة خلال مهرجان المسرح التجريبي وكانت شديدة التميز آنذاك وكان يجب أن تكون الرؤية المسرحية أقوى ولكن جاء الطرح المسرحي الحالي كما قلت أشبه "بالبوق الدعوي الفج
نأتي إلى عرض "خالتي صفية والدير" الذي استبدل الهواة بنجوم وممثلين معروفين مثل صابرين وعلي عبدالرحيم وهشام عبد الله وصلاح رشوان
 وعلى غير العادة نبدأ بالديكور وطبيعة السينوغرافيا.. الأول للمهندسة هدى السجيني التي وضعت على خشبة المسرح كل مناظر العرض من فيلا القنصل ومن الكنيسة ومن منزل الرجل الذي ربي صفية وفضاء المسرح من المنتصف وحتى مقدمة المسرح، ولكي يخرج من مطب هذا الديكور الصامت والساكن والساكت والذي لعب دوره الوظيفي فقط؛ حيث يقول هنا يوجد فيلا القنصل وهنا توجه الكنيسة وهنا المنزل ومن خلال الإضاءة.. النور والإظلام على موقع الحدث، وهنا أيضا ضيق المخرج على نفسه إمكانية حركة الممثلين في رحابة وإعمال خياله لتحقيق رؤية جمالية تعبيرية وبصرية وإيحائية، وفي أحيان كثيرة تتداخل الأشياء في بعضها لدرجة السذاجة. حتى في المنظر الواحد، فمثلاً صفية تؤدي الصلاة على سلم الفيلا من الداخل أو من الخارج لا نعرف.. وكذلك التداخل بين الصلاة وأداء التواشيح وأيضاً خطبة والد صفية حول الدين والتسامح في منتصف عمق الفيلا أسفل سلالمها. ثمة أشياء كثيرة اغتصبت جماليات الديكور، وكان من الممكن تحريك المنظر حتى يمكن للمخرج أن يملك المنصة كاملة لكل منظر وحدث درامي على حدته، ولكن أوقعه في هذا الفخ ضعف الإعداد المسرحي لحمدي زيدان، بالإضافة إلى عدم شرعية مصطلح "كتابة مسرحية" وكان يمكن قبل إعادة العرض الاستعانة بـ "دراما تورج" لضبط النص المعد عن رواية بهاء طاهر.
"خالتي صفية والدير" هي ملخص موجز جداً للمسلسل التلفزيوني الذي لعبت بطولته بوسي وممدوح عبدالعليم وشتان بينهما،وخالتى صفية والدير إسهاب ممل لمسرحية الهواة التى أنتجت بحنكة وبممثلين موهوبين وشتان بينهم وبين صابرين وهشام عبدالله في شخصيتي "صفية وحربي".. حربي يعمل أو يدير أعمال خاله القنصل الذي تزوج مرات عديدة دون إنجاب ويحثه حربي علي الزواج ويقع اختياره على صفية التي يحبها حربي . ولكن حربي يوافق على الزيجة مع دهشة حبيبته صفية والتي تقوم بدورها على تغذية روح كراهية القنصل له ويتزوج القنصل من صفية وتنجب الطفل. وعلى الجانب الآخر نجد أحد الاتباع الذي يؤكد للقنصل أن "حربي" يريد قتل الطفل حتى يفوز هو بالميراث بعد موته ويقوم القنصل بتعذيب حربي وسط الناس ليحتمي بالدير الذي يقوم فيه المقدس بشاي بالتعاطف معه.. وسط هذا يحدث أن تحاول صفية قتله داخل الدير فتفشل؛ لحث المقدس بشاي علي زرع المحبة والمغفرة بداخلها وببركة العذراء مريم ثم تستأجر من يقتله، ولكنها تفشل أيضا ويشتد المرض على حربي ويموت في الدير "موتة ربانية" وفجأة يستيقظ حب حربي داخل قلب صفية وأثناء وجودها في المنزل الذي تربت فيه تموت صفية وبعدها يصاب المقدس بشاي بلوثة عقلية حزنا على الحبيبين.
هذه هي أحداث المسرحية كما شاهدنا دون تفاصيل جمالية وموضوعية وبأغان لا تحمل دلالات تعويضية عن النص الضعيف. كان يجب تحميل النص بخطاب درامي جديد يستقي أو يستلهم أحداث الواقع وكيف أن الطائفية وتصعديها تأتي بتغذية وتصعيدها خارجي وأن هذه الطائفية وهم صنعة الغرب، وإذا كانت هناك حوادث فردية فهي حوارات مجتمعية وليست حوادث دينية وليست صفية بصورتها المسرحية المطروحة هي التي ستحل المشكلة؛ لأنها لا تزيد علي كون قاتل يحتمي بأحد الأديرة!! كذلك خطبة علي عبد الرحيم حول السماحة والألفة و المحبة بين الناس، ما هي إلا كلمات فجة كثيرة الغضب بقدر ما تثير الشفقة.. التفاصيل الأخرى كالصلوات والترانيم المسيحية ثم صلاة المسلمين وتداخل الأجراس والأذان، ثم الراوي ولماذا الراوي؟!!. الحدث لا يحتاج راو هنا خاصة أنه وفي  بعض الأجزاء يتداخل كلام الراوي مع الأداء التمثيلي
لا أريد هنا أن أغبن حق المخرج الشاب محمد مرسي في المحاولة، وكنت أفضل أن يقدم عمل آخر حتى لا يضر نفسه بتجربة تحسب عليه هي في حاجة إلى كثير من التفاصيل.
موسيقى وألحان أحمد الحجار كانت في حاجة إلى جهد درامي. في تحقيق رؤية درامية موسيقية أعمق وأعذره لضعف الكلمات. أما استعراضات عماد سعيد منحت العرض القدر من "الانتعاشة"، خاصة أن الألحان والكلمات لم تعطه الفرصة الكاملة لتحقيق صورة تعبيرية ذات أبعاد درامية.
الممثلون: بعيداً عن المقارنة أرى أن جميع الممثلين أقوى من الأدوار التي لعبوها باستثناء صابرين التي حاولت أن تجد صيغة أدائية صوتية وتعبيرية لشخصية صفية دون جدوى وكذلك هشام عبد الله. أما علي عبد الرحيم، فقد حاول بدوره وأيضا نرمين كمال، ولكن الواضح فقدان المصداقية في الجماليات والتأثير، خاصة والشخصيات كتبت ورسمت بلا تنوع أو أبعاد حتى في الجملة الحوارية. أما الآخرون فقد أدوا كما يقال "بالمسطرة": إيهاب مبروك وأحمد طارق وصلاح رشوان وسامي المصري ومصطفي عبد الفتاح ونوال سمير.
نقلا عن جريدة الجمهورية المصرية

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مرفوع من الخدمة
تصميم : يعقوب رضا